أثينا (زمان التركية)ــ العلاقات التركية اليونانية يشوبها الكثير من التوتر الذي بدأ في نهاية الدولة العثمانية ونشأة الدولة التركية الحديثة، وقد استمرت العلاقات بين البلدين متوترة بسبب مشكلات متعلقة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين والمشكلة القبرصية، إلا أنه وعلى جانب آخر نجد أن كلا الدولتين حليفتين للغرب فتركيا عضوة بحلف الناتو واليونان كذلك، الأمر الذي يدعو المجتمع الدولي لحث كلا الدولتين على الاتفاق فيما بينهما تجنبا لوقوع نزاعات مستقبلية وداخل حلف الناتو، وفيما يلي نشر موقع مودرن دوبلوماسي ، المتخصص في رصد وتحليل العلاقات الدبلوماسية على الصعيد الدولي، تقريرا من إعداد أنطونيا ديمو رئيسة وحدة الشرق الأوسط في معهد التحليلات الأمنية والدفاعية، في اليونان؛ وزميل في مركز تنمية الشرق الأوسط، في جامعة كاليفورنيا، يرصد خطوات التقارب الجديدة بين البلدين:
إن الحوار يعد عملية تواصل لتعزيز التفاهم المتبادل بين الأطراف المتحاربة، الأمر الذي يمهد الطريق لحل النزاعات الموجودة بين تلك الأطراف، وللحوار أشكال دبلوماسية مختلفة فبينما قد يتخذ الحوار ما يطلق عليه (مسار 1.5) أو شكلا أخر يطلق عليه (المسار 2) للحفاظ على قنوات الاتصال، ويتم استخدام تلك المسارات عندما يتوقف الحوار بين المسؤولين أو عندما تكون هناك حاجة إلى إشراك المجتمع المدني ومجموعات الخبراء. والمتعارف عليه أن حوار المسار 1.5 يشمل خبراء غير حكوميين إلى جانب المسؤولين الحكوميين الذين يشاركون بصفة غير رسمية، في حين يشمل حوار المسار 2 الأعضاء غير الرسميين فقط ، ورغم أن كلا المسارين يشكلان ما يسمى بدبلوماسية “القناة الخلفية”، فإن أياً منهما لا يحمل الأهمية الرسمية للدبلوماسية التقليدية.
وبما أن أعضاء هذه الاجتماعات يشاركون بشكل غير رسمي، فإنهم يتمتعون بحرية غير مسبوقة في تبادل وجهات النظر بشكل غير رسمي مع نظرائهم الذين قد يعتبرونهم مجرد منافسين أو خصوم، وتمثل تلك اللقاءات فرصة من شأنها توليد أفكاراً جديدة وأساليب جديدة لحل المشاكل البينية، وذلك دون ضغوط مؤتمرات القمة الدبلوماسية الرسمية .
ولقد سعى مركز جنيف للسياية الأمنية منذ عام 2020 بتيسير سلسلة من اجتماعات المسار الثاني بين خبراء EMI من اليونان وتركيا لمناقشة خلافات الحدود البحرية في بحر إيجه وبحر شرق البحر الأبيض المتوسط، ثم تحولت اجتماعات المسار الثاني التي رعتها سويسرا إلى عملية تفاعلية لحل النزاعات، مما أدى إلى تطوير مفاهيم الحوار المستمر بين الخبراء اليونانيين والأتراك خلال الفترة التي بلغت فيها التوترات ذروتها بين اليونان وتركيا، وفي الواقع فقد عُقدت تسعة اجتماعات للمسار الثاني إلى جانب الاجتماعات المعنية في اليونان وتركيا، حيث ناقش الخبراء من كلا الجانبين الخلافات حول المناطق البحرية في بحر إيجه وبحر شرق البحر الأبيض المتوسط وليس قضايا “السيادة الوطنية”. وقد نجح الخبراء اليونانيون والأتراك، الذين شاركوا بصفتهم الشخصية، في إقامة حوارات كان من الممكن أن تكون مستحيلة لولا ذلك بسبب فجوات الاتصال المتكررة بين بلديهما. على سبيل المثال، استؤنفت المحادثات الاستكشافية في يناير/كانون الثاني 2021 بعد توقف دام خمس سنوات.
ونتيجة لذلك، فإن اجتماعات المسار الثاني التي استضافتها القمة العالمية لدعم البرامج، متحررة من القيود التي تفرضها المناقشات الرسمية بين الحكومات، عملت في مناخ من الانفتاح الذي تم تعزيزه، و خلقت الاجتماعات شعوراً بالارتياح والثقة، وشجعت الخبراء الحذرين والمنعزلين من كلا البلدين على المشاركة وتبادل الأفكار وتطوير بيان مشترك. ويأتي هذا التصريح في وقت تعطي فيه اليونان وتركيا الأولوية للحوار لتسوية خلافاتهما البحرية. أما اللقاء الذي عقد بين رئيس الوزراء اليوناني والرئيس التركي على هامش قمة الناتو في فيلنيوس بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا، فقد كان بمثابة إعادة تشغيل محركات العمل الرسمي ( المسار-1) الحوار الرسمي بين البلدين، حيث أن الركائز الثلاثة للتصالح التركي اليوناني تتمثل في إن الحوار السياسي، وبناء الثقة، وتبني أجندة إيجابية .
وقد جاء بيان أعضاء EMI اليونانيين والأتراك ومن بينهم البروفيسور. يوسيل أيسر، واللفتنانت جنرال (متقاعد) يوانيس أناستاساكيس، والسيدة أنطونيا ديمو، والبروفيسور طلحة كوسه، والبروفيسور بيتروس لياكوراس والبروفيسور تسير زوهال ميرت أوزونر على النحو التالي:
قبل مائة عام، وضع الأتراك واليونانيون حداً لعقود من الصراعات من خلال معاهدة لوزان. وفي غضون سنوات قليلة فقط، أدى ذلك إلى صداقة بين البلدين. ولكن منذ ذلك الحين، نشأت صراعات جديدة حول قضايا لم تكن مطروحة على الطاولة في لوزان، ومن بينها ترسيم حدود المناطق البحرية في بحر إيجه وما وراءه، مع تطور قانون البحار على المستوى العالمي.
ومع ذلك، فإن القضايا التي يتعين حلها أقل تعقيدا وألما بكثير من تلك التي تمت تسويتها قبل مائة عام، وستكون مكافأة التغلب على الخلافات بمثابة مكسب لكلا البلدين. إن الطريق إلى التسوية لن يكون سهلاً وسيتطلب إرادة للاستجابة للمخاوف الحاسمة والمشروعة لكل طرف، وحقيقة أن المبدأ الأسمى في كل من القانون الدولي العرفي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار هو مبدأ “الإنصاف”، يمكن أن يساعد بشكل كبير في التغلب على الخلافات.
لقد عاش الشعبان اليوناني والتركي جنبًا إلى جنب لمئات السنين، ويتقاسمان نفس الجغرافيا ويطوران قواسم مشتركة في الثقافة والعادات، إنها لحقيقة أثبتت من خلال لقاءات شخصية لا حصر لها ومن خلال استطلاعات الرأي الأخيرة في كلا البلدين، أن اليونانيين والأتراك يتفقون على المستوى الشخصي بشكل جيد ولا يعتبر كل منهما الآخر أعداء، ويمكننا جميعا، كأفراد وأعضاء في مجتمعاتنا، أن نسهم بهذه الروح في التغلب على ما تبقى من الأحكام المسبقة والمفاهيم المشوهة لدى الطرف الآخر، وخلق درجة من الفهم لاهتماماته المشروعة، وهذا أمر ضروري لإيجاد أرضية مشتركة.
ومن ثم، يمكننا تشجيع ودعم قادتنا في السير على طريق استكمال أساس تعايش الجوار السلمي والمثمر، الذي تأسس قبل مائة عام، وقد قرر قادة البلدين مؤخرا المشاركة في عملية حوار معززة ويستحقون دعمنا الكامل في هذا المسعى، ونجاحهم في إيجاد أرضية مشتركة سيكون له انعكاسات إيجابية خارج حدود كلا البلدين في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وخارجها. وبينما أدت الخلافات السياسية في شمال منطقتنا إلى إراقة الدماء والدمار بشكل لا يطاق، فإن هذا الاتفاق والتعاون والأرضية المشتركة يمكن أن تلهم الآخرين.
ومرة أخرى، يمكن لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي مهد الحضارات المختلفة، أن تصبح منارة نور للإنسانية،فدعونا لا نضيع هذه الفرصة.
وهكذا اختتم البيان المشترك، بدعم التوجه السياسي لإيجاد حلول للمشاكل البينية، ورغم أن هذا البيان يتسم بالإيجابية إلا أن هناك الكثير مما يجب العمل عليه بين البلدين لتحقيق التصالح الكامل بين البلدين، الجدير بالذكر هنا أنه لا يمكن إغفال دور الدول الفاعلة والتي قد تسهم في حل تلك المشاكل البينية مثل الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها حليفة لكلا البلدين وزعيمة لحلف الناتو بشرط التزامها الحيادية بين البلدين .