بقلم: عمر نور الدين
شبه أحد علماء السياسة الديمقراطية بالحذاء.. لأن الحذاء الذى استخدمه أي شخص لايمكن أن يتناسب مع شخص آخر حتى ولو كان مقاسهما واحد. والمعنى أنه لايمكن استنساخ أو تقليد نظام سياسي ونقله بحذافيره من بلد إلى آخر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد حدثت الهزة مع افتضاح أمر الفساد في الحزب الذي كان يمثل الأمل في بداية ظهوره بل وبدأ الشرخ بداخله يتعمق رغم كل محاولات إخفاء حالة الغليان بعد تفجر أكبر فضيحة فساد في تاريخ تركيا في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 طالت أربعة وزراء واقتربت من رئيسه السابق أردوغان وعائلته ولعبت فيها الرشوة والأموال الطائلة المخبأة في صناديق الأحذية دور البطل الذي كشف بعد ذلك عن شبكة أخطبوطية قائمة على زواج المال بالسلطة.[/box][/one_third]فالمجتمعات تتباين ومشاكل كل دولة تختلف عن الأخرى والمزاج العام للشعوب لايمكن أن يتطابق.. لكن هل الحال كذلك لمن يختصرون الديمقراطية في صندوق الانتخابات الذي يعتبرونه القانون والمعيار والملجأ الذي يلوذون إليه كلما ارتفعت الأصوات المعارضة؟
الحملة الراهنة في تركيا هي حملة النظام الرئاسي، حلم الرئيس رجب طيب أردوغان، منذ أن وضع عينه على رئاسة الجمهورية ليكمل ثنائية الرئاسة ورئاسة الحكومة في دولة نظامها برلماني لايفي له بمتطلبات الانفراد بالزعامة.
ولأنه لايملك استعدادا للتراجع قيد أنملة عن هذا الهدف فإنه يبذل كل ما يقدر عليه ليصبح هو الرئيس بلا شريك ولا منازع ، مع أنه ليس هناك في الأساس شريك أو منازع سواء في الحكومة التي بسط هيمنته عليها وترأس اجتماعا لها ليعلن عن خلو منصب رئيس مجلس الوزراء على الرغم من وجود من يشغله، وهو أحمد داود أوغلو، وعلى الرغم من أنه بحسب النظام البرلماني الذي لايزال هو المعمول به في البلاد بموجب دستورها، ولا في المعارضة التي يبدو أنها في طريقها لمواصلة النهج الضعيف الذي جعل أردوغان يستخف بها ولا يقيم لها وزنا على الرغم من الفرص الكبيرة التي أتيحت لها لتقديم نفسها بصورة جديدة للشعب التركي الذي بدأ يشعر بأن حزب العدالة والتنمية لم يعد كما كان، رغم ارتباط كتلة تصويتية كبيرة به بسبب الظروف الاقتصادية.
لقد حدثت الهزة مع افتضاح أمر الفساد في الحزب الذي كان يمثل الأمل في بداية ظهوره بل وبدأ الشرخ بداخله يتعمق رغم كل محاولات إخفاء حالة الغليان بعد تفجر أكبر فضيحة فساد في تاريخ تركيا في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 طالت أربعة وزراء واقتربت من رئيسه السابق أردوغان وعائلته ولعبت فيها الرشوة والأموال الطائلة المخبأة في صناديق الأحذية دور البطل الذي كشف بعد ذلك عن شبكة أخطبوطية قائمة على زواج المال بالسلطة في بلد كان يقال عنه قبل سنوات قليلة إنه النموذج لدول منطقة الشرق الأوسط فضلا عن تفرده بالخاصية النادرة للتعايش بين الإسلام والديمقراطية.
تم تطويق الفضيحة بكل الأساليب والحيل لكنها، ورغم كل ما بذل من جهود لتشتيت القضاة والمدعين العموم وإسكات أصوات الإعلام الحر ومحاولة تدمير أحد أهم الرموز التركية” حركة الخدمة” واتهامها بأنها كيان مواز فجر تحقيقات الفساد في محاولة للانقلاب على حكومة أردوغان، لم ولن تمحى من ضمير الأمة التركية وستترك أثرها على حزب العدالة والتنمية الذي يبحث عن مخرج ينقذه في انتخابات يونيو/ حزيران المقبل، ولو كانت هناك معارضة قوية في تركيا لنجحت في استغلال هذه الفضيحة الكبرى للضغط على أطرافها للانسحاب تماما من الساحة.
لو كانت المعارضة التركية قوية بما يكفى لما اقتنص حزب العدالة والتنمية الانتخابات المحلية في نهاية مارس 2014 ولما وصل أردوغان إلى مقعد رئاسة الجمهورية في أغسطس الماضي وسط هذا الجو المشحون الذي كانت تتطاير فيه شظايا الفساد والرشوة لتضرب في رأس الحزب وهيكله الأعلى، ولما كان واصل أردوغان سيره نحو نظام حكم الفرد الذي يغلفه بمصطلح سياسي ناعم هو” النظام الرئاسي”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لو كانت المعارضة التركية قوية بما يكفى لما اقتنص حزب العدالة والتنمية الانتخابات المحلية في نهاية مارس 2014 ولما وصل أردوغان إلى مقعد رئاسة الجمهورية في أغسطس الماضي وسط هذا الجو المشحون الذي كانت تتطاير فيه شظايا الفساد والرشوة لتضرب في رأس الحزب وهيكله الأعلى، ولما كان واصل أردوغان سيره نحو نظام حكم الفرد الذي يغلفه بمصطلح سياسي ناعم هو” النظام الرئاسي”.[/box][/one_third]وبعدما كان سقف الطموح من قبل هو النظام شبه الرئاسي على غرار النظام الفرنسي بات الهدف واضحا وعلنيا للجميع: نظام رئاسي كالموجود في أمريكا.” ففي أمريكا لديهم نظام رئاسي، فلماذا لايخافون ولماذا لا يقولون في أمريكا إنه يتحول إلى نظام ملكي، ولماذا تخافون من تحوله إلى الملكية عندنا (في تركيا)؟” .. هذا هو كلام أردوغان ردا على من يثيرون الشكوك والمخاوف والقلق بشأن النظام الرئاسي، لكنه لم يتطرق على الإطلاق للحديث عن طبيعة النظام في أمريكا وعن قوة القانون والمحاكم والانضباط الفيدرالي والديمقراطية التي تذهب أبعد بكثير من صناديق الانتخابات فقط لتصبح عملية شاملة تتضمن الحقوق والحريات ودولة القانون.
أما في تركيا فقصر فخم جديد هو القصر الأبيض .. ربما يقترب من اسم البيت الأبيض ومعارضة منزوعة الأنياب مقابل معارضة أمريكية حادة الأنياب، وحزب حاكم يؤكد تأييده في كل مناسبة في مقابل حزبين يتنافسان بقوة في أمريكا ويتناوبان مقاعد السلطة فيما بينهما عبر ضغط ديمقراطي هائل ومحاسبة لاترحم قبل وبعد صناديق الانتخابات.
هذه العوامل في تركيا، والتي تبدو غائبة تماما عن تركيا وكأفق بعيد المنال، إلا أن أردوغان يبدو كرجل المستحيل، فأي حذاء يمكن أن يكون مناسبا له، وفي المقدمة حذاء أوباما نفسه، ولم لا؟ .. أليس هو الغازي الجديد الذي ذهب ليأمر قادة الدول الإفريقية بإغلاق مدارس الخدمة باعتبارها بؤرا تجسسية تركية على بلادهم، وكما يصدق نفسه دائما في كل موقف، وكما يصدق نفسه فيما يتعلق بالنظام الرئاسي الأمريكي وصلاحية تطبيقه في تركيا، صدق أيضا أن قادة الدول الأفريقية التي خاضت نضالا طويلا من أجل التحرر يمكنها أن تأتمر بأمر رجل أبيض جديد جاء بخطاب لا يقبله عقل عن مدارس جديدة تفتحها الحكومة التركية لتحل محل مدارس الخدمة التي تأصلت في ضمير هذه الأمم عبر الأجيال وكأنما قادة هذه الدول جماعة من السذج لايفقهون ويحتاجون لمن يأخذ بأيديهم إلى الطريق السليم.
لكن ماذا عن المعني الأساسي بهذا الموضوع برمته، والذي ستقتطع أجزاء من سلطته لتذهب إلى الرئيس ذي الصلاحيات المطلقة، ألا وهو رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والذي انتظر الكثيرون منه أن يتكلم وأن يغضب وأن يعبر عن هذا الغضب وأن يتجاوز مرحلة احمرار الوجه الذي بدا عليه خلال اجتماع مجلس الوزراء برئاسة أردوغان في القصر الأبيض مؤخرا ليعلن رفضه لكل مايجري والتمسك بحدود صلاحياته الواسعة في الدستور.. وتكلم داود أوغلو بالفعل فقال إنهم لا يعرفوننا .. إنهم يقولون إن هناك خلافات بيني وبين السيد الرئيس أردوغان .. لكنهم لو عرفوا الحقيقة سيغارون منا.. فهنيئا لأردوغان حذاء أوباما.