بقلم: *لواء دكتور/ شوقي محمد صلاح
القاهرة (زمان التركية)- قامت عناصر المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة -الموضوع تحت الاحتلال الإسرائيلي- في السابع من الشهر الجاري بعملية عسكرية أطلقوا عليها: “طوفان الأقصى”، واقتحموا من خلالها السياج الحديدي الفاصل بين القطاع والمستوطنات، وسيطروا في جانب من عملياتهم على ثلاث مستوطنات سيطرة كاملة، واحتلوا مؤقتًا موقع قيادة عمليات الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، وأسروا العشرات من قادة وجنود المحتل الإسرائيلي، كما أخذوا رهائن من المدنيين الإسرائيليين ورجعوا بهم جميعًا للقطاع، وأعلن رئيس وزراء إسرائيل في اليوم الثاني لهذا الاجتياح الحرب على المقاومة الفلسطينية بالقطاع، لتحرير الرهائن والقضاء على فصائل المقاومة، وارتكب في الأيام العشرة المنقضية واحدة من أفظع جرائم الحرب التي ارتكبت منذ بداية هذا القرن، وذلك من خلال الضربات الجوية الصاروخية لهدم المنازل والمستشفيات على رؤوس أصحابها.
وصرحت القيادة الإسرائيلية أنهم في سبيلهم للقيام بعمليات اجتياح عسكري بري للقطاع، وأيد الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية هذا العدوان بشكل مطلق، وأرسلت للمنطقة حاملات للطائرات، وسفن شحن للأسلحة والذخائر بكافة أصنافها، كما وصلت مؤخرًا سفن إنزال بحري تحمل الآلاف من جنود المارينز الأمريكية.. للتدخل في الصراع بشكل مباشر إذا اقتضى الأمر، ولعل السبب الرئيسي هو دعم إسرائيل خاصة حال اتساع نطاق الحرب، والمشاركة في تحرير الرهائن، ومنهم من يحمل الجنسية الأمريكية.
هليوكوبتر أمريكية تركت مع انسحاب القوات وفشل عملية مخلب النسر
تذكرة بـ عملية “مخلب النسر”The Operation of Eagle Claw ”
– ما أشبه الليلة بالبارحة، فيبدو أن التاريخ يعيد سيناريو أحداث مشابهة لاحتجاز الرهائن والأسرى الأمريكيين والإسرائيليين من قبل عناصر المقاومة الفلسطينية بغزة -عددهم في حدود 250 أسير ورهينة- وتذكرنا هذه الوقائع بأحداث احتجاز رهائن من العاملين بالسفارة الأمريكية في طهران عام 1979 –52 رهينة- وذلك من قبل الثوار الإيرانيين، وفشلت وقتها كل محاولات الإدارة الأمريكية لإخلاء سبيلهم من خلال التفاوض، لذا فقد اتخذ الرئيس الأمريكي -طيب الذكر- كارتر وإدارته قرارًا بالإعداد لعملية كبرى لتحرير الرهائن تكلف بها قوات النخبة من الجيش الأمريكي، وهنا تم استدعاء العقيد تشارلز بيكويث -وهو أحد القادة السابقين في حرب فيتنام- وكلف بإعداد خطة لإنقاذ رهائن السفارة، وحـــرص الـرجل على جمع معلومات تفصيلية من أجهزة المخابرات الأمريكية، وكذا استوفى بيانات أخرى من العسكريين الذين سبق لهم العمل في إيران، فاهتم بمعرفة كل ما لديهم من معلوماتهم عن مجمع مباني السفارة الأمريكية هناك، والأماكن والشوارع المحيطة به، وبعد أن استوفي كافة المعلومات التي لديهم قام باحتجازهم في قلعة فورت براج بكارولينا الشمالية -كانت معقلًا لتدريب قوات “دلتا”- وذلك إلى ما بعد تنفيذ العملية حفاظاً على سرية المهمة.
– جدير بالذكر أن العقيد بيكويث طلب تصميم نموذجا طبق الأصل لمبنى السفارة الأمريكية والمناطق المحيطة بها، وأمر بعمل دُمى كنماذج للرهائن وحراسهم، وأجريت بروفات عديدة وفق سيناريوهات مختلفة لتنفيذ القوات مهام الإنقاذ بشكل يقارب إلى حد كبير الواقع.. ومع ذلك أخطر بيكويث البيت الأبيض بأن القيام بتنفيذ هذه الخطة سوف يكون مُخاطرة غير مضمونة النتائج، وأن احتمالات الفشل فيها تفوق احتمالات النجاح بكثير، ومع هذا أمر الرئيس بتنفيذ عملية تحرير الرهائن في 25 إبريل 1980.
– واشترك في تنفيذ المهمة عناصر من قوات: المشاة والبحرية والقوات الجوية بالجيش الأمريكي، هذا بجانب المخابرات الأمريكية (CIA) لكنها باءت بالفشل، وقد كان لسوء الأحوال الجوية –حدوث عاصفة رملية قوية أثناء العملية- العامل الجوهري لفشل هذه المهمة، وأدت إلى خسائر في الأرواح لعدد 8 عسكريين أمريكيين، وفي المعدات تدمير طائرتين، واستمرت محاولات الرئيس كارتر للإفراج عن الرهائن حتى نهاية فترة رئاسته، وفي 20 يناير 1981، أي بعد 444 يومًا من احتجاز الرهائن أفرجت إيران عنهم رسميًّا بعد دقائق من انتهاء فترة رئاسة كارتر وتولي الرئيس الأمريكي الجديد رونالد ريغان مهام منصبه.
– ونحن اليوم أمام مشهد لاحتجاز رهائن لا يقل تعقيدًا بل يزيد عن وقائع حادث احتجاز رهائن السفارة المشار إليها، فهل تستطيع قوات إنقاذ الرهائن في هذه الآونة القيام بعمليات ناجحة وفق معطيات الموقف الراهن وأهمها: أن الرهائن غالبًا محتجزون في أنفاق تحت الأرض، وأن محتجزيهم عناصر مقاتلة محترفة، لذا فالمهمة ليست على غرار مواجهة عصابة تقوم بسرقة بنك وتحتجز عددًا من الرهائن.. لذا أردد في هذا المقام الجملة التي قالها العقيد تشارلز بيكويث “احتمالات الفشل تفوق بكثير احتمالات النجاح”.
لماذا احتمالات الفشل تفوق بكثير احتمالات النجاح في تحرير رهائن عملية الطوفان؟
– نقدم مثالًا مبسطًا لهذا الأمر، فحال ورود معلومات عن وجود رهائن في نفق معين من الأنفاق.. وبفرض أن قيادة المهمة حصلت على خريطة هذا الجزء من النفق، ودرسته مجموعة الاقتحام، ومع توافر تسليح بتكنولوجيا متقدمة جدًّا، من شأنها تحييد قدرات البشر الموجودين في هذا الجزء من النفق –بشكل مؤقت يكفي للسيطرة على الموقف- من القيام بأي رد فعل تجاه الرهائن أو قوات الاقتحام.. وحيدت أيضًا القدرة على التفجير عن بعد من خلال إشارات لاسلكية.. ومع هذا فقد تفاجأ قوة الاقتحام بقيام شخص من خارج النفق بعملية تفجير سلكي وعن بعد أيضًا، وذلك أثناء وجود قوة الاقتحام داخل النفق.
– سيناريوهات ثلاثة لتحرير رهائن عملية الطوفان:
الأول: حيث تستطيع أن تحدد مكان الرهائن، ولديك معلومات كافية لاتخاذ قرار الاقتحام..
والغالب أن مجموعات تحرير الرهائن من قوات دلتا –وهي من الأكثر احترافية في هذا المجال على المستوى الدولي- قامت في تدريباتها بعمل محاكاة لأنفاق غزة وتدربت على اقتحامها وفق النموذج شبه المطابق لواقع الأنفاق، والذي تم بناؤه في مراكز التدريب، سواء في الولايات المتحدة أم إسرائيل.. ومع هذا فالمخاطرة عالية جدًّا، حتى لو كنت ستقتحم مستعينًا بروبوت، فالهدف هنا هو سلامة الرهائن، لذا يجب أن يُتخذ قرار الاقتحام بدقة بالغة، فقوات المقاومة فدائيين محترفين وعقيدتهم “النصر أم الشهاد”، وقد تفاجأ مجموعات تحرير الرهائن بمواقف معقدة، منها: أن الرهائن ترتدي زيًّا مماثلا لزي عناصر المقاومة، بل ويحملون أسلحة مثلهم ولكنها هيكلية.. لذا فنسبة نجاح المهمة في رأي لا تتعدى 3%.
الفرض الثاني: نكون فيه أمام حالة لاحتجاز رهائن من معطياتها، تحقيق اختراق أمني لعناصر المقاومة، بمعنى وجود خيانة بشكل أو آخر، وتصبح المهمة هنا فرص نجاحها أكبر من احتمالات الفشل، وبهذا يمكن أن يُتخذ قرار الاقتحام بقدر كبير من الثقة في إنجاز المهمة وتحقيق الهدف. هذا وهناك فرض آخر، وفقًا له يمكن ضمان نجاح عملية الاقتحام وتحرير الرهائن بنسبة شبه مضمونة.. نفضل عدم عرضها حفاظًا على أمن المعلومات.
الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ووالده
التفاوض يظل الخيار الأفضل لتحرير رهائن “طوفان الأقصى”:
– التفاوض في أزمات احتجاز الرهائن هو، محاولة لإقناع محتجزي الرهائن بالعدول عن الاستمرار في احتجازهم لهم، مع ضمان السلطات لسلامتهم، وذلك في إطار ما يتفق مع مصالح الدولة وسياستها العامة، وبما لا يتعارض مع مقتضيات المشروعية. ولعل أهم عوامل نجاح التفاوض لا يعتمد على قدرات ومهارات المفاوض فقط، بل وعلى إمكانات باقي عناصر مجموعة التفاوض، حيث يكون التواصل الإنساني فيها من أدق وأعقد نماذج الاتصال لارتباط نجاحه بعوامل كثيرة قد تتعدي قدرات وإمكانات مجموعة التفاوض، ومـن أهم هذه العوامل: المعلومات والوقت وعناصر القوة ، والسمات الشخصية للطرف الآخر، هذا بجانب الظروف السياسية المحيطة بالمفاوضات.
– ويظل التفاوض في رأينا هو الخيار الأفضل لإنقاذ رهائن عملية “طوفان الأقصى”، ويشار في هذا الصدد إلى وجود توجيه أو بروتوكول “هانيبال” وهو الاسم الكودي لتوجيه عسكري تطبقه قوات جيش الدفاع الإسرائيلي ويتعلق بكيفية رد الوحدات الميدانية عندما يؤسر جندي من قبل قوات معادية، ويسمح هذا التوجيه باستخدام الأسلحة الثقيلة في حالة أسر أي جندي إسرائيلي، حتى لو شكل ذلك خطرًا على حياة الجندي المخطوف. وبهذا يُسمح للقيادة الإسرائيلية في حالة الحرب التضحية بالرهائن من أجل كسب الحرب.. ونرى أن تطبيق هذا البروتوكول يكون جائزًا فقط عندما تكون الرهائن لا يتجاوز عددهم الثلاث أو الخمس رهائن على أقصى تقدير.. لذا فالشعب اليهودي سيحاسب المسئولين على هذا التهور والاستهانة بأرواح الجنود والمدنيين.. فنتنياهو وحكومته وأجهزة استخباراته محمومون بكل مشاعر الثأر والانتقام، ويسلكون الطريق الخطأ، وبكل أسف فهم استدرجوا الإدارة الأمريكية معهم في غيهم وشططهم.
وخير ختام، أردد قوله تعالى: “إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ”.88 هود.
–
لواء دكتور/ شوقي محمد صلاح
*خبير مكافحة الإرهاب وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية