بقلم: ياوز أجار
(زمان التركية)-أثار الهجوم الذي وقع قبل عدة أيام من الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مدينة أرضروم شمال شرق تركيا، أثناء لقاء جماهيري للمعارضة، تساؤلات عما إذا كان الحادث عملية مدبرة سلفًا أم تطورًا عفويًا.
تعرض أكرم إمام أوغلو، نائب المرشح الرئاسي للمعارضة كمال كليجدار أوغلو، للرشق بالحجارة على يد مجموعة موالية لحزبي الحركة القومية و”هدى بار” الحليفين لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
التحالف الحاكم الذي يقوده حزب العدالة والتنمية مع أحزاب الحركة القومية، والاتحاد الكبير، والرفاه من الجديد وهدى بار، وجه في البداية أصابع الاتهام إلى أكرم إمام أوغلو نفسه، متحججًا بأنه نظم التجمع المذكور دون إذن من السلطات المحلية، الزعم الذي نفى الأخير صحته.
قال المسؤولون الحكوميون، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الداخلية سليمان صويلو، إن إصرار إمام أوغلو على تنظيم اللقاء الجماهيري في المدينة المعروفة بمشاعرها القومية والإسلامية القوية، باعتباره ممثلا للتحالف المعارض، تحريض واستفزاز لا يمكن قبوله.
كما أن وزيرة الأسرة دريا يانيك حاولت تبرير الهجوم على إمام أوغلو، بقولها: “أرضروم مدينة معروفة بحساسيتها في بعض القضايا. فبعد مغازلتهم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي كان يجب عليهم التوقع من أهل أرضروم بمثل رد الفعل هذا”، معيدة للأذهان التهمة التقليدية الموجهة للحزب الكردي بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني المصنف “إرهابيا”، من قبل أنقرة وواشنطن وبروكسل.
الإعلام المحسوب على الحزب الحاكم أوصل الأمر إلى حد اتهام المعارضة بتدبير هجوم مفتعل على إمام أوغلو، من أجل اتهام أردوغان بالوقوف وراءه وتشويه سمعته، وخلق شعور المظلومية في قلوب الناخبين، وتوجيههم إلى تأييد المعارضة قبل عدة أيام من الانتخابات.
لكن عندما تبين أن ضابطا في مخابرات الدرك كان من بين من رشقوا إمام أوغلو بالحجارة، أصبحت الحكومة في موقف حرج، ولم تجد وزارة الدفاع بدا من الاعتراف بالحقيقة، معلنة أنها اتخذت قرارا بإنهاء خدمة الضابط، وفتح تحقيق إداري بحقه.
ومن المثير أن الهجوم على إمام أوغلو حدث في الساعة 18:30 من يوم الأحد بعد ساعة ونصف من قول أردوغان في لقاء، دون تحديد المخاطب: لا يمكنك أن تسير إن لم يسمح لك أهلُ أرضروم!
بعد بيان زيف اتهامات الحكومة ضد المعارضة، لجأت صحيفة يني شفق، المملوكة لعائلة أردوغان، إلى الطريقة التقليدية للدفاع عن أطروحات الحكومة، حيث صدرت بعنوان رئيسي حمل عنوان “ظهور بصمات منظمة فتح الله غولن في الهجوم على إمام أوغلو”، زاعمة وجود صلة بين الضابط المذكور وحركة الخدمة.
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي المعروف ممدوح بايرقدار أوغلو أنه كان يجب على جميع المسؤولين الحكوميين إدانة الهجوم على إمام أوغلو قبل كل شيء، مستنكرًا التصريحات التي حملت المعارضة المسؤولية، ثم بين قائلا: “لا أشك أن الهدف الأساسي للمهاجمين كان اغتيال إمام أوغلو هناك.. كانوا يتوقعون أن يندفع إمام أوغلو ويوجه أنصاره للرد على المجموعة المعتدية وتندلع فوضى تؤدي إلى مقتل إمام أوغلو وسط هذه البلبلة.. لكن إدارة إمام أوغلو الموقف بحنكة وهدوء أحبطت هذه المؤامرة الخبيثة”، على حد وصفه.
الاتهامات المتبادلة بين المعارضة والحكومة تأتي في وقت يتساءل فيه مراقبون محليون ودوليون عما إذا كان أردوغان سيرضى بانتقال سلمي للسلطة في حال خسارته أم سيجد أي ذريعة للتمسك بها، نظرًا لأنه يخشى المحاكمة في حال فقدانه درع السلطة.
مشاركة ضابط مخابرات الدرك في الهجوم على إمام أوغلو أعاد للأذهان تورط عدد من عناصر قوات الدرك في مقتل عشرات المواطنين فيما عرف بـ”أحداث سيواس وباشبينار” (١٩٩٣)، التي استهدفت الإيقاع بين السنة والعلويين، و”أحداث شمدينلي” (٢٠٠٥) التي حاولت الوقيعة بين الأتراك والأكراد.
قديما كانت الدولة العميقة تختلق هذا النوع من الفوضى من أجل إسقاط الحكومات، بما فيها حكومات أردوغان في العقد الأول من حكمه، لكن بعد فضائح الفساد والرشوة في ٢٠١٣ تحالف أردوغان مع جناح الدولة العميقة وراح ينفذ التكتيكات والأساليب ذاتها للبقاء في السلطة وتصفية معارضيه.
وبما أن محاولة خلق فوضى عبر الهجوم على إمام أوغلو باءت بالفشل فماذا يمكن أن يفعل أردوغان وحلفاؤه لضمان بقائهم في السلطة؟
قبل ثلاثة أيام من بدء مارثون الانتخابات، أعلن البروفيسور السابق في أكاديمية الشرطة والمحلل السياسي الحالي أمر الله أوصلو أن عددا من متابعيه، ممن فصلوا من وظائفهم بقرارات حالة الطوارئ بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة / جماعة فتح الله كولن، أكدوا له أن بعض الموظفين جاؤوا إلى منازلهم وأبلغوهم بأنهم تم تعيينهم كمراقبين لصناديق الاقتراع، لكنهم رفضوا استلام البلاغ والتوقيع عليه.
تكليف المفصولين بمثل هذه المهمة الخطيرة في الوقت الذي يتم طردهم من كل الوظائف الحكومية لا يبدو منطقيا، بل قد يشير إلى أن أردوغان يمهد الطريق لرفض نتائج الانتخابات، في حال خسارته، بدعوى أن “أعضاء منظمة فتح الله غولن” سرقوا الأصوات لصالح مرشح المعارضة، ليطلق بعده تصفية موسعة شبيهة بما كان بعد الانقلاب المزعوم في ٢٠١٦، تشمل اعتقال رموز المعارضة، بمن فيهم كمال كليجدار أوغلو، السيناريو الذي أشار إليه الكاتب والمؤرخ الأمريكي مايكل روبين، في تحليل نشرته مجلة واشنطن إكزامينر الأمريكية في شهر أبريل المنصرم.
لو لم يكن أردوغان في حاجة ماسة إلى درع السلطة لما ساورنا القلق إلى هذا الحد. لكن ما يثلج صدورنا -إن صح طبعا- أن الكاتب الصحفي جان أتاكلي نقل معلومة مفادها أن وزير الدفاع خلوصي أكار سأل أفراد القيادة العسكرية العليا عن موقفهم من الانتخابات، ليؤكدوا جميعا احترامهم لإرادة الشعب مهما كانت!