جوست لاجنديجيك
لم تكن مفاجأة أن يفوز حزب سيريزا اليساري المتطرف في الانتخابات العامة الأخيرة في اليونان، لكن اللافت للانتباه هو حصوله على هذه النسبة العالية من الأصوات.
لقد استطاع ائتلاف الأحزاب اليسارية المتطرفة بزعامة أليكسيس تسيبراس، رئيس حزب سيريزا، حصد ما نسبته 36% من الأصوات، ليحجز ما يقرب من نصف عدد مقاعد البرلمان. وكان واضحًا منذ فترة أن أغلبية الشعب اليوناني ملّوا من الحزبين اللذين يسيطران على الأجواء السياسية في البلاد منذ عشرات السنين، وهما الحزب الديمقراطي الجديد (يمين وسط) وحزب باسوك (يسار وسط). ولقد استطاع الحزب الديمقراطي الجديد أن ينجو بنفسه من غضب الناخبين؛ إذ لم تكن هناك خيارات جذّابة بالنسبة للناخبين المحافظين في الجناح اليميني. غير أن حزب سيريزا اليساري قلّد الاستراتيجية التي فاز بها حزب باسوك بالانتخابات في ثمانينيات القرن الماضي، وقضى على الورثة السياسيين لرئيس الوزراء الأسبق أندرياس باباندريو ونجله جورج باباندريو. ولقد قدّم الحزب نفسه على أنه “صوت الأشخاص الأكثر تضررًا جراء الأزمة الاقتصادية” وأنه عازم على مواجهة الاتحاد الأوروبي ومراكز القوى المالية بصفتها المسؤول الأول عن الأزمات الحالية حسبما يرى معظم اليونانيين.
لم تتأخر بداية التكهنات حول معنى فوز حزب سيريزا اليساري بالانتخابات في اليونان بالنسبة لبقية دول أوروبا. ويعتبر الحزب هو أول حزب معارض لسياسات التقشف يصل إلى السلطة في دول منطقة اليورو. والحزب يعِد بالتخلص من إجراءات خفض الميزانية والإصلاحات البنيوية التي قوبلت باستهجان بالغ بعدما اضطرت الحكومة السابقة لتطبيقها من أجل توفير الأموال اللازمة لتسديد ديون الدولة.
يقول تسيبراس إنه سيزور بروكسل من أجل التفاوض مع المسؤولين الأوروبيين بشأن توقيع اتفاقية أفضل تقلّل حمل ديون اليونان. وأمله هو إمكانية صياغة هذا التعديل سياسة أكثر عدلًا وأقل إيلامًا في سبيل الخروج من الأزمة. حسنًا، ماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي؟
بدأ فريق من المتشائمين يتحدث عن احتمالية خروج اليونان من منطقة اليورو، وحتى من الاتحاد الأوروبي، كرد فعل على عدم تقديم بروكسل تنازلات بشأن ديونها. ويرى هذا الفريق أن خروج اليونان من “النادي الأوروبي” سيكون شرارة أزمة مالية جديدة، ذلك أنه سيبدأ استهداف الدول الضعيفة من أعضاء منطقة اليورو. وبالتزامن مع ذلك سنشهد عاصفة سياسية تغزو الاتحاد الأوروبي، وسبب ذلك هو نمو رد فعل شعبي في سائر دول الاتحاد الأخرى. وسيرفع العديد من الأوروبيين أصواتهم لمواجهة سياسات التقشف التي يعتقدون أنها تخدم المصارف وبقية المؤسسات المالية الأخرى التي تعتبر السبب الرئيس والوحيد للمشاكل.
إن احتمالية تحقق كابوس كهذا ضئيلة للغاية. واليوم فإن سائر أعضاء منطقة اليورو يعتَبرون أكثر استعدادًا عما كانوا عليه قبل ثلاث سنوات مضت لمواجهة خطر إغراق المشاكل المالية التي تعانيها اليونان للاتحاد الأوروبي بالكامل. هذا فضلًا عن أن الاتحاد الأوروبي ليس له مصلحة من وراء إشعال فتيل أزمة جديدة مجهولة التوابع. وتعرف حكومة حزب سيريزا هذا جيدًا، ذلك أن استطلاعات الرأي أثبتت أن 75% من اليونانيين يرغبون في بقاء بلادهم ضمن منطقة اليورو “مهما كلف الأمر”. وسيضطر تسيبراس للجلوس على طاولة المفاوضات مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي وسائر الدائنين الآخرين للبقاء ضمن منطقة اليورو؛ إذ يتحتم عليه القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، ذلك أنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر، فإن الخروقات المالية الكبيرة التي ستتشكَّل ستجعل من إدارة اليونان أمرًا في غاية الصعوبة.
ويتوقع العديد من المراقبين أن يكون السيناريو، انطلاقًا من العديد من الأسباب، على النحو التالي: القيام ببعض المساومات الشديدة على أعلى المستويات، لكن في نهاية المطاف سيجري التوصل إلى اتفاقية يمكن أن يدافع عنها تسيبراس على أنها تعتبر بمثابة “قطيعة” عن الماضي، وتطمئن الأنصار المتشككين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبقية الزعماء الأوروبيين بأن اليونان ستواصل الوفاء بتعهداتها ومسؤولياتها تجاه الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن يكون هذا التنازل عبارة عن تخفيض في ديون اليونان ومد أجل سدادها بشكل مرهون بسرعة نمو الاقتصاد اليوناني.
سيكون من المثير للدهشة أن نشاهد كيف سيقدّمون إجابة على هذا السؤال: هل يا ترى سيستطيع تسيبراس أن يشعل فتيل نقاش حقيقي على مستوى أوروبا حول إعادة صياغة بعض المبادئ الأساسية للسياسات المالية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي؟
يأمل العديد من المحللين النقديين أن يخلق انتصار حزب سيريزا دفعة جديدة فيما يتعلق بإعادة النظر في بعض تدابير التقشف التي يراها البعض تشكّل ضررًا على الاقتصاد أكثر من الفائدة.
ليست صدفة أن ترحّب دول كفرنسا وإيطاليا بـ”الزلزال” السياسي الذي حدث في اليونان. ولاشك في أن باريس وروما تعتبران تسيبراس حليفًا جديدًا سيساندهما في التخلص من “الوصفات الثقيلة” المنصوص عليها في برلين.
ومَن كان يتصور أن يكون ائتلاف يساري فريد في اليونان هو أمل أوروبا في سبيل إعادة موازنة السياسات الاقتصادية إحادية الطرف والحيلولة دون تفاقم الثورات الشعبية؟