ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)- البعض يحب أن يستخف ببعض الناس، والبعض يحب أن يستخف بكل الناس مرات كثيرة وليس لمرة واحدة، وهذا أمر غريب، فمن المفروض أن الإنسان لا ييأس من الخير ومن النفع ولا يشبث بالخبيث لأنه يقود -بالضرورة سواء عاجلًا أو آجلًا- الى مآلات السوء وعقيم المنقلب. فإذا كان بعض الأشخاص يحبون أن يستخفوا بالناس وأن يخدعوا الناس للوصول إلى مصالحهم المادية أو السياسية أو غيرها من المصالح ، فمما لا شك فيه أن محبة أو تقدير الناس أو انقياد الناس لمن يخدعهم وهم يعلمون هو أمر غريب. والتفسيرات القريبة لسلوك الناس قد تشير إلى حالة نفسية تتعلق بحب الجاني الذي تعجز الضحية عن التغلب عليه لتفوقه الحاسم في السلطة أو القوة على الضحية.
وبالتالي تسعى الضحية إلى تبرير رغبتها في عدم الدخول في مواجهة تعتقد في كونها محسومة وخاسرة ومكلفة مقدمًا لصالح الجاني. والتفسير الثاني القريب قد يتعلق برغبة الضحية في جنى المكاسب الموعودة التي يقدمها الجاني ويعلن عنها الجاني أمام جموعه ومؤيديه الطامعين في الفوز بالغنائم قبل غيرهم من الرافضين للفرص الثمينة. فليست غالبية الناس -ربما في بلاد العالم أجمع- ذات معرفة سياسية أو مهتمة بالسياسة والحكم وبمن يحكم وهو أمر طبيعي. فالحياة صعبة ومتقلبة الوتيرة وكثيرة الاختبارات في مواجهة الناس جميعًا من كافة الطبقات. والحصول على قوت اليوم الحاضر هو الشاغل الأهم والأكبر لفئات كثيرة من الناس فى كل المجتمعات المعاصرة. ويبقى المحرك الأساسي والجاذب الفعال لاهتمام الناس هو مصلحتهم المادية والاقتصادية المباشرة.
فالعامل الاقتصادي عند غالبية فئات المجتمع هو صمام الأمان وهو الميزان الحقيقي لمجمل الأمور. فإذا كانت الحالة المادية والاقتصادية للفرد جيدة، فهذا يعني حياة طيبة آمنة وآسرة سعيدة ومستقبلًا باسمًا قابلًا للتطور إلى الأفضل. وعندما يرتبط هذا الوضع الاقتصادي الجيد أو الواعد بالعقيدة الدينية وبالقدر، تصبح محاولة إقناع الناس بالعدول عن تأييد الشخصية التي ارتبطت بها راحته الاقتصادية وأمانه المادي وتطور خططه للحاضر والمسقبل. وعند هذه النقطة، تبدأ الناس فى قبول إيحاءات سياسية في لباس الدين ومؤداها أن ما تحقق من إنجازات اقتصادية على وجه الخصوص يعود إلى الطبيعة السامية أو المهمة أو صاحبة العناية الإلهية للقائمين أو القائم على هذه الإنجازات بصفتهم الشخصية.
ومن ثم تكتسب الشخصية القيادية رصيدًا دينيًّا وحصانة شعبية قائمة على الإنجاز الاقتصادي وعلى الوازع الديني أيضًا ويصبح هو المنقذ ومن عداه ليس الا تجربة مخيفة وربما خاطئة من الأساس. عند هذه المرحلة قد تصبح أطروحة التغيير أطروحة خبيثة وموصومة بكل المساوىء التي يمكنها التحول والوصول إلى الاتهامات الخطيرة لأصحاب مبادرات التغيير ومؤيديهم. والواقع أنه يوجد عمل جاد وعمل عظيم ومجهود كبير وإخلاص ووطنية والتغيير جزء من الحياة واختبار من اختباراتها الهامة الدائمة ، لأنه لا يوجد من له الدام الا الله عز وجل وهذه سنة الله في خلقه .