بقلم: ماهر المهدي
(زمان التركية)ــ البعض يصر على أن يسير وهو ينظر إلى الخلف ويعاتب أناسًا ويحاسب أناسًا ويهاجم أناسًا ويتساءل ويتعجب من أناس، ويسمح لنفسه أن يتوه عن العمل وعن الاجتهاد من أجل حاضره ومن أجل مستقبله.
المشكلة -في كل الأحوال- أن الزمن لا يتوقف لأحد مهما كان ولا يعطي لأحد فرصة -مهما حصل- حتى يراجع نفسه أو يستشير أحد أو يعدل عن فكرة أو يقرأ تقريرًا فاته أو يريح جسده المرهق أو ذهنه الذي شرد وتاه عن أهدافه. لا توجد فرص زمنية ولا منح زمنية لأحد مهما كان والخير المطروح دائما هو: أن تعمل وتسير مع الزمن أو تسابق الزمن فتصبح في أمان، أو أن تتقاعص وتضعف خطاك وتتوه عن أهدافك في الحياة وتصير في خطر. والبعض قد يجد صعوبة أكثر ما يجد في التسامح مع الآخرين وفي قبول اعتذار من أخطأ وفي التجاوز عما لحقه من خسارة بسبب شخص ما أو جهة ما، رغم مرور السنين الكثيرة، ورغم علمه بأن تمسكه بما يدعى من حق قد يكلفه المزيد من الخسارة في حاضره وفي مستقبله بينما هو يطارد حلمه. والبعض يصر على الانتقام مهما حدث، ربما ليثبت لنفسه شيئًا أو ليثبت لأحد شيئًا أو ليحقق ما يراه من صور العدالة التى يتخيلها عدلًا وصوابًا وهو في الحقيقة يبعد كل يوم عن طريقه الأساسي وعن أحلامه المشروعة التي تحتاج إلى نقاء قلبه وصفاء عقله وكامل طاقته.
إن مشوار الإنسانية طويل ممتد في أعماق التاريخ، وهو ينبهنا دائمًا إلى أكبر عدو للإنسان هو الإنسان ذاته ممثلًا في عقله وما يعتمل فيه: فإن رجح عقله رجحت حياته، وأن خاب عقله فسدت حياته وربما تسربت من بين أصابع يديه هباءً منثورًا. أما الذين ينتبهون إلى وساويسهم وإلى خطورتها عليهم أنفسهم وعلى مصالحهم وييذلون جهدهم للتغلب على تلك الوساوس وتحييدها عن الطريق، فهم الرابحون الذين ينجحون في الحياة إلى أرفع المراتب وإلى أحلامهم كلها أو إلى أعز ما فيها. أن اجتهادك الشخصي قد يوقد شمعة واحدة يومًا ما وهو أمر قد يبدو ليس بالكثير ولا بالعظيم، ولكن شمعة في طريق مظلم أفضل ألف مرة من الظلام الدامس، على الأقل بالنسبة إلى صاحب الشمعة المضيئة.