طورخان بوزكورت
لم تتورّع الحكومة التركية عن الترويج للافتراءات والابتزاز على مدار 14 شهرًا من أجل إغراق بنك آسيا. وشنّت مساء أمس عملية جديدة تهدف إلى التخويف والإرهاب، ولا تختلف عن عملية وضع الديناميت في أساس الاقتصاد الوطني. وهذه المحاولة لإغراق بنك آسيا تجري على مسمع ومرأى من الجميع حول العالم.
إن أعضاء وكالة تنظيم العمل المصرفي (BDDK) وهيئة سوق المال (SPK) في تركيا يرتكبون جريمة علنية. فالبيروقراطيون ذوو الصلة، وفي مقدمتهم نائب رئيس وكالة تنظيم العمل المصرفي مطلب أونال، ينفذون التعليمات الصادرة عن الجهات السياسية، وهم بذلك ينتهكون اليمين التي أدّوها ويجرّون البلاد إلى فوضى مالية لا تحمد عقباها.
لايظن أعضاء الهيئة العليا من البيروقراطيين الذين يتوجب عليهم التحرك بشكل مستقل وفق قانون تنظيم العمل المصرفي أنهم يستطيعون النجاة بأنفسهم من المحاكم بعدما احتموا بحصانة العضوية البرلمانية التي ستمنح لهم فيما بعد. بل ينبغي عليهم أن يعرفوا جيدًا أن قاعدة سقوط القضايا بالتقادم ليست سارية في الجرائم الخاصة بالعمل المصرفي. ومهما مرت الأعوام والسنون، فإن مَن وافقوا على قرارات منافية للقانون سيحاسَبون لامحالة.
إن رأسمال بنك آسيا يزيد بكثير عن الحد الأدنى المقرر بـ12% كنسبة كفاية كما أضاف المساهمون رأسمال بقيمة 225 مليون ليرة (98 مليون دولار)، لترتفع كفاية رأسمال البنك إلى أعلى من 18%. وبالرغم من محاولات إغراق البنك، فإن إدارته نفذت جميع خدمات العملاء على مدار 14 شهرًا دون تأخير أو نقصان، ولم يخرج علينا أي شخص ليعلن أنه لم يحصل على مستحقاته. ويكفي ألا يستطيع أي بنك أن يكمل تعاملاته في نهاية اليوم حتى تصادر وكالة تنظيم العمل المصرفي ملكيته.
إذا كان الوضع كذلك، فإن عدم اتخاذ قرار كهذا هو أمر كافٍ لإثبات أن من ضغطوا على الزر مساء أمس 3/2/2015 يتحركون وفق “قانون الغابة”. وكان باستطاعة وكالة تنظيم العمل المصرفي أن تضع يدها على بنك آسيا لو كانت وجدت أي دليل أو حجة لذلك، دون الحاجة إلى أي تعليمات سياسية، وهي أساسًا تفتش البنك على مدار أربع وعشرين ساعة.
بقي أن نسرد ملخص البيان الصادر عن الوكالة، وهو كالتالي: “لم نعثر على أية حجة قانونية تمكننا من مصادرة البنك. ولكن تمارَس علينا ضغوط كبيرة، ولهذا قررنا تغيير أعضاء مجلس إدارة البنك”.
من المقرر أن تعين الحكومة شخصيات مقربة منها داخل مجلس إدارة البنك، بالضبط كما شهدنا في نماذج شركات “توركسيل” و”تورك تليكوم” للاتصالات وشركة الخطوط الجوية التركية. وفي الوقت الذي يجب ألا تتدخل السياسة في عمل بنك آسيا وفق اللوائح المعمول بها، فإن البنك سيتعرض للتدخل السافر من الحكومة التي سيكون بإمكانها التدخل في عمل البنك كيفما تشاء من خلال الأعضاء الذين سيكون رأسمالهم الوحيد هو علاقتهم بالحزب الحاكم. كما سنشهد الترويج لأخبار كاذبة في الإعلام الخاضع لسيطرة الحكومة من أجل ترويع عملاء البنك. فنحن نشهد “النسخة المالية” من محاولة إلصاق تهمة “تشكيل تنظيم إرهابي” بالإعلام الحر بسبب مقالين وخبر وسيناريو مسلسل كما شهدنا يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
أقولها بصراحة؛ لقد أثبت “الانقلاب المالي” الذي شهدته تركيا أمس الثلاثاء أنه ليس هناك أي رجل أعمال أو مصرفيّ أو مستثمر في أمان في تركيا. فالحكومة لا تتورّع عن محاولة إغراق كل شخص أو مؤسسة تراها معارضة لآرائها. اليوم حان الدور على بنك آسيا، وغدًا سيحين على مؤسسة أو شركة أخرى. وللأسف، فإن هذا “الانقلاب المالي” جرى بأيدي وكالة تنظيم العمل المصرفي وصندوق تأمين ودائع المدخرات اللتين من المفترض أن تكونا مؤسستين مستقلتين. ولاشك في أن كل من شارك في هذا الانقلاب، الذي سيكبّد الاقتصاد التركي خسائر فادحة، سيدفع الثمن غاليًا أمام ضمير الشعب والمحاكم على حد سواء.
لقد تعلّم الشعب التركي كيف يعاقب السياسيين الذين تسببوا في الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بتركيا عام 2001، ولهذا فإنه لن ينسى من أرادوا القضاء على بنك غير ربوي يساهم في نهوض الاقتصاد الوطني من خلال شريحة كبيرة من العاملين به والمودعين والمستثمرين والعملاء التجاريين. ولقد سجل التاريخ قطاع الطريق وحماتهم من الذين استهدفوا بنك آسيا على أنهم “مساكين” لم يتورّعوا عن إشعال النيران في البلاد بهدف التستّر على عيوبهم وفضائحهم.
كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد غرّمت تركيا 4.5 مليار دولار كتعويض بسبب مصادرة بنك” كنت بنك” بشكل مخالف للقانون. ولهذا، فإن مَن سعوا لإغراق بنك آسيا بشكل مخطط ومدبر سيدفعون غرامة أكبر من تلك.
إن ما تشهده تركيا منذ الأمس سيهز المستثمر الأجنبي على وجه الخصوص، وستتسارع وتيرة خروج رؤوس الأموال من تركيا، وستواصل العملات الأجنبية الارتفاع مقابل الليرة التركية، كما ستزيد الفوائد. أما فاتورة هذه العملية فسيدفعها 77 مليون مواطن تركي.
يجب على الجميع أن يقف في وجه هذا “الانقلاب المالي”. والسبيل إلى ذلك هو إيداع كل ما تملكون في بنك آسيا اعتبارًا من الغد. فالوقفة الديمقراطية هذه المرة ستكون أمام بنك آسيا.