(زمان التركية)-كما تنشغل وكالات الأخبار العالمية والدولية بنتيجة الانتخابات التركية وتأثيرها على الداخل التركي فإن المحللين الدوليين يبحثون وبكثرة خلال هذه الفترة عن السيناريوهات المتوقعة لفوز أردوغان أو المعارضة على السياسة الخارجية لتركيا، لا سيما العلاقات التركية الروسية وأدى تأثير تلك العلاقة على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق على وجه التحديد نشرت وكالة “ال سي إن إن” الأمريكية مقالًا تحليليًّا يرى أنه سواء فاز أردوغان أو المعارضة التركية في الانتخابات فالنتيجة لن تؤثر على علاقة تركيا وروسيا، تلك العلاقة التي أصبحت وطيدة ومهمة لكلا البلدين وقد جاء في المقال:
إن أكبر دليل على أهمية العلاقات التركية الروسية يتجلى خلال هذه الأسابيع ففي ذروة الحملة الانتخابية وقبل ثلاثة أسابيع فقط من الموعد المقرر لبدء الاقتراع، افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول محطة نووية تركية في حفل افتراضي، في خطوة زادت من ربط أواصر العلاقات بين الجارين المطلين على البحر الأسود، كما شهد الحدث الشهر الماضي تسليم الوقود النووي الافتتاحي في محطة Akkuyu في مقاطعة مرسين، وهي الأولى في العالم التي يتم بناؤها وامتلاكها وتشغيلها من قبل شركة واحدة وهي شركة الطاقة الذرية الروسية .
وبذلك، وسعت تركيا اعتمادها في مجال الطاقة على موسكو في وقت كان فيه حلفاؤها في منظمة حلف شمال الأطلسي(الناتو) يقللون من هذه الروابط لحرمان روسيا من استخدام كارت الطاقة ضدهم، وهكذا رسخت موسكو وجودها في تركيا على المدى الطويل في نفس الوقت الذي كان فيه أردوغان على وشك الدخول في انتخابات تتوقع بعض استطلاعات الرأي أنها قد تدفعه للخروج من السلطة، وقد كانت تلك العلاقات المتينة بين أردوغان وبوتين سببًا مباشرًا في حدوث توترات في الغرب، حيث يراقب البعض الانتخابات المقبلة مع توقع خروج محتمل لأردوغان من السلطة.
وأردوغان نفسه يعرف أن الغرب يتوقع خروجه من السلطة ففي مارس الماضي قام السفير الأمريكي في أنقرة جيف فليك بزيارة منافس أردوغان الرئيسي في الانتخابات كمال كيليجدار أوغلو، وعلق أردوغان مهاجمًا الولايات المتحدة ووصفتلك الزيارة بأنها “عار”، على الدبلوماسية الأمريكية، وحذر من أن تركيا ستقوم بـ”تلقين الولايات المتحدة درسًا في هذه الانتخابات” .
وبينما تشير استطلاعات الرأي إلى وجود فارق ضيق وضئيل بين أردوغان وكيليتشدار أوغلو، مع احتمال إجراء جولة ثانية للانتخابات إذا لم تحسم الجولة الاولى الفائز في 14 مايو/ أيار إذا لم يفز أي مرشح بأغلبية الأصوات. لكن في الوقت نفسه يرى المحللون أنه حتى لو تمت الإطاحة بأردوغان، فإن التحول في السياسة الخارجية لتركيا ليس أمرًا مفروغًا منه، فبينما تتحدث شخصيات مقربة من المعارضة إلى أنه في حالة الانتصار ستعيد تركيا توجيه دفتها تجاه الغرب، إلا أن آخرين يرون أن قضايا السياسة الخارجية الأساسية من المرجح أن تظل دون تغيير.
وباستقراء التاريخ نجد أنه على مدى العقدين الماضيين، أعادت تركيا في عهد أردوغان تموضع نفسها من دولة علمانية بشدة ذات توجه غربي إلى دولة أكثر تحفظًا وتوجهًا دينيًا. وهي عضو في حلف شمال الأطلسي ولديها ثاني أكبر جيش في الحلف، وقد عززت علاقاتها مع روسيا، وفي عام 2019 اشترت أسلحة من روسيا في تحد للولايات المتحدة، كما أثار أردوغان دهشة الغرب من خلال استمراره في الحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا بينما تواصل هجومها على أوكرانيا ، وهو ما تسبب في حدوث إبطاء لخطط الناتو في التوسع، حيث عطل أردوغان لفترة ليست بالقصيرة التحاق كلا من فنلندا والسويد لعضوية الاتحاد.
ومع ذلك، وفي الوقت نفسه قامت تركيا بلعب دور مفيد لحلفائها الغربيين في عهد أردوغان، ففي العام الماضي ساعدت أنقرة في التوسط في صفقة تصدير حبوب بين أوكرانيا وروسيا ويرى المحللون أنها تعد صفقة تاريخية، كما زودت تركيا أوكرانيا بطائرات بدون طيار وكان لتلك الطائرات دورًا في مواجهة الهجمات الروسية.
وكما صرح أونور إيسي الأستاذ المساعد في جامعة أنقرة: “أعتقد أن هناك مجالات سنشهد فيها تغييرًا جذريًّا إذا فازت المعارضة، ويسأل العديد من زملائنا والدبلوماسيين الأوروبيين في أنقرة إلى أي مدى ستعود تركيا إلى حلفائها الغربيين” مشيرًا إلى أنه في حالة فوز المعارضة، فإن أول شيء ستفعله هو إصلاح العلاقات مع الغرب، وأضاف إنه حتى إذا تم إصلاح العلاقات مع الغرب، فستكون هناك قيود على عودة تركيا إلى الغرب، بالنظر إلى مدى تشابك الاقتصادات التركية والروسية بشدة، خاصة فيما يتعلق بالطاقة، قال عيسى إن الكثير من سياسة أردوغان الخارجية كانت مدفوعة باعتبارات اقتصادية، ومن المرجح أن يستمر ذلك في الحكومة المقبلة.
فتركيا تعد شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا لروسيا ،فضلاً عن كونها مركزًا لآلاف الروس الذين فروا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وضخوا الأموال في العقارات والقطاعات الأخرى، وشهدت التجارة بين البلدين ارتفاعًا، وقال بوتين الشهر الماضي إن روسيا حريصة على تعميق علاقاتها الاقتصادية مع أنقرة، مشيرًا إلى أن التجارة الثنائية تجاوزت 62 مليار دولار اعتبارًا من عام 2022، وفقًا لوكالة الأنباء الروسية الحكومية تاس، وهذا يجعل روسيا من بين أكبر الشركاء التجاريين لتركيا.
ومع ذلك، يظل الاتحاد الأوروبي ككتلة أكبر شريك تجاري لتركيا ،حيث وصلت التجارة الثنائية إلى حوالي 219 مليار دولار وفقًا للمفوضية الأوروبية، وفي نفس الفترة بلغ حجم التجارة مع الولايات المتحدة حوالي 33.8 مليار دولار في عام 2022 وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي. وربما يعني القرب الجغرافي لروسيا من تركيا، فضلاً عن مصالحها الاقتصادية في أنقرة، أن زعيمًا مختلفًا لأردوغان سيظل يحافظ على علاقات جيدة مع روسيا ،بينما يرسخ تركيا بقوة في تحالفاتها الديمقراطية الغربية.
وكما علق مراد سومر أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوج في اسطنبول ، لشبكة CNN بقوله: “من حيث نظرة البلاد ، ستكون موجهة إلى حد كبير نحو الغرب الديمقراطي” مشيرًا إلى أن هذا لن يعني نهاية كاملة للخلافات مع الدول الغربية، فبعد عدة تأخيرات، سمحت تركيا هذا العام لفنلندا بالانضمام أخيرًا إلى حلف الناتو، لكنها لا تزال تقف في طريق عضوية السويد، قائلة إنها تضم “منظمات إرهابية” كردية، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني المتشدد (PKK) الذي تم تصنيفه كمجموعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك يمكن حل المشكلات المتعلقة بانضمام السويد مع أردوغان أو بدونه.
كما علق نيجار جوكسل مدير تركيا في مجموعة الأزمات الدولية لشبكة CNN “من المرجح جدًا أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، ستصدق أنقرة على عضوية السويد في وقت لاحق من عام 2023، بعد أن يدخل قانون مكافحة الإرهاب الجديد حيز التنفيذ في السويد” وقد كانت المعارضة حريصة على الإشارة إلى أن “الخطوات البناءة لإزالة المخاوف الأمنية لتركيا” ضرورية إذا تمت الموافقة على عضوية السويد.
لكن في حين أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي قد تتحسن إذا فازت المعارضة، فإن الطريق قد يكون أطول وأكثر صعوبة مع الولايات المتحدة ، كما يقول الخبراء، وكما يضيف إيسي فإن علاقة تركيا بالولايات المتحدة وصلت إلى طريق مسدود وكانت تتدهور لفترة طويلة جدًا، ولكن سواء فاز أردوغان أو المعارضة، فإن تركيا ستحاول على حد قوله “إصلاح علاقتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي” نظرًا لاعتماد أنقرة على شركائها التجاريين الأوروبيين.