معالي الدكتور مصطفى مدبولي
رئيس مجلس وزراء جمهورية مصر العربية
معالي السيد عاصم عبد الحميد الجزار
وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
إنه لمن دواعي السرور أن نلتقي اليوم في هذا المؤتمر الهام لنتحدث عن مستقبل المدن الذكية والمستدامة.. هنا في هذه المدينة الجديدة.. التي كانت منذ أقل من 6 سنوات أرضاً جرداء على تخوم القاهرة.. وها هي اليوم بفضل التخطيط الطموح وسواعد المصريين وكدّهم تخرج للواقع في وقت قياسي.. إن هذه المدينة وغيرها من المدن الجديدة التي أطلقتها الحكومة المصرية – وهي كثيرة – ستشكل واجهة مصر الحديثة ومستقبلها.. ولهذا المكان رمزية قوية.. لما يحمله من أمل يعلقه الكثير من أبناء هذا الوطن على مشروع سيوفر سكناً كريماً لأجيال اليوم والغد ويكون مركزاً مفعماً بالنشاط والابتكار بإذن الله.
واسمحوا لي باسمكم جميعاً أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بجمهورية مصر العربية التي بذلت جهوداً مقدرة لجمعنا في هذا المؤتمر الذي يقام تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية.
إن هذا المؤتمر الذي أسسه مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب تحت مظلة جامعة الدول العربية يوفر فضاء علمياً وأكاديمياً مهماً.. وإطاراً جاداً لمعالجة الإشكاليات والتحديات التي يواجهها هذا القطاع الحيوي في الوطن العربي.. كما يتيح منصة لجمع الهيئات المتخصصة والمعاهد والخبراء وتبادل خبراتهم وطرح أفكارهم لتطوير التجمعات العمرانية بما يتناسب ومتطلبات الوضع الراهن وتغيراته المتسارعة وما قد ينجم عنها من تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية.
السيدات والسادة،
تابع العالم باهتمام شديد أعمال الدورة (27) لقمة المناخ التي استضافتها مدينة شرم الشيخ منذ أسابيع قليلة، ولقد سعت الرئاسة المصرية للقمة أن تكون هذه الدورة محطة فارقة في تاريخ الجهد الدولي لمجابهة تغير المناخ.. إذ حرصت على طرح موضوعات مهمة مثل التمويل، ونقل التكنولوجيا، والمياه، والخسائر والأضرار.. وحاولت حشد توافق دولي للخروج بالتزامات تنفيذية بشأنها.
ولم يكن ملف المدن غائباً عن اهتماماتها، حيث نظّمت عدداً من الفعاليات المتعلقة بقطاع الإسكان والتعمير، أهمها الاجتماع الدولي الموسع لوزراء الإسكان والتعمير المنعقد في يوم “الحلول” بتاريخ 17/11/2022.. وقد كان من بين نتائج هذه القمة إطلاق عدد من المبادرات والخطط في هذا الشأن، أذكر منها “مبادرة المدن المستدامة للأجيال القادمة”، و”أجندة شرم الشيخ للتكيف” التي تستهدف تحقيق 30 مخرجاً للتكيف مع آثار التغير المناخي وفق 5 محاور رئيسية، منها المستوطنات البشرية والبنية التحتية.
وكما تعلمون، تستقطب المدن اليوم نحو نصف سكان المعمورة، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار ظاهرتي النزوح والنمو السكاني.. إذ تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050 فإن 70% من البشر سيسكنون في تجمعات حضرية.. وبالرغم من صغر مساحة المدن والتي لا تتجاوز 2%.. إلا أنها تستهلك ثلاثة أرباع الطاقة المنتجة عالمياً، وتطرح في الجو 70% من إجمالي الغازات الدفيئة.. مما يجعلها عاملا بارزاً من عوامل التغير المناخي.. ولكنها في الوقت ذاته أكثر المتضررين من الكوارث والأوبئة الناجمة عنه.
وفي الوطن العربي، ترتفع نسبة التمدّن بسبب طبيعته الجغرافية واتساع رقعة التصحر فيه.. والتي تدفع بمزيد من الأفراد إلى الانتقال إلى المدن بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل.. والحقيقة أن بعض المدن العربية تواجه أوضاعاً ضاغطة أكثر من غيرها بسبب تراكم مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية.. وأيضاً ديموغرافية.. وأشير هنا إلى رقم أراه معبراً بما يكفي عما ينتظرنا من تحديات.. إذ تضاعف عدد سكان الدول العربية خلال الربع قرن الأخير.. وسيتضاعف مرة أخرى خلال الربع القادم وفقاً للتقديرات المتوقعة.. وهنا علينا أن نطرح سؤالاً ملحاً لا يحتمل التأجيل: أين سيسكن هؤلاء (400 مليون) من أبنائنا الذين سيولدون بحلول عام 2050؟.. وهل يمكن الاستمرار في بناء مدن وفق الطرق التقليدية في التخطيط والتنفيذ؟.. وكيف يمكن التعامل مع تبعات تغير المناخ من كوارث طبيعية وارتفاع درجات الحرارة وزيادة منسوب المياه الذي يهدد بإغراق مناطق عمرانية واسعة؟.. والجواب الأكيد أن القواعد القديمة في التعامل مع مشكلات هذا القطاع لا تتلاءم مع التحديات والمخاطر المستجدة.
وبالنظر إلى الطبيعة الملحة لهذه المشكلات، وفي ضوء الظروف الضاغطة التي أشرت إلى بعضها.. فإننا مطالبون بسرعة التحرك بكل حكمة ومسؤولية لتحويل التهديدات إلى فرص.. وبيدنا أن نضع هندسة جديدة تحول المدن من سبب رئيسي للانبعاثات إلى مجال ينتج حلولاً ومخارج تنقذ الأرواح من الأخطار المتصاعدة.
إن التخطيط العمراني المنشود يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات ويضع قواعد مرنة تتأقلم معها وفق مناهج جديدة تقلل من الانبعاثات الضارة، وتوفر الطاقة النظيفة وتحسن إدارة الموارد الطبيعية المتاحة.. كما تعمل على تدوير النفايات ومكافحة التلوث من خلال التشجير واستخدام التكنولوجيا الذكية في التنقل والرصد والإنذار المبكر.
أصحاب المعالي.. السادة المسؤولون في جميع قطاعات التعمير.. أنتم الفاعلون الرئيسيون في مسيرة التكيف مع معضلة التغير المناخي.. وإننا ندرك جميعاً حجم المسؤوليات الواقعة على عاتقكم.. فهي مزدوجة.. إذ من جهة تتعاملون مع تركة الماضي بقدر ما أتيح لكم من وسائل لتطوير المدن القائمة مع الحفاظ على أصالتها وتراثها.. ومن جهة أخرى تخططون لمدن المستقبل وتنفذونها.. وإنني لعلى قناعة بأنكم أهل لهذه الثقة وقادرون على تجاوز تلك التحديات لبناء غد أفضل لأمتنا العربية في ظل ما نراه من إنجازات حققها قطاع السكن في الدول العربية.. أصبح بفضلها قطاعاً حيوياً ومحركاً أساسياً للتنمية.. وأتمنى لكم كل التوفيق والسداد.
شكـــــــــراً لكــــــــم،
Speech-4(5)