نيويورك (زمان التركية)ــ نشر موقع “هوملاند سيكيورينتي” الأمريكي والمتخصص في الشؤون الأمنية القومية الأمريكية والسياسة الخارجية، مقالًا هامًّا يحلل فترة حكم الرئيس التركي أردوغان منذ تواجده في السلطة، ونحن اليوم على أعتاب الانتخابات الرئاسية التركية 2023؛ وتحلل المقالة التأثيرات التي انتجتها سياسات أردوغان وحزبه الحاكم، وتحول البلاد من الديمقراطية إلى السلطوية.
جاء في المقال الذي كتبه الدكتور محمد جنكيز المتخصص في الشؤون الأمنية:
لقد كان يُنظر إلى تركيا على أنها حليف موثوق به لكن سياسات أردوغان التي تعطي الأولوية لحماية مصالحه الخاصة وتغليبها على مصالح الدولة أدت إلى أبعاد تركيا عن العالم الغربي.
واليوم يفصل تركيا ما يقرب من شهرين عن انتخاباتها الأكثر أهمية والتي ستُجرى في 14 مايو، وتشير التطورات والاتجاهات السياسية الأخيرة إلى أن فرصة الرئيس رجب طيب أردوغان أقل للفوز بالانتخابات، فقد توصلت طاولة الائتلاف المكونة من ستة من أحزاب المعارضة الأكثر تأثيرًا، إلى حل وسط لترشيح كمال كيليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري كمرشح ضد الرئيس أردوغان، وقد أدت الضغوط غير الديمقراطية في ظل حزب الرئيس أردوغان للعدالة والتنمية في العقدين الماضيين إلى خلق كتلة قوية يمكنها أن تجلب 65 بالمائة من الأصوات لكيليجدار أوغلو، وهي نسبة كافية لهزيمة حكومة حزب العدالة والتنمية.
وبالفعل فقد فشلت حكومة حزب العدالة والتنمية في تهدئة شكاوى الناس من التضخم الجامح وردود الفعل الحكومية الضعيفة على الزلازل المتتالية التي ضربت تركيا في 6 فبراير، وأودت بحياة أكثر من خمسين ألف شخص على الأقل، وذلك بسبب النظام الفاسد الذي يسمح بالعفو عن أعمال البناء سيئة التأسيس وغض النظر عن التفتيش والقيام ببناء مباني غير المرخصة. و كانت استجابة ما بعد الزلزال مليئة بالفضائح التي تظهر استجابة الحكومة غير المستعدة للكوارث. على سبيل المثال فقد قام الهلال الأحمر التركي بتخزين الخيام في مستودعاته لمدة ثلاثة أيام ثم بيعها لجمعية خيرية مما أثار ردود فعل مناهضة ضد الحكومة.
والحقيقة أن المعارضة أقرب للفوز في انتخابات مايو المقبلة أكثر مما كانت عليه في العقدين الماضيين، فهم حتى الآن لم يرتكبوا أي أخطاء استراتيجية وكانوا مستعدين لتحركات حزب العدالة والتنمية، الذي يتمتع بالفعل بخبرة في استخدام أوراق صعبة، فيجب أن تكون تركيا وأحزاب المعارضة مستعدين لرؤية الحزب الحاكم وهو يستخدم ورقة الأمن والخوف من الإرهاب للحكومة.
ويمكن دراسة العقدين الأخيرين من حكم حكومة حزب العدالة والتنمية في فترتين مميزتين: الفترة الأولى بدأت بفوز الحزب في انتخابات عام 2002 واستمرت حتى أوائل عام 2010 حيث مال حزب العدالة والتنمية خلال تلك الفترة إلى معايير الاتحاد الأوروبي وقيمه. وفهم لاحقًا أن الرئيس أردوغان استغل فترة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لمنع إغلاق حزبه السياسي الإسلامي -على غرار أسلافه المتهمين بانتهاك النظام الدستوري العلماني- وتعزيز قيادته في البلاد، بينما الفترة الثانية شهدت انتقال تركيا إلى الاستبداد، حيث أصبحت الحكومة نظامًا ديكتاتوريًّا يقمع المعارضة، ومن الضروري أن ندرك أن جشع الرئيس لتلقي الرشاوى كان موجودًا في كلا الفترتين ولعب دورًا حيويًّا في انتقال البلاد إلى نظام كليبتوقراطي اليوم.
كيف تأثرت الديمقراطية
كانت تركيا تعتبر دولة نموذجية تجمع بين الديمقراطية والإسلام حتى أصبحت سلطوية، ولكنها اليوم لم تعد على قائمة الدول الديمقراطية، فقد استبعدت إدارة بايدن تركيا من قمة الديمقراطية في عام 2021 وحاليًا تعد تركيا من الدول التي أغلقت أكبر عدد من وسائل الإعلام وسجنت أكبر عدد من الصحفيين، وصارت حرية التعبير تخضع لتدخل حكومي صارم، والجماهير خائفة من الهتاف ضد الحكومة،بينما الرئيس أردوغان يرى أنه حر في استخدام كل الكلمات مهينة و على سبيل المثال، وصف النساء اللاتي انضممن إلى مظاهرات “غيزي” في عام 2012 بـ “الفاسقات” في إحدى خطاباته في عام 2022، ومع ذلك فإن محامي أردوغان يتمتعون بالسرعة الكافية لرفع دعوى كلما تعرض لانتقادات، فلقد رفعوا دعوى قضائية ضد 63،041 شخصًا زُعم أنهم أهانوا الرئيس أردوغان بين عامي 2014 -2019 .
والواقع أن تركيا دولة تشهد استقطابًا مثل باقي دول الشرق الأوسط الأخرى، حيث يخلق الاستقطاب حلقة انتقامية شرسة بين القامعين والمضطهدين، و المؤيدون المتحمسون لحزب العدالة والتنمية اليوم هم نتاج النظام العلماني الصارم في تركيا، بعد أن تم قمعهم من قبل هذا النظام، وواجه الطلاب المتدينون حظرًا جامعيًّا من ارتداء الحجاب في السنوات التي سبقت نظام حزب العدالة والتنمية، ولقد استغلت حكومة حزب العدالة والتنمية هذا الحظر وأظهرت نفسها على أنها الضامن والمدخر للمحافظين في المجتمع.
وكان نظام أردوغان غير الديمقراطي أكثر تكلفة بالنسبة للأكراد والعلمانيين وأنصار غولن، فقد عيّنت الحكومة بشكل غير قانوني أمناء للبلديات في المناطق الكردية التي يديرها رؤساء البلديات المنتخبون ديمقراطيًّا، و تعرض العلمانيون لقمع النظام، تم اعتقال العديد من الصحفيين من صحيفة “سوزجو” و”جمهوريت” بسبب انتقاداتهم للحكومة، إلا أنه يمكن القول إن أتباع كولن دفعوا الثمن الأعلى، ففي الفترة الأولى لحزب العدالة والتنمية حتى أوائل عام 2010 قدم فتح الله كولن دعمه لتوجهات الحكومة الديمقراطية، لكن انتقال أردوغان إلى الاستبداد واتهامات أنصار كولن بالوقوف وراء تحقيقات الفساد التي أثبتت تورط الرئيس أردوغان ودائرته الداخلية بأدلة قوية، تسبب في عداوة الحكومة لكولن وأتباعه، وقامت الحكومة بقمع أتباع كولن حيث تعرضوا لمطاردات شرسة على غرار المكارثية، و بناءً على أدلة واهية تمت محاكمة وسجن كل عضو في حركة كولن، وتوفي العشرات في السجون نتيجة لما تعرضوا له من تعذيب ممنهج، حتى النساء لم تسلمن فقد تعرضت نسائهم المحتجزات للمضايقات المستمرة، ثم عزز حزب العدالة والتنمية انتقامه بإغلاق مدارس الحركة البالغ عددها 1043 مدرسة و 15 جامعة في تركيا، بالإضافة إلى عدد كبير من المستشفيات التابعة للحركة.
كما أسفرت سياسات الاستقطاب لحزب العدالة والتنمية عن نتائج تتجاوز حدود تركيا، فلقد تم إحداث شقاق بين الشعب بعضه البعض حتى في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حيث يتجنب أطياف الشعب التركي في الخارج الاجتماع في التجمعات الدينية أو الاحتفالات الوطنية، وهو مثال آخر على الاستقطاب المتزايد في المجتمع بسبب اتهامات الحكومة. وتركز بعض التقارير حول الكيفية التي أوجد بها أردوغان حالة شديدة من الاستقطاب الشديد في تركيا قد تدفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية وذلك كخطوة بديلة إذا لم يستطيع الفوز في الانتخابات، ومضة واحدة ستكون كافية لتأليب العلمانيين على أتباع حزب العدالة والتنمية واندلاع الاضطرابات العنيفة في الشارع.
اقتصاد
ازدهر الاقتصاد التركي في الفترة الأولى من ولاية الرئيس أردوغان، على غرار معظم البلدان في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، فقد اجتذب الاقتراب من الاتحاد الأوروبي وإضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد المستثمرين الأجانب، فتم إدراج تركيا كواحدة من دول مجموعة العشرين مع زيادة ناتجها المحلي الإجمالي، إلا أن التدخلات غير الديمقراطية في الولاية الثانية أدت إلى تداعيات اقتصادية خطيرة فقد انخفض ناتج تركيا المحلي الإجمالي من 957.8 مليار دولار في عام 2013 إلى 719 مليار دولار في عام 2020، وحدثت فجوة في احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي حيث فقدت 128 مليار دولار أمريكي في عام 2020، بالإضافة إلى ذلك فشلت الحكومة في السيطرة على الاقتصاد المتضرر من كارثة COVID-19 . ونتيجة لذلك انهارت عملتها ووصل التضخم الجامح إلى معدل سنوي بلغ 85٪ في أكتوبر 2022.
السياسة الإقليمية
كان يُنظر إلى تركيا على أنها حليف موثوق به للعالم الغربي وقد انحازت إلى جانب الناتو منذ الحرب الباردة، ومع ذلك فإن سياسة الرئيس أردوغان التي تعطي الأولوية لحماية مصالحه الخاصة وليس مصالح الدولة أبعدت تركيا عن العالم الغربي. فلقد سئم الرئيس أردوغان من انتقادات الغرب بشأن الإجراءات الحكومية غير الديمقراطية المستمرة وانتهاكات حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، فهو يشعر بالقلق إزاء التحقيقات الجارية في الولايات المتحدة يكشف تحقيق بنك Halk في المحكمة الجزئية الأمريكية للمنطقة الجنوبية لنيويورك أن أردوغان وعائلته ودائرته الداخلية معرضون لخطر التحقيق، لذلك انتهت تصرفات أردوغان في السعي وراء النفوذ في علاقة وصداقة وثيقة مع الرئيس بوتين، واشترى منها أردوغان صواريخ S-400 الروسية، واليوم عندما يتلقى الرئيس أردوغان ردًا غير مرغوب فيه من الولايات المتحدة، فإنه يحدد المواعيد وينتظر أمام أبواب الرئيس بوتين.
كانت سوريا قضية على جدول أعمال دول المنطقة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، و يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق بشأن الهجرة الجماعية من سوريا، في حين تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بالقلق من توطين الجماعات الجهادية في شمال سوريا، وقد شاركت تركيا بنشاط في الصراع وتبنت سياسات غير متسقة بهدف الإطاحة بنظام الأسد ووقف إقامة دولة كردية في شمال سوريا ودعمت تركيا في السنوات الأولى الجماعات الجهادية بغض النظر عما إذا كانت مرتبطة بالقاعدة أو داعش، ثم عدلت تركيا سياساتها واستخدمت انخراطها في الصراع السوري للسعي إلى نفوذ في السياسة المحلية والإقليمية، فبالنسبة للسياسة الداخلية تهدف جهود تركيا إلى وقف الجماعات الكردية، لكنها على الصعيد الأقليمي تهدف إلى الحصول على بعض التنازلات من الولايات المتحدة، فقد وجه الرئيس أردوغان الجيش التركي بدخول سوريا كلما كان غاضبًا من الرئيس الأمريكي، واليوم يبدو أن تركيا تدعم جماعات المعارضة المعتدلة ضد قوات سوريا الديمقراطية ونظام الأسد، إلا أن هذه الجماعات لها روابط قوية مع داعش والقاعدة في شمال سوريا.
استقلال القضاء
يمكن للدول الاستبدادية ذات العلاقات المقطوعة مع العالم أن تعيش بفضل مواردها الطبيعية،على سبيل المثال تواجه الاقتصادات الفنزويلية والإيرانية والروسية صعوبات تحت ضغط العقوبات الغربية لكنها لا تزال مرنة بسبب مواردها النفطية والغاز الطبيعي، وكانت الأصول القيمة لتركيا هي سيادة القانون ،ونظام العدالة المستقل إلا أنه تم تصنيف تركيا في قاعدة مؤشر مشروع العدالة العالمية في المرتبة 117 من بين 139 دولة في الترتيب العام لعام 2021.
وأدت محاولة الانقلاب المشبوهة في 15 يوليو / تموز إلى سجن مئات الآلاف من الأشخاص دون وجود أدلة كافية بما في ذلك حوالي 5000 قاضٍ ومدعي عام تم استبدالهم بالولاء لحزب العدالة والتنمية، لكن من الواضح بالدليل القاطع أن الرئيس أردوغان ووزير الدفاع ورئيس المخابرات كانوا على علم بمحاولة الانقلاب وتركوها للاستفادة من نتائجها، حتى أن أردوغان وصفها بأنها هدية من السماء في الساعات الأولى من محاولة الانقلاب واستخدمها كذريعة لسجن مئات الآلاف من المعارضين، و كل من يشكك في نظرية الحكومة المخادعة في محاولة الانقلاب في 15 يوليو يتم سجنه، وكانت التحقيقات في محاولة الانقلاب في 15 يوليو / تموز مخزية للنظام القضائي في تركيا. علاوة على ذلك، فإن مسؤولي التحقيقات الذين حققوا في الفساد الحكومي والقاعدة وداعش والحرس الثوري الإيراني لا يزالون في الحبس الانفرادي أو السجون منذ أواخر عام 2014، وقد استهدف أحد هذه التحقيقات في 17 ديسمبر 2013 الوسطاء الذين قدموا رشوة لوزراء أتراك لكسر العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني غير المنضبط. وأطلقت تركيا سراح هؤلاء الميسرين وأوقفت التحقيق لكن المدعين الأمريكيين استخدموا أدلة الشرطة التركية والتنصت على المكالمات الهاتفية والمراقبة لإدانة نفس الميسرين، و يعلم الجميع في تركيا جيدًا أن السياسيين تلقوا رشوة للتهرب من العقوبات الأمريكية، حتى المعارضة تشير إلى هذه التحقيقات وتتهم حكومة حزب العدالة والتنمية بين الحين والآخر، لكن المعارضة خوفا من الاعتقال تلتزم الصمت رغم أنها ترى أن هؤلاء الضباط وعائلاتهم لا يزالون في السجون ويدفعون ثمنا باهظا اليوم، ولا يمكن للمدعين العامين والقضاة أن يجرؤوا على إصدار حكم ينتهك مصالح الحكومة، فهم يعلمون أن منزلهم سيُداهم وستوجه إليهم تهماً إرهابية لا أساس لها.
الجريمة والفساد والإرهاب
أصبحت الجريمة والفساد والإرهاب مشكلة متزايدة في تركيا، وعلى وجه الخصوص أصبحت تركيا مرتعًا للمنظمات الإجرامية العابرة للحدود بعد تطهير أكثر من 40 ألف ضابط شرطة في عام 2016 مما أدى إلى فقدان الذاكرة المؤسسية والمعرفة لدى أجهزة إنفاذ القانون، و أدت عمليات التطهير هذه إلى ترويع الضباط الذين تم استبدالهم حديثًا لتجنب أي تحقيق قد يكون على صلة بسياسي حزب العدالة والتنمية، وهكذا خلقت التفاهمات المشتركة الجديدة فراغات يملأها المجرمون الدوليون وغاسلي الأموال، ومهربي المخدرات من البلقان ومناطق القوقاز وكذلك من أوكرانيا وروسيا فهم يتمتعون بالعمل دون قيود في تركيا فقط، فقد حوّلت الأوليغارشية الروسية خوفًا من التحقيقات والمصادرة في العالم الغربي أصولها إلى تركيا، بل وتشارك بحصة لا بأس بها في الجريمة المنظمة لتجارة الكوكايين بين أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، والتي يستثمر فيها الحكام الدكتاتوريون في إفريقيا والشرق الأوسط و في تركيا من خلال غسيل هذه الأموال .
وهكذا صار الفساد الأداة الحتمية للسياسة في تركيا،حيث يقوم المقاولون الكبار برشوة أردوغان وتقدم جميع الشركات الأصغر الأخرى عمولات للمسؤولين، ثم تم إدخال 191 تعديلاً على قانون المشتريات العامة خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية حتى عام 2021 بهدف تمكين نظام أردوغان من ممارسة رشوة آمنة وبالطبع من أجل حماية المسؤولين الفاسدين.
أما عن الإرهابفقد أصبح أداة بيد حكومة حزب العدالة والتنمية، فبينما سجلت تركيا انخفاضًا في الهجمات الإرهابية من قبل حزب العمال الكردستاني والجماعات اليسارية في العقد الماضي إلا أنها أصبحت ملاذًا آمنًا لداعش والقاعدة العاملين في شمال سوريا، ولن يكون من الخطأ القول إن العديد من الشباب التركي تحت تأثير الحركات الجهادية في تركيا اليوم.
وبالرغم من ذلك فقد صنفت تركيا المعارضة بالإرهابيين وهي تعلم ما يعنيه استخدام قوة كلمة الإرهاب في العالم الغربي، وفقًا لمعايير تعريف الإرهاب في قاموس حكومة حزب العدالة والتنمية فإن جميع الطلاب والمتظاهرين والمعارضين السياسيين إرهابيون – رغم أنهم لم يستخدموا أي عنف إذا لم يلتزموا بقواعد النظام. و منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو / تموز عام 2016 ، كانت تركيا تسجل وتبلغ عن آلاف الحالات الإرهابية سنويًا، لكنها لا تزيد عن 40 حالة في قواعد بيانات الإرهاب وهي في الغالب هجمات غير بارزة من قبل منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وعلى عكس تماما فإن أعمال الحكومة تعتبر من أعمال إرهاب الدولة، والتي تشارك فيها بتهور من خلال تعذيب المعارضين وقتلهم وإخفائهم قسراً بل وحتى اختطافهم من خارج تركيا بمساعدة العصابات الموجودة في تلك الدول .
وتجدر الإشارة إلى أنه في المناطق المظلمة من النظام الحالي تزدهر المجموعات شبه العسكرية الخاضعة لسيطرة الحكومة على غرار مجموعة فاغنر الروسية والحرس الثوري الإيراني، شكلت الحكومة منظمة شبه عسكرية تعرف باسم سادات هدفها الأساسي حماية النظام الحالي في تركيا، و يبدو أنها شركة أمنية خاصة تقدم التدريب في مناطق الصراع، وتخشى المعارضة احتمال استخدام هذه المنظمة الأمنية من أجل القيام بعملايات اغتيال أو حتى إشعال فتيل حرب أهلية في البلاد قبل الانتخابات.
آثار إرث أردوغان على سياسة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
تتمثل إحدى القواعد في العلاقات الدولية اليوم في إعطاء الأولوية للمصالح الأكثر إستراتيجية وغض الطرف عن المصلحة الأصغر وذلك على عكس سياسات الحرب الباردة التي مكنت وتطلبت التدخل النشط لأجهزة الاستخبارات. ولقد اهتم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمصالحهما الأكبر على الطاولة، و مع العلم جيدًا بالمصالح الأكثر استراتيجية للعالم الغربي، ابتز أردوغان دول الاتحاد الأوروبي لفتح حدود تركيا والسماح للاجئين السوريين والأفغان بالسفر بشكل غير قانوني إلى أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية، ورأت دول الاتحاد الأوروبي ورقة أردوغان وبقيت صامتة مما سمح لأردوغان بإنشاء إرث اليوم المدمر، وصمتت دول الاتحاد الأوروبي وظلت هادئة عندما كان أردوغان يغلق وسائل الإعلام ويسجن الضباط الذين خدموا في الأمن الإقليمي وقاموا بعمليات ضد القاعدة وداعش والحرس الثوري الإيراني، لقد أوجد إرث الرئيس أردوغان دولة على شفا حرب أهلية وملاذا آمن للإرهابيين الدوليين والمهربين وغسيل الأموال، لذلك على المدى الطويل سيستمر هذا الإرث في تهديد دول الاتحاد الأوروبي ويشكل دائمًا تهديدًا إذا لم يكن هناك تدخل فعال.
الاهتمام الأكبر للحكومة الأمريكية هو توسيع وتعزيز حلف شمال الأطلسي، وتصاعد التهديد الإيراني في الشرق الأوسط، وانتشار النفوذ الروسي في المنطقة، وهزيمة الجماعات الجهادية في شمال سوريا، وقد نجح الرئيس أردوغان حتى الآن في استخدام هذه البطاقات للتعامل مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال اتهم الرئيس أردوغان بسخرية فنلندا والسويد بأنهما ملاذ آمن للإرهابيين، وهكذا نجح في دفع حكومة الولايات المتحدة إلى الصمت حيال القمع غير الديمقراطي.
وباختصار، من المهم أن ننظر إلى كلمات أردوغان في السنوات السابقة من نظامه حيث استخدم الشعار الانتخابي “من أين إلى أين” ليعني أنه قام بتحديث البلاد وتطويرها ورفعها إلى مستوى الهيمنة العالمية، ومع ذلك فإن هذا التحليل أعلاه يصور أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان كان جيدًا عندما كان يميل نحو القيم الغربية ويعزز الديمقراطية، لكن الحزب السياسي نفسه دمر الأطر الدستورية في البلاد عندما أغلق أبوابه أمام القيم الغربية، ووفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يبدو أن كتلة المعارضة تحصل على غالبية الأصوات، ويمكن انتخاب مرشحها خلفًا لأردوغان، إلا أن أردوغان وهو قائد متمرس وسلطوي لن يستسلم حتى اللحظة الأخيرة، وسيفعل كل ما هو ضروري للفوز بالانتخابات، لذلك يمكننا القول بأن تركيا على وشك إما السماح لأردوغان بتعميق إرثه المدمر، أو ترك الرئيس الجديد يواجهه ويصلحه.