برلين (زمان التركية)- يعتقد محللون أتراك أن المصافحة الحماسية بين السيسي وأردوغان قد تسهل التقارب الناشئ لكنها لن تكون عصًا سحرية، خاصة في ليبيا، وبغض النظر عن المشاحانات الكلامية واتهامات الماضي، تبادل الرئيسان التركي والمصري مصافحة حماسية على هامش حفل افتتاح مونديال 2022 في قطر، وتلاذلك تكهنات ببدء “حقبة جديدة” في العلاقات بين البلدين، بعد أن ساد تلك العلاقات التوتر المستمر على مدار العقد الماضي.
ومن جهته فقد صرح المتحدث باسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسام راضي، في وقت متأخر من يوم الاثنين الماضي، إن المصافحة بين الرئيسين “ستكون بداية لتنمية العلاقات الثنائية”، كما صدر عن الرئيس التركي أردوغان تصريحات تحمل نفس النبرة خلال رحلة عودته من قطر، قائلًا: “هناك المزيد من الإجراءات التي ستتم من أجل إعادة بناء العلاقات بين القاهرة وأنقرة” مؤكدًا في الوقت ذاته على أن” العلاقات التاريخية بين الشعبين التركي والمصري مهمة جدًّا بالنسبة لنا، وما الذي يمنعها من أن تكون كذلك مرة أخرى؟ “وصرح للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية بقوله “قدمنا دليلًا على حسن نيتنا”.
لكن بالنسبة للعديد من الخبراء، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت الصورة المرحة هي نذير لتقارب سريع بين البلدين الثقيلَيْن في الشرق الأوسط، فعلى الرغم من جهود التطبيع الأخيرة لا تزال العلاقات بين أنقرة والقاهرة تحمل توترات شديدة، ولقد بدأت سلسة التوترات تلك في عام 2013، حينما هاجم أردوغان الذي كان يدعم جماعة الإخوان المسلمين، السيسي مرارًا معتبرًا إياه انقلابيًّا وطاغية، مما دفع مصر للإعلان عن تقليص علاقاتها الدبلوماسية مع تركيا إلى مستوى القائم بالأعمال.
ومن جهته صرح السفير التركي السابق في القاهرة، سفاك جوكتورك، لـ”المونيتور”بقوله “إن صورة الرئيسين وهما يتصافحان ذات قيمة إخبارية كبيرة، لكنها منخفضة في القيمة الفعلية”
وأشار جوكتورك إلى أنه على الرغم من جهود أنقرة، فإن التقارب مع مصر كان أبطأ من أي عملية تطبيع إقليمي أخرى، مثل الإمارات والسعودية وإسرائيل.
ويرى المحللون والخبراء في العلاقات الدولية، أن العقبة الرئيسية أمام إعادة العلاقات بين البلدين هي المصالح المتنافسة في ليبيا حيث تتحالف أنقرة مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًّا لها بينما تدعم القاهرة البرلمان في طبرق، وكانت كلا البلدين وصلتا إلى شفا الحرب في صيف عام 2020 مع التدخل العسكري التركي في الحرب الأهلية الليبية وتهديد القاهرة بالتدخل العسكري، في حالة حدوث مزيد من التقدم من قبل وحدات الحكومة المعترف بها دوليًّا والمدعومة من أنقرة.
إلا أنه في الوقت نفسه يبدو أن كلا الجانبين مهتم بالتوصل إلى تسوية، لكن من غير الواضح حتى الآن الصورة النهائية لهذه التسوية، وفي الوقت نفسه من الصعب تخيل أي صفقة كبرى، فمن الجهة المصرية سيكون من الصعب قبول وجود عسكري تركي طويل الأمد في ليبيا، وعلى العكس من ذلك فإن الانسحاب الكامل للقوات التركية سيكون خيارًا غير مرجح للرئيس أردوغان” وهذا ما كتبته هوركان أصلي أكسوي، نائبة رئيس مركز دراسات تركيا التطبيقية في المعهد الالماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين في ورقتها التي عنونتها بـ” ذوبان الجليد في العلاقات بين مصر وتركيا”.
وبالفعل فقد كانت المصافحة بين السيسي وأردوغان غير متوقعة لعدة أسباب، فقبل ثلاثة أسابيع من اجتماع الرئيسين، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري أن المحادثات مع تركيا حيث اجتمع كبار الدبلوماسيين لتحسين العلاقات، قد توقفت بسبب السياسات التركية في ليبيا. وعُقدت ما يسمى بالمحادثات الاستكشافية بين الجانبين والتي أجراها نواب وزراء خارجية البلاد، مرتين – في القاهرة في مايو 2021 وأنقرة في سبتمبر 2021، جاء إعلان وزير الخارجية المصري شكري عن وقف المحادثات بعد عدة أسابيع من توقيع تركيا مع الحكومة الليبية في طرابلس صفقة متعلقة بالمحروقات. وسبب آخر هو أن أردوغان في طريق عودته من بالي بعد أن جضر اجتماع مجموعة العشرين صرح بقوله”إنه قد يلتقي ويفتح صفحة جديدة في العلاقات مع السيسي وكذلك الرئيس السوري بشار الأسد، وسيكون ذلك بعد الانتخابات أي في النصف الثاني من عام 2023 “.
ومن جانبه فقد صرح سنان أولجن رئيس مركز دراسات السياسة الاقتصادية والخارجية ومقره إسطنبول معلقًا على الحدث بقوله “نظمت قطر اللقاء كدليل على رغبة الدولة في استخدام كأس العالم كمنصة للقاءات الدبلوماسية. كما صرح دبلوماسي سابق معلقًا على الصورة بقوله “إن وجود أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يشيد بالرجلين وهما يتصافحان في الصورة له دلالة هامة حول نية قطر في استخدام مناسبة كأس العالم باعتبارها منصة للقاءات الدبلوماسية.
لكن في الوقت نفسه لا يمكن القول بأن قطر هي من تقف وراء هذا اللقاء، فقد كان الجانبان يعملان على هذا الأمر منذ بعض الوقت، في محاولة لتحديد وقت ومكان لقاء الرجلين” وأدت الإيماءات المختلفة من كلا الجانبين إلى تسهيل ترتيب الاجتماع في نهاية الأمر. كما أن عام 2022 شهد تحركات تركيا لتشديد القبضة على قادة الإخوان المسلمين والأجهزة الإعلامية التابعة لهم الموجودة في تركيا، كما كانت هناك حركة دئوبة لتعزيز التجارة بين البلدين، ففي مايو الماضي، سافر وزير الخزانة والمالية نور الدين النباتي إلى مصر لحضور الاجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، مما جعله أول وزير يسافر إلى مصر منذ تسع سنوات.
وفي حين لم يحضر أردوغان قمة COP27 في مصر، إلا أنه كتب رسالة إلى السيسي يشرح فيها غيابه ويتمنى له التوفيق في استضافة الحدث الدولي، وبحسب وكالة الأنباء المستقلة، فأنه في أعقاب انفجار إسطنبول الأسبوع الماضي، كانت وزارة الخارجية المصرية من بين أول من أدان الهجوم. ودعت الوزارة جميع دول العالم إلى “الحفاظ على التضامن في مواجهة هذه الظاهرة البغيضة واستنزاف مصادر دعمها ماديًّا وفكريًّا أو بأي شكل من الأشكال”.
ومن جهته فقد عبر أولجن للمونيتور عن تصوره للتقارب الشامل بين البلدين فقال إن هناك ثلاثة عناصر أساسية لتقارب شامل “في حين أن هناك بعض التقدم في طلب مصر من تركيا لوقف أنشطة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، فإن تآكل الثقة بين البلدين أكبر بكثير من أن تتغلب عليه المصافحة”وأضاف”القضية الثانية -والأهم- هي ليبيا، وهي دولة أساسية لتصور مصر الأمني. يقدم القادة السياسيون في تركيا دعمهم للجماعات الإسلامية، بما في ذلك أولئك المقربون من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يستحيل قبوله في القاهرة. لكن تركيا لا تستطيع التراجع هناك إما لأنها تحتاج إلى بقاء تلك الجماعات في السلطة للحفاظ على اتفاقيات الحدود البحرية واستغلال الغاز والنفط. ثم هناك القضية الثالثة، وهي قضية منتدى غاز شرق المتوسط والذي أسسته مصر واليونان وجمهورية قبرص وإسرائيل، والذي استبعد تركيا”. إذا تم حل هذه القضايا الرئيسية بين البلدين فحينها فقط سيكون هناك تطبيع كامل بين البلدين.