لواء دكتور- شوقي محمد صلاح| القاهرة (زمان التركية)- فاجأت عناصر المقاومة الفلسطينية في غزة إسرائيل بهجوم مباغت في وقت مبكر من صباح يوم السابع من أكتوبر، بعملية عسكرية أطلقوا عليها “طوفان الأقصى” باعتبارها ضربة استباقية لتهديدات حكومة إسرائيل لقطاع غزة بعمليات اعتداء عقب انتهاء الأعياد الإسرائيلية.. وتحولت هذه الضربة لنصر عسكري تاريخي من قبل حماس، حيث تم إطلاق ما يزيد على أربعة آلاف صاروخًا على إسرائيل -حتى توقيت كتابة هذه السطور- كما تم اقتحام الجدار الفاصل والسيطرة الكاملة على ثلاث مستوطنات إسرائيلية، بجانب تدمير دبابات ومدرعات، وأخذ رهان من عناصر للجيش الإسرائيلي، قادة وجنود، كما تم نقل رهائن من المستوطنين للقطاع، وقامت إسرائيل بالعديد من أعمال القصف الجوي والمدفعي على أهداف مدنية في قطاع غزة.
هذا، وأدانت الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من دول العالم الغربي العملية، فخرج الرئيس الأمريكي بايدن في كلمة متلفزة أدان فيها عملية “طوفان الأقصى” ونعتها بكونها عملية إرهابية، وأن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل، وهكذا فعل رئيس الوزراء البريطاني، وبعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا.. بينما التزام الجميع الصمت في استخدام العنف المفرط من قبل الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية !!!
عملية “طوفان الأقصى” فشل استخباراتي وعسكري إسرائيلي تاريخي
عنصر المفاجأة والفشل الاستخباراتي كانا وراء نجاح هجوم عناصر المقاومة حماس، والغريب أنه؛ في الآونة الأخيرة قامت سرايا القدس بعمل مناورات تدريب معلنة لعمليات قتالية هجومية.. ومع هذا لم يتنبأ الموساد بقيام سرايا القدس بعملية هجومية واسعة النطاق..!!! ولعل المبهر في المشهد هو التخطيط والتنفيذ المتميز للعمليات الهجومية. ولعل أهم أثار عملية الطوفان الفلسطيني المباغتة، أنها غيرت الصورة الذهنية لأجهزة المخابرات والجيش الصهيوني، وبالطبع ومن باب أولى وبشكل إيجابي غيرت الصورة الذهنية لقدرات المقاومة الفلسطينية للتصدي للمحتل.
* مخاطر توسع دائرة الصراع: “طوفان الأقصى” VS “السيوف الحديدية”
في الاتصال الهاتفي بين بايدن ونتنياهو طلب الأخير بشكل عاجل دعمًا صاروخيًّا لتعويض الفقد الناشئ عن استخدام القبة الحديدية الإسرائيلية لألاف الصواريخ لاعتراض صواريخ غزة.. وهنا نتساءل: ماذا لو تدخل في المشهد حزب الله، فأطلق صواريخه ضد إسرائيل؟؟؟ خاصة على ضوء تصريحات مسئوليه بأن أسلحة الحزب تحت إمرة حركة المقاومة حماس، وهما قد ينتهي الأمر إلى تحييد القبة الحديدية تمامًا، وعلى الأقل لبعض الوقت، بما يكفي لاستهداف الأهداف العسكرية الاستراتيجية داخل إسرائيل، وفي مقدمتها المواقع العسكرية: مطارات، مخازن أسلحة، وقد يصل الأمر لقصف مواقع نووية.. وغيرها.
ونؤكد في هذا السياق على أن المسئولية السياسية تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، حيث ساهمت بقوة الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى والتهديد بهدمه، في استنهاض الروح الجهادية لدى قوات المقاومة الفلسطينية، كما ساهمت الأوضاع السياسية الممثلة في انسداد الأفق السياسي لحل عادل للقضية الفلسطينية على اللجوء للجهاد المسلح، وقد أثبتت التجارب أن إسرائيل لا تحترم سوى الخصم القوي.
وجدير بالذكر الإشارة إلى التباين الواضح بين: مقاتل فلسطيني لديه عقيدة قتالية جهادية، وآخر إسرائيلي لا يملك هذه العقيدة.. وقد تجلت مظاهرها في هجوم وسيطرة عناصر المقاومة على ثلاث مستوطنات، دون مقاومة تذكر من عناصر الشرطة أو المستوطنين المسلحين، بل ولم يقتصر الأمر على هذا فقط؛ فسيطرت عناصر المقاومة أيضًا على العديد من المواقع العسكرية للجيش الإسرائيلي، وأسرت العشرات من جنوده وقادته، لذا فإسرائيل الآن في أشد الحاجة لتدخل مصري للوصول لهدنة ووقف لإطلاق النار بين الجانبين.
ونؤكد بأن تصاعد الهجمات الإسرائيلية سيكون سببًا لاشتعال جبهات أخرى لا قدرة لإسرائيل على مواجهتها، فحزب الله وجه خطابا يهدد به إسرائيل بالتدخل في التوقيت المناسب لمنع عمليات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب الموجهة ضد الشعب الفلسطيني، وقد يفاجئك – والحديث هنا لإسرائيل- إعلانات أخرى من قوى تابعة لتنظيمات إرهابية.. لتعلن بأنها ستستهدف المصالح الإسرائيلية حول العالم بعمليات استشهادية. كما تعاني إسرائيل من مشكلة نازحين بعد تهجير السلطات الإسرائيلية لسكان العديد من المستوطنات، كما تئن من سقوط الأسرى والرهائن بين أيدي عناصر المقاومة، لذا فهم في أشد الحاجة لهدنة لبعض الوقت، فهل ستوافق المقاومة؟
* هل توجد بصمات لروسيا في عملية “طوفان الأقصى” ؟؟؟
لا نبالغ إذا أخذنا التحليل الأمني إلى وجود بصمات روسية على مسرح أحداث عملية الطوفان، فقد تكون روسيا هي من أوعزت لإيران بإشعال الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية، ثم توسيع نطاق المواجهات بدخول حزب الله أيضًا على خط المواجهة.. ولتقدم هنا دول الناتو الدعم لجهات أخرى غير أوكرانيا.. بصمات روسيا تبدو على المشهد واضحة وضوح الشمس، خاصة وقد رأينا مشاهد أخرى في القارة الأفريقية تهدف لاستنزاف الدول الكبرى بحلف الناتو.
ونظرًا لأن رد الفعل الإسرائيلي متوقع أن يستمر لفترة من الزمن، حيث يستهدف هدم أغلى وأثمن ما في قطاع غزة من أبنية سكنية وبنى تحتية، ناهيك عن استهدافهم للبشر أيضًا.. لذا فمن المتوقع قيام حماس بالتنسيق مع قوات المقاومة الأخرى للمشاركة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، بل سيتم استهداف المصالح الإسرائيلية خارج المسرح التقليدي للمواجهات أي خارج غزة.. للضغط على قياداتهم السياسية للتوقف واللجوء للتفاوض.
* مصر وإعلان “أرض سيناء خط أحمر”
هذا، وحال مبالغة إسرائيل في الرد على عملية الطوفان، فإن رهائنها ستكون في بؤرة الخطر من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن اتساع نطاق الصراع سيحمل أخطارًا بالغة لجميع الأطراف، وغالبًا ستراود إسرائيل فكرة دك وتدمير قطاع غزة بعمليات للإبادة الجماعية مما يضطر معها أهل غزة للنزوح والاستقرار في جزء من سيناء، وهنا تتعقد المشكلة وتبحث مصر عن حل لها.. لذا فعلى مصر اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع هذا، حتى لو وصل الأمر إلى التهديد بالتدخل العسكري في المعركة.. فأي حل يجب ألا يكون على حساب أرض مصر، وأرى أنه على القيادة السياسية المصرية إعلانها للجميع: “أرض سيناء خط أحمر”.
* تداعيات عملية “طوفان الأقصى” على التطبيع السعودي الإسرائيلي:
هذا، وبالنسبة لتأثير عملية الطوفان على مشروع التطبيع الإسرائيلي مع المملكة العربية السعودية، فقد يحرك هذا الهجوم المياه الراكدة لحل مبدئي للقضية الفلسطينية باعتبارها شرطًا سعوديًّا أساسيًّا للتطبيع.. فالأمر شبيه بسيناريو ما بعد عبور مصر في حرب ١٩٧٣.
هذا ولا نستبعد أن تعاود الولايات المتحدة الأمريكية طرح حل سياسي لفلسطيني غزة على حساب جزء من سيناء.. في مقابل إنهاء كل مشكلات مصر: المائية والاقتصادية والتنموية أيضًا.. هذا بجانب الاعتراف بدولة فلسطينية محدودة السيادة.. واستكمال الاتفاق بالتطبيع مع السعودية وغيرها، وهو ما يجب أن يواجه وفقًا لرأينا الشخصي بكارت أحمر، دون مناقشة للفكرة من حيث المبدأ.