لقد تم توثيق الحكم الصادر في 28 سبتمبر/أيلول ضد المدافع عن حقوق الإنسان عثمان كافالا وأربعة آخرين من قبل محكمة الاستئناف العليا في تركيا، وقد تم الإعلان عن ذلك مسبقًا من قبل رئيس البلاد.
ويعد الحكم دليلا مروعا على المسار الاستبدادي الذي اتخذته تركيا في ظل رئاسة الحزب الحاكم، حيث يواجه كافالا حكما بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط، ويواجه الأربعة الآخرون الذين حوكموا معه حكما بالسجن 18 عاما، وذلك في قضايا متعلقة بالاحتجاجات الحاشدة التي وقعت قبل عقد من الزمن في حديقة جيزي بإسطنبول. وتُظهر لنا هذه القضية أن نظرية المؤامرة الجامحة والشهية لاستخدام الأشخاص ككبش فداء في محاكمات صورية أصبحت وسيلة لمراقبة أي شخص في تركيا يميل إلى التشكيك في السلطة.
وللقضية أيضًا تداعيات دولية، مما يدل على أن تركيا عازمة على سحق تطلعات حلفائها الأوروبيين والأمريكيين في بناء الثقة بها كشريك يحترم سيادة القانون وأنظمة القيم الأساسية المشتركة، وبدلاً من ذلك فهي تختبر حدود ما يمكن أن تفلت منه فيما يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، فمن الواضح أن وزير الخارجية الجديد ديفيد كاميرون سوف يكون على استعداد لطرح العديد من القضايا الملحة، بما في ذلك مواقف بريطانيا من الحرب بين إسرائيل وحماس والصراع الأوكراني، ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان بالنسبة لكاميرون أن يتواصل مع تركيا بشأن سجلها الحافل بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وخاصة قضية كافالا.
وتستند محاكمة جيزي، التي تمثل قلب القضية، إلى إعادة كتابة خيالية لاحتجاجات عفوية وغير مخطط لها بالكامل ضد الحكومة، لقد تم إعادة صياغتها بشكل خاطئ وصارخ على أنها مؤامرة من قبل رجل واحد للإطاحة بالحكومة.
إلا أن عثمان كافالا كرجل أعمال ورث مجموعة شركات والده، لكنه معروف قبل كل شيء بعمله في المجتمع المدني من خلال جمعيته (Anadolu Kültür) التي تدعم الفنون كوسيلة للمشاركة المدنية والحوار المجتمعي، وهو بالكاد نشاط سياسي، ولا علاقة له على الإطلاق باحتجاجات الشوارع، وبينما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مرتين بوجوب إطلاق سراح كافالا من السجن، وأنه لا يوجد دليل يدعم التهم الموجهة إليه أو الاتهامات الأخرى، والأهم من ذلك هو أن المحكمة الأوروبية خلصت إلى أن الاعتقال في حد ذاته كان ذا دوافع سياسية ، إلا أن فشل تركيا في إطلاق سراح كافالا وإسقاط القضية دفع مجلس أوروبا في فبراير 2022 إلى إطلاق حزمة عقوبات ضد تركيا “إجراء الانتهاك” هذا خطير ونادر، ولم يستخدم إلا مرة واحدة من قبل ضد أذربيجان، وعلى الرغم من ذلك، وبعد شهرين فقط، تمت إدانة كافالا والآخرين، وأصبحت هذه الإدانات نهائية الآن.
وهكذا تجاهلت المحكمة التركية تمامًا الأحكام الملزمة الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن الوتيرة البطيئة لإجراءات الانتهاك تعني أن سلوك تركيا المتحدي لم يسفر بعد عن أي عواقب فعلية، مثل فقدان حقوق التصويت في الجمعية البرلمانية من مجلس أوروبا وعقوبات أخرى غير الطرد من الكتلة، والحقيقة هي أن استراتيجية تركيا الأوسع لانتزاع التنازلات كانت واضحة. بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتسريع عملية عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي، أوقف أردوغان في البداية العملية لكليهما، ثم أصر على أن التصديق على عضوية السويد مشروط بقمع بعض الأكراد الذين يعيشون في السويد وتعتبرهم تركيا إرهابيين. ثم سرق الأضواء في قمة حلف شمال الأطلسي في يوليو/تموز عندما أشار إلى أن التصديق أصبح وشيكاً، قبل أن يؤجل العملية مرة أخرى بإشارات غامضة مفادها أن السويد لم تستوف الشروط بعد وأن البرلمان التركي هو الذي سيتخذ القرار.
وتعتمد تركيا أيضاً على حقيقة مفادها أن خروج روسيا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومجلس أوروبا بعد غزو أوكرانيا أدى إلى تقليص شهية أوروبا لتعميق الصراع مع تركيا ، ومع ذلك، وبينما تستمر هذه الجهود المفسدة، تواجه تركيا أزمة اقتصادية متفاقمة، ولم تتمكن من كبح التضخم الجامح، وكما يتفق معظم المحللين، فهي في حاجة ماسة إلى الفوز باستثمارات أمريكية وأوروبية مباشرة بالإضافة إلى الاستثمارات التي تم جذبُها مؤخرًا من دول الخليج، وكان أردوغان في نيويورك في وقت سابق من شهر سبتمبر لحضور الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة وانضم إلى وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك في محاولة التودد إلى البنوك وشركات التمويل.
فما هو النجاح الذي قد تحققه مثل هذه الجهود الرامية إلى تأمين الاستثمار الطويل الأجل عندما يرى هؤلاء المستثمرون أن المحاكم التركية تتجاهل سيادة القانون وتصدر قرارات لا أساس لها من الصحة بشكل صارخ لسجن أشخاص مثل عثمان كافالا بناء على طلب السلطة التنفيذية ؟
ولأزمة حقوق الإنسان هذه عواقب وخيمة على المجتمع التركي، ولكنها تهدد أيضًا تقويض المعايير الدولية لسيادة القانون. ويتعين على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أن يعقدوا العزم على وضع قضايا مثل قضية كافالا والمتهمين الآخرين في مركز الصدارة عندما ينخرطون على أعلى المستويات مع تركيا، ويطالبون بإلغاء الأحكام القاسية ضدهم، فلقد مضى وقت طويل منذ أن واجهت تركيا عواقب حقيقية نتيجة إخلالها بالمعايير القانونية وحقوق الإنسان