ماهر المهدي
(زمان التركية)_كل شيء في هذه الدنيا بحساب وبالميزان وبالعدد، من الأشياء البسيطة إلى الأشياء العظيمة. وأهم الأشياء في حياة الإنسان على الإطلاق -وهو حياته- يحكمها المقدار والعدد، ولا مجال فيها للإنفاق غير الواعي. وحيثما جاء الإنسان أو ذهب فإنه يخضع إلى القياس وإلى المقدار وإلى العدد، فإذا نجح الإنسان في التعرف إلى قدراته ورغباته وأحلامه وظروف الحياة حوله وتوصل إلى صياغة أسلوب مناسب يسلكه فى الحياة -وفقًا لقوانين الحياة- كان أقرب إلى النجاة وإلى الفلاح، وإلا تعثر واضطربت حساباته وخطواته وتغير مساره ومصيره إلى غير ما كان يرجى له أو لها.
فإذا لم ينجح الإنسان في حساباته وتقديراته ربما كان ذلك مفهومًا، فالناس ألوان وصور في تباين ما حظوا به من الخصال الطيبة ومن الإمكانات وفيما يتبنون من فكر وما يرونه من سلوك. أما أن يعمد الناس إلى ترك الحذر وإطلاق العنان لأهوائهم ورغباتهم وللظروف والأيام لتحكم مساراتهم في الحياة كأنما يسارعون إلى الموت وإلى الهلاك وهم مبصرون، فهذا هو الأمر العجيب.
صحيح أن الحياة كلها الى انقضاء -مهما كان وضع الإنسان ومهما كانت ثروته وأسرته وسائر حظه من السلطة ومن الملك- ولكن النجاح فى الحياة أمر هام ويعنى شيئًا فى الدنيا وفي الآخرة أيضًا ولا شك. وسمعة الإنسان في الحياة تعني شيئًا. وتاريخ الإنسان فى الحياة يعنى شيئًا. وكيف يعيش الإنسان وكيف يموت وكيف يدفن وأين يدفن بعد موته… هي أمور كلها هامة وتعنى شيئًا، ناهيك عن الإيمان والحساب والعقاب في الآخرة. ولكن الإنفاق المجنون على سبل المتعة والنزهة يثير الاستغراب طبعا، وقد لا يقف عند حدود الاستغراب لأن نتائجه كارثية على صاحبه.
فلماذا يصر البعض على الإنفاق بلا حدود وبلا حساب على سبيل التنزه ومن أجل الترويح عن نفسه وفيما لا هو استثمار ولا هو تجارة ولا هو ادخار كأنما يقامر بكل شيء؟
الادخار هو سبيل الإنسان -منذ قديم الأزل- للاستعداد للغد وما قد يأتي به من ظروف، وللتحسب للطوارىء ، ولتدريب النفس على الانضباط الاستهلاكي، والتعامل مع تغير الطقس وضعف المحاصيل وكبر السن وغيرها من متغيرات الحياة الصعبة والحلوة أيضًا. والادخار الذكي هو ما تعول عليه كثير من الأمم والشعوب فى مواجهة الأزمات والكوارث وفي تقدمها في حياتها في حاضرها وفي مستقبلها .