أنقرة (زمان التركية)_ نشرت صحيفة بلوليتيكو العالمية مقالا للمحلل السياسي التركي ألتيشن بويرازلار، يركز على تأثير الزلزال المدمر على التوجهات السياسية للناخب التركي، ويطرح أسئلة من قبيل: هل كانت استجابة الحكومة عقب الزلزال ملبية لتوقعات الشعب التركي؟ وهل المسؤول هذا الدمار هم مقاولين البناء والمحليات؟ وكيف يمكن أن تنعكس توابع الزلزال على تصويت الشارع التركي في الانتخابات الرئاسية؟
وقد جاء في المقال:
“لا شيء سيبقى على نفس الحال” هكذا علق رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو على تأثيرات كارثة الزلزال على الحياة السياسة في تركيا، وهو ما يلمح فيه إلى عواقب محتملة كبيرة على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي دام عقدين من الزمن، والذي يواجهه انتخابات مقبلة في 14 مايو.
والجدير بالذكر أن إمام أوغلو هو أحد السياسيين المعارضين الرئيسيين الذين يسعون لإخراج الرئيس الحالي من السلطة في غضون شهرين، واحتشدت المعارضة التركية خلف البيروقراطي السابق كمال كيليجدار أوغلو كمرشح للوحدة لهزيمة أردوغان في السباق على الرئاسة، تم تحديد إمام أوغلو كنائب للرئيس.
إمام أوغلو استقبلته الحشود بتصفيق حار، في الاول من مارس، وقال أمام الحشد في مركز مؤتمرات راقٍ يطل على مضيق البوسفور من قلب إسطنبول، “لسوء الحظ، كان 6 فبراير 2023 البداية” في إشارة إلى الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50.000 شخص في جنوب شرق تركيا.
لكن بداية ماذا بالضبط؟ لا توجد مناقشة حول التأهب للزلازل، هي مجرد مسألة علم الزلازل ومواد البناء، حيث تركز السياسة الوطنية الآن على عدد القتلى الكارثي، ولماذا لم يتم بذل المزيد من الجهد للحماية منه؟ ولماذا انهارت العديد من المباني الجديدة؟ وما هي العلاقة بين حزب أردوغان الحاكم والمقاولين الذين استفادوا من طفرة البناء التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة؟
وقد سعى أردوغان لخنق المعارضة حيث قام بتكثيف حملته طويلة الأمد على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أسفرت عن اعتقال أكثر من 100 شخص نشروا تعليقات مسيئة، وتم حظر Ekşi Sözlük وهو منتدى شعبي على وسائل التواصل.
لكن هذا لم يعد له تأثير فمازال الناس يتحدثون عن الزلزال، ومسؤولية الحكومة عن الأضرار، ويظل هذا هو الموضوع الرئيسي في الحافلات والمقاهي والحانات والشوارع وملاعب كرة القدم – حتى في ملعب فنربخشة، الفريق المفضل لأردوغان، ففي أواخر فبراير انقلب مشجعو فنربخشة على الرئيس الذي دعم النادي لسنوات، ليهتفوا “عشرون عاما من الكذب والغش، استقيل!” ، وبالطبع فهذا الهتاف لم يكن على هوى التحالف الحاكم، ما دعا الحكومة إلى اتخاذ قرار بمنع جماهير الفريق من حضور مباراة وطنية – وهي الآن تطرح فكرة عقد مباريات كرة القدم في ملاعب خالية من الجمهور.
أردوغان يعزز قاعدته
لكن وسط القمع والغضب، سيكون من الصعب إعادة ضبط الانقسامات السياسية العميقة في تركيا – الانقسامات التي استغلها أردوغان لعقود، ومع ذلك، يبدو أن أردوغان أصبح أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب الزلزال ولكن أيضًا بسبب التضخم المتزايد وزيادة مركزية السلطات حوله وحول عصاباته.
ويصرح سولي أوزيل المحلل السياسي المخضرم في جامعة قادر هاس في اسطنبول بقوله: “في ظل الظروف العادية، كان ينبغي أن تكون هذه الحكومة تحت الأنقاض سياسيًا بعد الزلزال، لكنها بدلاً من ذلك هي في حالة هجوم”. وأضاف قائلا “هناك قصف للدعاية. إنهم يرسلون الأئمة إلى المنطقة المتضررة من الزلزال، بالإضافة إلى الأموال، و تظهر الاستطلاعات الأخيرة أن الزلزال عزز قواعد الحزب بدلاً من تقليص الانقسامات السياسية”.
وفي الواقع، وكما يصرح أوزر سينكار مؤسس شركة Metropoll إحدى شركات استطلاعات الرأي الرائدة في تركيا، إنه على الرغم من خسارة حزب أردوغان للعدالة والتنمية (AKP) منذ الزلزال، إلا أنه حقق أقل بكثير مما كان متوقعًا، حيث يظهر بحث سينكار أن حزب العدالة والتنمية انخفض مؤيدوه بمقدار 4 نقاط في فبراير متراجعًا إلى قاعدته الموالية بنسبة 30 في المائة، بينما فقد حزب الشعب الجمهوري (CHP) – حزب المعارضة العلماني الرئيسي – الدعم أيضًا، حيث تراجع بمقدار نقطتين إلى 20 في المائة، بينما وفي الوقت نفسه، حافظ تحالف أردوغان على تقدمه بنحو 7 نقاط مئوية على المعارضة المشتركة.
ووفقًا لاستطلاعات شركة Metropoll يلقي 39٪ من مؤيدي حزب العدالة والتنمية باللوم على شركات المقاولات، ويلقي 20٪ باللوم على البلديات في الخسائر الفادحة في الأرواح، فيما 11٪ فقط يلومون الحكومة، وقال سينكار: “القاعدة الحكومية ترى الزلازل على أنه إرادة الله، أو تحمل مجموعات البناء والبلديات المحلية المسؤولية” وأضاف أيضا “هناك فرصة جيدة ألا تخسر الحكومة قدرًا كبيرًا من الأصوات.” وهذا أيضًا هو الانطباع الذي يعطيه الناخبون في منطقة الفاتح، وهو حي محافظ تقليديًا في إسطنبول، حيث يبدو أن الناس راضون عن استجابة الحكومة.
فهذا ما يردده الموالين للحكومة، فعلى سبيل المثال قالت شيماء كركاش وهي متطوعة في IHH وهي مؤسسة خيرية قريبة من الحكومة لعبت دورًا رائدًا في تقديم المساعدات إلى الجنوب الشرقي: “أعتقد أن تركيا ستتغلب على هذا، إن دولتنا قوية جدا. . .و منذ اليوم الأول، كانت الحكومة موجودة في المنطقة”.
كما قالت يسرا تورك، وهي طالبة تبلغ من العمر 20 عامًا كانت تستعد للصلاة في مسجد الفاتح، إن الزلزال ضرب 10 مدن في المنطقة مما جعل من الصعب جدًا على الحكومة إدارة الكارثة، وأضافت لا توجد حكومة في العالم يمكن أن تستجيب بطريقة مثالية، وأضافت صديقتها ميرف دورو أوكاكتان وهي طالبة في طب الأسنان معلقة على الأمر بقولها: “الأشياء المخيفة التي قرأتها على وسائل التواصل الاجتماعي كانت في الغالب أكاذيب ضد الحكومة” وصرحت كلا الطالبتين بأنهما سيصوتان لحزب العدالة والتنمية مرة أخرى، على الرغم من الزلزال.
حيث قالت أوكتان: “طالما أن حزب العدالة والتنمية موجود في السلطة، فلا يزال لدينا أمل” وأضافت “إذا وصلت المعارضة إلى السلطة، فقد نفقد حقوقنا في الحجاب والتعليم والمنح الدراسية.”
حيث يرى العديد من ناخبي حزب العدالة والتنمية أردوغان على أنه الرجل المحرر الذي جلب الطرق والمدارس والمستشفيات إلى مدن الصفيح والبؤر الاستيطانية الريفية التي كانت مهملة في السابق إلى حد كبير بسبب شغفه بالبناء، كما يرون أنه مهد الطريق أمام الأتراك للعب دور أكبر في الحياة الوطنية، وأنه حارب القيود التي فرضتها النخبة العلمانية القديمة في البلاد – وعلى الأخص على النساء اللواتي يرتدين الحجاب واللواتي سبق منعهن من العديد من وظائف القطاع العام.
والجدير بالذكر أن الحكومة حاليًا تدير حملة إعلامية واسعة النطاق، تغطي إسطنبول برسائل وحدة وحداد وطني على لوحات إعلانية وملصقات وشاشات.
لكن هذه الوحدة الوطنية تذهب بعيدا عن حدودها الصحية خاصة في منطقة إسنلر، معقل حزب العدالة والتنمية حيث تصدرت نسبة تأييد الحزب الحاكم فيها 60 في المائة في الانتخابات المحلية لعام 2019، حيث قام الداعمين للتحالف الحاكم بتشويه ملصقات تصور وجوه اثنين من شخصيات المعارضة الرئيسية – زعيم حزب الشعب الجمهوري كيليجدار أوغلو وحليفه زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنر، حيث تعرضت ملصقات المنافس الرئاسي للمعارضة كيليجدار أوغلو للخدش، بينما تم اقتلاع عيون القومية أكشنر، وبقيت صور أردوغان على حالها.
لكن هنا أيضًا، يتراجع دعم أردوغان على الرغم من أنه أقل مما كان متوقعًا، ولا تزال المعارضة متأخرة كثيرًا.
لكن من جهة أخرى سنجد باريش بالجي وهو طالب تقني الأشعة السينية البالغ من العمر 21 عامًا والذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي صرح بقوله، إنه تطوع للذهاب إلى كهرمان مرعش، مركز الزلزال مع الهلال الأحمر لكنه أضاف أن الواقع بعيد عما تصوره وسائل الإعلام الموالية للحكومة، حيث لم ترسل الحكومة مساعدات إلى بعض الأماكن، ولم تكن هناك خيام ولا مدافئ ولا ماء، وتسائل لماذا لم يرسلوا الجيش للمنطقة في المقام الأول؟ .
قال بالجي إن عائلته لا تزال تدعم حزب العدالة والتنمية، ومع ذلك فهو لن يصوت لأردوغان، في الواقع لن يصوت على الإطلاق، ووافقه على ذلك صديقه بدرهان البالغ من العمر 21 عامًا والذي تدعم عائلته الرئيس أيضًا، وقال “أردوغان وكليجدار أوغلو متماثلان” في إشارة إلى زعيم المعارضة وأضاف قائلا “كل شيء لا يتعدى حدود الكلام، وفي النهاية لا يوجد فعل على أرض الواقع، نحن بحاجة إلى شخص يمكنه حل المشكلة الرئيسية للبلد، وبناء نظام قائم على الجدارة بدلاً من حماية أفراد حزبهم فقط” .
بينما علق المحلل الاستراتيجي نجاتي أوزكان، والذي يشغل منصب مستشار رئيس بلدية اسطنبول بقوله إن أزمة اقتصادية أو هذا الزلزال المدمر قد لا يكونان كافيين لإحداث تغيير سياسي جوهري، وأضاف بأن الأنظمة الاستبدادية وعلى الرغم من الأزمات والكوارث الكبيرة التي تحدث، فإن التغيير لا يتم بين عشية وضحاها.
وأضاف أوزكان قائلا: “إن المعارضة بحاجة إلى رواية جديدة حول كيف يمكن أن تكون حياة تركيا وشعبها أفضل”وعلق قائلا نعم “لقد أظهر لنا الزلزال أن الأرض جاهزة للتغيير، لكن هذه العملية لن تكون تلقائية“.