(زمان التركية)-نشرت شبكة بي بي سي في نسختها التركية تقريرًا يرصد الخيارات الصعبة التي تواجه الرئيس التركي القادم، وهو المنصب الذي يتنافس عليه بشدة زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان.
وجاء في التقرير، الذي أعده الصحفي بول كيربي:
إن الأتراك اليوم عند نقطة تحول تاريخية فالاختيار بين المرشحين الرئيسيين للرئاسة يعني دخول تركيا مسارات وتصورات مختلفة بشكل كبير فيما يتعلق بمستقبل البلاد.
وتأتي الانتخابات بعد أكثر من 20 عامًا قضاها حزب العدالة والتنمية وأردوغان في السلطة، واليوم يعد رجب طيب أردوغان بـ تركيا قوية وتوفير ستة ملايين وظيفة، ويتهم في الوقت نفسه الغرب بمحاولة الإطاحة به، بينما وعلى الجهة الأخرى نجد منافسه الرئيسي كمال كيليجدار أوغلو، بدعم من معارضة واسعة، يريد توجيه هذه الدولة العضو في الناتو مرة أخرى نحو موقف موالي للغرب وأكثر ديمقراطية.
لحظة كبيرة للحكم التركي
إن ما يجب تذكره اليوم أنه منذ عام 2017، أدار أردوغان تركيا بسلطات رئاسية كاسحة أقرب ما تكون من الحكم الملكي من قصر واسع في أنقرة، أو كرئيس تنفيذي يمكنه إعلان حالة الطوارئ، ويمكنه اختيار أو فصل موظفي الخدمة المدنية.
ويعلق سليم كورو عضو مركز أبحاث Tepav التركي، على صلاحيات أردوغان بقوله إنه إذا فاز فلن يتغير الكثير، فبالفعل صلاحياته واسعة لدرجة أنه لن يسعى إلى توسيعها أكثر.
لكن الرجل الآخر الذي يسعى إلى استبداله، يريد إلغاء النظام الرئاسي ليصبح زعيما “محايدا” لا علاقة له بحزب سياسي، حيث يقول كيليتشدار أوغلو إنه سيعيد تركيا إلى النظام البرلماني ويعيد منصب رئيس الوزراء، ويعيد إحياء المحاكم المستقلة والصحافة الحرة، كما وعد قائلاً: “سأخدم جميع مواطني تركيا البالغ عددهم 85 مليونًا، وسأظهر الاحترام لكل واحد منكم”.
سيكون لكل من الأحزاب الخمسة الأخرى في تحالفه نائب للرئيس، وكذلك زملائه في حزبه من رؤساء بلديات أنقرة وإسطنبول، ولكن الواقع يقرر أنهم وقبل أن يتخلصوا من الرئاسة القوية، قد يحتاجون إلى استخدام سلطاتها لفرض الإصلاحات خاصة في حالة ما إذا لم يكن لديهم سيطرة كافية على البرلمان.
النظر إلى الشرق أو الغرب
تركيا جزء من تحالف الغرب الدفاعي للناتو، لكن حطومة أردوغان سعت إلى إقامة علاقات وثيقة مع الصين وروسيا أيضًا، حيث اشترت نظام دفاع جوي روسي من طراز S-400 وافتتحت محطة نووية روسية الصنع – الأولى لتركيا – قبل الانتخابات، ويدعو أردوغان إلى موقف متعدد الأطراف، ينظر إلى تركيا على أنها “جزيرة سلام وأمن”، وهو الموقف الذي يجعل أنقرة تلعب دور الوسيط في الحرب .
بينما وفي غضون ذلك، يريد خصمه وحلفاؤه العودة إلى عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واستعادة العلاقات العسكرية لتركيا مع الولايات المتحدة، مع الحفاظ على العلاقات مع روسيا. ويعتقد سليم كورو تنه إذا بقي أردوغان في السلطة فإنه سيواصل دفع تركيا بعيدًا عن الغرب، دون مغادرة الناتو، حيث يريد أن يصل بتركيا إلى نقطة في المدى المتوسط أو في المستقبل البعيد تكون فيها عضوية الناتو غير ذات أهمية لتركيا.
تضخم مرتفع أم اقتصاد أرثوذكسي؟
هذه لحظة عصيبة بالنسبة للاقتصاد التركي أيضًا، حيث بلغ معدل التضخم رسميًا 43.68٪ ، وقد عانى الأتراك من أزمة تكلفة معيشية أكثر حدة بكثير مما عانوه من قبل، وسيخبرك الكثير من المواطنين أن معدل التضخم الحقيقي يبدو أعلى بكثير. وبالعودة إلى تاريخ وجود أردوغان في السلطة فسنجد أن سنوات أردوغان الأولى نموذجًا للنمو الاقتصادي القوي ومشاريع البناء الضخمة، ودائمًا ما تمسكت تركيا عن كثب بشروط اتفاقيات القروض مع صندوق النقد الدولي.
لكن في السنوات الأخيرة تخلت حكومته عن السياسة الاقتصادية التقليدية، وكما يقول سيلفا ديميرالب أستاذ الاقتصاد في جامعة كوج، إن ذلك أدى تدريجياً إلى تآكل استقلال البنك المركزي، لدرجة أنه تمت أقالة ثلاثة من مدرائه في فترة قصير للغاية ، ليتخذ البنك المركزي قراره رغم ارتفاع التضخم بالإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة- بينما انخفضت قيمة الليرة التركية لتحسين الميزان التجاري وتعزيز الصادرات، ولا يزال أردوغان يعد بنمو مرتفع، وستة ملايين وظيفة جديدة ودفعة كبيرة للسياحة، لكن البروفيسور دميرالب يعتقد أن سياساته ستبقي التضخم مرتفعًا بنسبة 45٪ للأشهر القادمة.
من جهة أخرى فإذا فاز كمال كيليجدار أوغلو وحلفاؤه بالرئاسة والبرلمان، فأعتقد أن تركيا ستعود إلى السياسات الاقتصادية التقليدية وستشهد استقلالية البنك المركزي وسينخفض التضخم إلى 30٪ بحلول نهاية عام 2023 وسيستمر في الانخفاض بعد ذلك، ويعتقد البروفيسور دميرالب أن تركيا يمكن أن تتمتع بنمو قوي من الاستثمار الأجنبي: “في الوقت الحالي، تركيا رخيصة إلى حد ما وموقعها، يوفر السكان الشباب والبنية التحتية فرصًا استثمارية متبادلة المنفعة للمستثمرين الدوليين”.
مخاوف من اللاجئين السوريين
تتم مراقبة هذه الانتخابات بعناية شديدة من قبل 3.5 مليون لاجئ سوري يتمتعون بحماية مؤقتة في تركيا، حيث يريد منافس المعارضة إعادتهم إلى وطنهم وعلى حد قوله “في غضون عامين على أبعد تقدير” ويعد هذا مصدر قلق كبير للسوريين اللاجئين الذين جاءوا إلى هنا بشكل رئيسي في السنوات الست الأولى من الحرب حتى عام 2017.
والحقيقة أن أكثر من 80٪ من الأتراك يريدون عودة السوريين إلى ديارهم، لا سيما بعد تعثر الاقتصاد وعواقب الزلزال، وتعد هذه القضية الأهم بالنسبة للأتراك، كما يقول البروفيسور مراد أردوغان، ومع ذلك، هناك أكثر من 700 ألف سوري في المدارس التركية و 880 ألف طفل سوري ولدوا في تركيا منذ عام 2011، وكما يقول البروفيسور أردوغان: “لا أستطيع أن أفهم كيف سيتركون هذه الحياة ويعودون إلى سوريا”.
ولكن من جهته فقد صرح كمال كيليجدار أوغلو أنه سيتفاوض مع دمشق بشأن عودة السوريين، لكن مع إصرار سوريا على مغادرة تركيا للمنطقة العازلة التي يبلغ طولها 30 كيلومترًا (18 ميلاً) عبر الحدود، فإن ذلك ينطوي على خطر قيام سوريا بشن هجمات على المنطقة وإثارة موجة جديدة من الهجمات على اللاجئين. وفي الوقت نفسه فإن زعيم المعارضة يدرك جيدًا أن الاتفاقية ستستغرق ما يصل إلى عامين ، وسيطلب من الأمم المتحدة الإشراف عليها. لكن مراد أردوغان يعتقد أن الأمر قد يستغرق عقدًا من الزمن للتنفيذ.
ومن جهته فقد سعى الرئيس أردوغان إلى نزع فتيل القضية، من خلال وعده بالإسراع بالعودة الطوعية لمليون سوري من خلال اتفاق مع الرئيس بشار الأسد. لكن فكرة عودة السوريين طواعية تبدو بعيدة المنال.
صانعو الملوك الأكراد
هناك الكثير على المحك في هذه الانتخابات بالنسبة لأكراد تركيا، الذين يشكلون ما يصل إلى خمس سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
حيث يدعم ما يصل إلى واحد من كل عشرة ناخبين حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، وهو ثاني أكبر حزب معارض، ولقد دعموا علنًا كمال كيليجدار أوغلو لمنصب الرئيس، ويعتبرون التصويت “أهم انتخابات في تاريخ تركيا”.
ولكن بالعودة إلى الماضي القريب نجد أن الناخبون الأكراد دعموا في البداية سياسات حكومة أردوغان حيث تحسنت حقوقهم في العقد الأول من حكمه، لكن ذلك ساء في عام 2015 عندما انهارت محادثات السلام التي كانت تجريها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا وحلفاؤها الغربيون جماعة إرهابية.
وقد واجه الرئيس أردوغان دعم الناخبين الأكراد للكتلة المعارضة باتهامه السيد كيليتشدار أوغلو بالاستسلام لـ “ابتزاز” وأجندة حزب الشعوب الديمقراطي والمتشددين الأكراد، وحذر تحذيرا ينطوي على الكثير حيث قال “أمتي لن تسلم هذا البلد لرئيس حصل على دعم من حزب العمال الكردستاني” وكان منافس المعارضة يتودد علانية إلى السكان الأكراد في تركيا، حيث يقول إن الملايين منهم “يُعاملون كإرهابيين على أساس يومي” ويتعرضون للوصم من قبل حكومة تبحث عن تصويت قومي، ومن جهته ينفي الحزب الموالي للأكراد مزاعم الحكومة بأنها “جناح سياسي” للمتشددين، حيث يقف حزب الشعب الديمقراطي تحت مظلة حركة اليسار الأخضر مخافة حظر الحكومة لمرشحيه.