بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)- الناس في مساعاها في دروب الحياة قد تطرق كل الأبواب الممكنة لتحقيق أحلامها وتحقيق ذاتها، وهذا مشروع طبعًا ومقبول في كل الأحوال. ولكن شق من الناس -لأسباب غير مفهومة- قد يميل إلى الإساءة إلى الغير بطرق مختلفة قد تتعدى حدودًا بعيدة.
ربما لاعتقاد هذا الشق في دور الإساءة بتحقيق الشهرة والمجد -كشارة حمراء على جبين طالب الشهرة- مغامرًا بخطر الوقوع في التجاوز ضد الغير ما دام يقترب من أحلامه، أو يحس أنه في الطريق إلى أهدافه الخاصة. والبعض ربما أحس بمشاعر الناس وقرأ أفكارهم ووجد في نفسه ما وجد لدى الناس من مشاعر وأفكار بعضها ساذج وبعضها طيب وبعضها شرير، فسمح لنفسه أن يعبر عن تلك المشاعر وأن يصور تلك الأفكار في كلمات وفي جمل وفي تشبيهات بعضها لاذع وبعضها حار وبعضها نار، فصار الرجل أو صارت السيدة ” تردح” حينا ولا تشرح، وتشرح حينا كأنها “تردح” في خليط عجيب من الأدب وقلة الأدب، التي قد لا يمسك عنها اللوم والعتاب إلا على استحياء. وربما كان الأصل في علاقة الردح بقلة الأدب هو قول الأقدمين: ردح البيت بالطين، أي كثف الطين على البيت. ولكن في الأدب جمال وعذوبة ورقي وسمو وهو إنجاز لمن تحلى به ولزمه في حله وفي ترحاله وبينه وبين الناس وبينه وبين نفسه، فلا يوجد أوسم من رأى تحلى بالأدب ولا أقيم من علم زانه أدب.
“قيراط حظ ولا فدان شطارة”، هذا قول بعض السابقين أما اليوم فقيراط شهرة قد يغني عن الشطارة كلها في الحقيقة ووفقًا للبعض. كما قد يغني قيراط الشهرة عن العلم وعن الموهبة وعن الدراسة، والأمثلة كثبرة وحاضرة وجاهزة وحديثة. ولذلك فالناس يتهافتون على الشهرة بكل الطرق، خاصة وأن وسائل النشر والتواصل صارت متاحة للجميع وعند أطراف أصابعهم مهما كان مركزهم أو صنعتهم أو تعليمهم أو انتماؤهم الديني والسياسي والرياضي وغيره. ومهما كان مستوى ذكاء البعض من الممتهنين بالنشر والإعلام ومقدار عقله وسلامة صحته النفسية، نجد كثيرًا مما ينشر أحيانًا يلامس عتبات الجنون والبعد عن الحكمة وعن التحكم في الأفكار والأقوال والسلوك والمتعارف عليه. والمبررات جاهزة معلبة من زمن بعيد: الجنون فنون، بلا تمييز ولا تصنيف. ولكن معركة تستعر فيها الشتائم وتتطاير فيها الإهانات أسهل من كل فن طبعًا وربما كانت أيضًا أشد جذبًا لاهتمام الناشر والقارء والناقد، على خلوها من كل جمال وكل إضافة أو إسهام حقيقي في بناء الحاضر أو استشراف المستقبل. لذلك يزدهر أهل الردح سريعًا، ولكنه ازدهار فقير المحتوى قصير العمر، والبقاء للشرح بما يضفيه من قيمة وكرامة على صاحبه أو صاحبته.