بقلم: ماهر المهدي
(زمان التركية)ــ الطبيعة وتصرفاتها هي الامتحان الجاد والمفاجىء لكل الناس في كل العصور وفي كل بقاع الدنيا، سواء على مستوى الفرد الذي هو نواة المجتمع أو على مستوى العائلة والمؤسسة والشركة والمصلحة وغيرها.
فالطبيعة لا تكذب ولا تقبل الرشوة ولا تحابى أحدًا على حساب أحد، وبذا تتحقق فيها المفاجأة كاملة غير منقوصة -مهما حصل- ولا يحيط بتصرف الطبيعة أو بشىء منه إلا ذو علم اجتهد فوفقه الله سبحانه تعالى. ولا يلتفت إلى يد الطبيعة ولا يحسب حسابها إلا ظالم لنفسه يحب أن يفعل ما يحلو له كيفما شاء ووقتما شاء دون أن يسمع إلى قلبه ولا إلى عقله كأنه حجر. وربما يفسر هذا كيف يمكن لمجموعات سكنية لم تزل جديدة أن تنهار على رؤوس ساكنيها بالكامل لتدفنهم أحياء هم وأسرهم وأشياءهم وأحلامهم في خلال دقائق تتعرض فيها تلك المجموعات السكنية الى هزات أرضية. فقد مضى زمن البناء دون مراعاة للاحتياطات الواجبة لمواجهة الهزات الأرضية القوية قبل الضعيفة. وتم تطوير نظم أمان هندسية أو أكواد هندسية لهذا الغرض لتصبح المباني عالية الارتفاع آمنة الى أقصى حد ممكن، وخاصة في الدول المتقدمة. فكل شيء مكلف، ومن لا يحتكم على مال عليه أن يقبل بما هو متاح. وهذه النظم الهندسية عنصر أمان إضافي هام لسلامة المباني، ولكنه تكلفة إضافية على المطور وعلى الساكن أو صاحب الوحدة العقارية طبعًا. وهذه النظم أو الأكواد الهندسية إجبارية الاتباع وليست محل اختيار، وتعد مخالفتها مخالفة قانونية جسيمة لكونها جزء من طبيعة العمل المتعلق بسلامة الشاغلين للعقار سواء كان سكينًا أو إداريًّا أو تجاريًّا أو طبيًّا أو غيره . فإذا أهملت هذه النظم الهندسية ولم تراع في بناء الأبراج والمباني الضخمة، صارت تلك المباني عارية تقريبًا من الحماية اللازمة ضد الهزات الأرضية وسويت بالأرض -تحت وطأة ما بها من أحمال عظيمة- متى تعرضت لهزة أرضية كافية بصرف النظر عن قوة تلك الهزة. فالثراء السهل السريع مغر والثراء الفاحش السهل السريع أكثر أكثر إغراء للطماعين الجشعين والمستهترين والمرتشين وأعوانهم، بحيث يتبدل البعض فيصبحون لا يفقهون شيئًا ولا يعقلون ويتناسون ويتجاهلون ما يعلمون، ليسولوا لأنفسهم الحصول على أموال بذلها أصحابها سعيًا إلى الأمان وإلى تأمين استثماراتهم فى عقار ما وهم لا يبصرون بما يحلق بهم.
وعندما تقبض السلطات على صاحب مجمع سكني ضخم انهار تمامًا على رؤوس سكانه الذين وصل عددهم الى ألف شخص أو أكثر في دقائق، فإن ذلك لا يكفي. رجل واحد لا يكفى أبدًا، فقد ساعده كثيرون وتغاضى عن إجرامه كثيرون.