عمَّان (زمان التركية) – حضر الأمين العام لجامعة الدول العربية الاحتفال الأردني بمرور 60 عام على تأسيس الجامعة الأردنية، وشارك بكلمة هذا نصها:
سعادة الدكتور نذير العبيدات
رئيس الجامعة الأردنية
أصحاب السعادة
السيدات والسادة
الحضور الكريم
إننا نجتمع اليوم في رحاب هذا الصرح العلمي الشامخ لنشهد الاحتفال بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس الجامعة الأردنية؛ “الجامعة الأم” في المملكة.. وأول جامعة تُنشأ في الأردن تحقيقاً لرؤية قيادتها بأن الاستثمار في الانسان هو أعظم استثمار… وأن بناء المعرفة هو ما يبقى ويدوم… ويسعدني أن أتوجه بالتهنئة للأردن وشعبه، ولكافة أبناء الجامعة وطاقم أساتذتها وقيادتها، في هذه المناسبة التي تعكس استمرارية المؤسسات العلمية وتطورها في مسيرة واثقة نحو المستقبل.
السيدات والسادة
الحضور الكريم
لقد سعت الجامعة الأردنية منذ تأسيسها في 19 ديسمبر 1962 إلى الوصول إلى أعلى مراتب التميز العلمي والأكاديمي.. مواكِبةً في ذلك لغة العصر، ولغة المعلومات، ولغة المعرفة… فأحكمت عملها الأكاديمي والفني والمعلوماتي احكاماً جيداً من خلال اعتماد ما يقرب من 250 برنامج أكاديمي تقدمها 25 كلية في مختلف التخصصات الإنسانية والتطبيقية… لهذا لم يكن غريباً أن تحصل الجامعة على الكثير من الاعتمادات الدولية لمختلف برامجها… فاستحقت عن جدارة أن تصبح من أفضل 10 جامعات على المستوى العربي… وصارت مثالاً يُحتذى به ونموذجاً رائعاً لما يمكن أن يحققه العمل المؤسسي المتواصل، والتطلع إلى الاجادة والامتياز في تقديم خدمة تعليمية بمعايير دولية.
واسمحوا لي في هذا الصدد أن اقتبس كلماتٍ قليلة لجلالة الملك عبد الله الثاني خلال الاحتفال بالعيد الخمسين للجامعة الأردنية حيث يقول “إن الشباب هم المحرك والدافع الرئيس للعملية التنموية، وإن الشباب هم وسيلة التنمية وغايتها، وضرورة الاستمرار في الاستثمار في الشباب من خلال التعليم والتدريب وتزويدهم بالمهارات والخبرات”.
إن هذا النهج يعكس أيضاً اقتناعاً أصيلاً لدى جامعة الدول العربية بأن الاستثمار في الشباب العربي، وخاصة من حيث التكوين المعرفي والتسليح بالمهارات والقدرة على التعلم الدائم، يمثل ركيزة المستقبل التنموي العربي.. باعتبار أن التركيب الديموغرافي للعالم العربي، بمجتمعاته الشابة، يُمثل جانباً مهماً من قوته الاقتصادية والتنموية، ورافعة أساسية لنهضته العلمية والتكنولوجية.. إذ لا سبيل أمامنا للنهوض الحضاري من دون تعزيز الابتكار، والارتقاء بالإسهام العربي فيما يُعرف بـ “سلاسل القيمة”.
السيدات والسادة
الحضور الكريم
لا يتحقق الانطلاق الواثق إلى المستقبل إلا عبر علاقة صحية وسليمة مع الماضي.. من لا يدرس ماضيه وتاريخه يبقى غير قادر على ولوج بوابة الغد.. والخطوة الأولى نحو فهم التاريخ واستخلاص دروسه هي حفظه آثاره من الضياع، وصيانة وثائقه من النسيان.. وقد أولت الجامعة العربية اهتماماً كبيراً لمجال التوثيق منذ أكثر من ثلاثة عقود، فجاء تأسيس أول مركز للتوثيق والمعلومات في المنطقة العربية عام 1980 بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية … وكان ذلك انعكاساً لأهمية مواكبة الركب التكنولوجي ونقل المعرفة واتاحة المعلومات للمواطن العربي… وتوالت المشاريع والبرامج من وقتها في مجال التوثيق تحت لواء جامعة الدول العربية.
إن ذاكرة الجامعة تُمثل رافداً هاماً من روافد الهوية القومية العربية؛ تلك الهوية التي تواجه الآن محاولات متعمدة من الطمس والتزوير والتشويه… ومن هنا نشأت الحاجة للحفاظ على الذاكرة التاريخية للمسيرة الجماعية العربية والعمل الجاد والمواصل على حمايتها من خلال التوثيق المرقمن لهذه الذاكرة، وتسخير كل الإمكانيات لتحقيق ذلك.
ولقد شهدت الآونة الأخيرة اهتماماً متزايداً عالمياً وإقليمياً بالحفاظ على المواد التراثية.. فصار من الواجب على جامعة الدول العربية أن تلحق بذلك الركب… وقد أُطلق في عام 2014 مشروع “توثيق ذاكرة جامعة الدول العربية” على أساس حفظ مسيرة العمل العربي المشترك منذ ميلاد فكرة التأسيس في عام 1943 وحتى الآن… وذلك من خلال توظيف تقنيات المعلومات ودمجها بفن التوثيق المرقمن عالي الجودة لإبراز إسهامات جامعة الدول العربية في منظومة العمل العربي المشترك على مدار أكثر من 75 عاماً.
لقد لعبت المملكة الأرنية دوراً مهماً وفاعلاً في إطار منظومة العمل العربي المشترك منذ لحظة تأسيس الجامعة… وجاء اسهامها، كما نعلم جميعاً، امتداداً لدورها البارز في الحركة القومية العربية منذ الثورة العربية الكبرى، مروراً بمشاورات الوحدة العربية التي أسهمت في النهاية في تأسيس بيت العرب الذي يضمنا تحت سقفه حتى اليوم.
وإسهاماً من جامعة الدول العربية في تسجيل مسيرة المملكة الأردنية الهاشمية عبر دروب العمل العربي المشترك، جاءت المجموعة الوثائقية بعنوان “الأردن وجامعة الدول العربية”.. وهي المجموعة التي نحن بصدد اطلاقها اليوم في رحاب هذا الصرح العلمي الجليل بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيسه، لتحملنا في رحلةٍ توثيقية تروي المسيرة الأردنية عبر محطاتٍ منتقاة من الوثائق الرسمية، والصور الفوتوغرافية، والمواد البريدية، والتي تعكس الطبيعة الخاصة لعلاقة الأردن بجامعة الدول العربية.
وتنقسم هذه المجموعة التوثيقية الأردنية إلى ثلاثة أجزاء: “نماذج وثائقية مختارة”، و”ألبوم صور فوتوغرافي”، و”مواد بريدية متنوعة” من مجموعات ومقتنيات مكتبة الجامعة العربية ومتحف البريد العربي الكائن بمقر الأمانة العامة… والتي تضيف في مجموعها لَبِنة أساسية إلى مشروع توثيق ذاكرة جامعة الدول العربية الذي تسعى الأمانة العامة إلى تنفيذه حفاظاً على كيان الذاكرة الوطنية والهوية العربية.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بعميق الشكر والتقدير الى الجامعة الأردنية لقيامها بإعادة طباعة هذه المجموعة الوثائقية بهدف توسيع رقعة النشر المعرفي وإتاحة الوصول للمعلومات على نطاق أوسع للتعريف بمسيرة العمل العربي الجماعي.
كما أغتنم هذه المناسبة كى أدعو الجامعة الأردنية ومكتبتها وأرشيفها التاريخي -في ضوء مذكرة التفاهم الموقعة بين الأمانة العامة والجامعة الأردنية في شهر أكتوبر الماضي – للإسهام في إثراء محتوى هذه الذاكرة العربية الجماعية من خلال مشاطرة أرشيفها الصحفي التاريخي النادر، الذي يتعلق بالأردن ومسيرة العمل العربي المشترك ضمن مشروع توثيق ذاكرة جامعة الدول العربية… وذلك لتمكين المجتمع والمواطن والباحث العربي من الوصول الحر لمنابر المعرفة الإنسانية.. وتعزيزاً لأواصر التعاون في الحفاظ على الذاكرة العربية في شتى صورها.
وختاماً، فإنني أكرر التهنئة للأردن، قيادةً وحكومةً وشعباً، ولأسرة الجامعة الأردنية العريقة وقيادتها، متمنياً لمسيرتكم الأكاديمية كل التوفيق والنجاح لأعوامٍ طويلة قادمة بإذن الله.
شكراً لكم.