ماهر المهدي
(زمان التركية)_ الزمان يمضي إلى الأمام الذي يعرفه هو دون غيره ودون توقف، سواء لأحد أو لظرف ما، والشعوب تتكاثر وكذلك الأحداث والمشاكل والقضايا.
والناس والشعوب يجدون حلولًا لبعض القضايا وبعض المشاكل، ولكن تبقى دائمًا قضايا ومشاكل مشتعلة لا تنطفئ ولا تحل ولا تنسى أيضًا، لأنها تمس حياتهم وبقائهم في الغالب. والمشاكل والقضايا ليست فقط كثيرة ولكنها متنوعة من حيث المجال ومن حيث الطبيعة -بين المحلي والإقليمي والدولي والشخصي والعائلي والقومي أيضًا- ولكنها تتفق في إصرار بعض هذه المشاكل على الصمود والبقاء والاستمرار فى الوجود وربما التفاقم أيضًا رغم كل شيء وأمام أعيننا وأمام أعين الجميع وهم يبصرون ويتعجبون ويتندرون ويتألمون للأسف. وهذه تطورات متوقعة -وفقًا لناموس الحياة البشرية- فلم يستطع البشر يومًا ما حل كافة المشاكل والمعوقات التي صادفتهم والتي تصادفهم، ولم تخلف المشاكل والعثرات والقضايا للبشر سوى الألم والندم والحزن والخسائر والقلق الممتد والخوف من الغد والفكر المتصل.
ولكن ما قد لا يكون طبيعيًّا ولا منتجًا أو إيجابيًّا هو محاولة البعض الخروج بتصورات لحلول لبعض القضايا والمواقف الكبيرة الهامة التي مضى عليها عشرات السنين وهي قيد الاشتعال والفوران -في الوقت الذي توفى عنها كثير من المسؤولين عنها ومن أبطالها ومن حماتها المؤثرين- وتقديم هذه التصورات الآن كحلول كانت واجبة التبني وكانت جديرة بالتطبيق قبل عشرات السنين. وما قد لا يكون طبيعيًّا أيضًا هو محاولة اتهام القائمين على تلك القضايا والمشاكل -قبل عقود مضت- بالتهم المختلفة ومنها تهمة: الفرص الضائعة. وما هذا بدفاع عن مسؤولين أو عن قادة أو عن أحد معين كان مسؤولًا عن قضية ما أو عن مسألة ما، ولكنه دفاع عن حاضرنا وعن مستقبلنا وعن مقدراتنا. فكل تصور حاضر وكل اقتراح آن بحل ما لنزاع ما أو لقضية ما قد يصلحان لمواجهة الحاضر -وربما المستقبل- بقدر معالجة هذين الاجتهادين لجوانب النزاع أو القضية أو المسألة محل الاعتبار ووفقًا للمعطيات الراهنة. فكل تصور أو اقتراح هو وليد البيئة التي ولد فيها والزمن الذي ظهر فيه وهو وليد العقول والثقافات والمبادئ والقيم الشخصية والوطنية والميول السائدة في وقت ظهور هذا الاقتراح أو التصور. ورؤية اليوم قد تختلف كثيرًا ولا شك عن رؤية الأمس قبل عقود مضت، الأمر الذي يتعذر معه محاسبة مسؤولين أو قادة أو جهات ما على عدم إدراكه والاحتياط له والاحتيال له في حينه ما لم تظهر أدلة دامغة على تجلي هذه الرؤية -أو حتى رؤية قريبة منها- منذ عقود طويلة وقبل تولي هؤلاء المسؤولين لمسؤولياتهم أو في عهد توليهم لهذه المسؤوليات مثار النزاع .
قد تكون أنسب الإجابات على سؤال ما هي الإجابة في وقت الحدث وفي ظروف الحدث، وليس قبل الحدث بالطبع وليس بعد الحدث. ولكن يبقى البحث المستفيض -في ثنايا التاريخ- من أجل التوصل إلى حقيقة الرؤى والدوافع التي بنيت عليها قرارات تاريخية في وقت ما عملًا عظيمًا وهامًّا ، وخاصة إذا نجح في التخلص من آفة الحكم المسبق