علي أصلان
من الواضح أن أغلب أصدقاء وحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط لم يستفيدوا كثيرا من الإدراة الأمريكية منذ 6 سنوات في عهد الرئيس باراك أوباما. والفوضى التي نجمت عن الانتفاضات العربية أجبرت كل الأطراف في المنطقة على تبني خيارات صعبة. وكانت إيران أكثر من استفاد من عدم تدخل أوباما في الخلافات الإقليمية وسخَّر ذلك لمصالحه القومية.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يتحدث إلا قليلا عن موضوع الأمن والسياسة الخارجية في كلمته التي ألقاها في الندوة التي عُقدت مساء الثلاثاء حول وضع الاتحاد التقليدي.
وقد كان الرؤساء السابقون يرون هذه الندوة منتدى لوضع أنظمة جديدة وبث الخوف في العالم ويلقون كلماتهم على هذا المنوال. أما أوباما الذي لم يجعل السياسة الخارجية محور أعماله يتصرف وكأنه يجتنب عن المحظورات. وإذا سألتم معارضيه لقالوا إنه ينشغل بسفاسف الأمور في البيت الأبيض ويتجنب التدخل المباشر في المشاكل الخارجية ويقلص بذلك النفوذ الاستراتيجي لأمريكا بين في المستوى الدولي ويترك الفوضى تنتشر في العالم. أما مؤيدوه فيرون أنه يحسن كثيرا لدولته وللعالم بتجنب التدخل في أمور غيره.
التاريخ هو الذي سيقرر الحكم النهائي بحق أوباما، إلا أن البيت الأبيض قد خيب أمل أصدقاء وحلفاء أمريكا وبخاصة في الشرق الأوسط. لنبدأ من السعودية حيث تُوفي الملك السعودي الأسبوع الماضي لكن يبدو أنه مات قلقا متحسرا لأن دولته تحاط من قبل منافسها الخطير إيران خطوة بخطوة من ناحية، ومن ناحية أخرى تعاني من تهديد تنظيمات إرهابية كداعش والقاعدة، والسعوديون يلقون باللائمة على أمريكا بشأن ازدياد النفوذ الإيراني الذي لايمكن إيقافه في المنطقة.
فقد أسفر الاحتلال الأمريكي للعراق في عهد جورج بوش عن تسلم الكيان الشيعي زمام الحكم في العراق بدلا من النظام السني. وقد زاد أوباما من نفوذ هذا الكيان الشيعي بسياساته الانتهازية في بغداد. كما أن الرياض تعزي بقاء نظام الأسد ربيب إيران على الرغم من كل الشرور التي ارتكبها إلى عدم وضع البيت الأبيض سياسة ذات إرادة متينة. وأخيرا فإن الهجمة الشيعية الحوثية في اليمن التي تُعد دولة ذات عمق استراتيجي في جنوب السعودية تطرد النوم عن السعوديين في مضاجعهم. وليسوا قليلين أولئك السعوديين الذين يحملون وزر ما يجري في اليمن التي تُعتبر من أهم مراكز القاعدة على البيت الأبيض بسبب ضعف موقفها إزاء إيران.
أين تكمن أهمية السعودية؟
أيا كانت ردة الفعل فإن أمريكا هي المرجع الأساسي بالنسبة للسعوديين في اللجوء إليها من أجل مجابهة التهديدات الشيعية والراديكاليين المطالبين بتأسيس دولة الخلافة. ولذلك لم يقطعوا علاقتهم بواشنطن رغم فتور العلاقة بينهم. بل إن علاقتهم تحسنت في الأشهر الأخيرة. كما أن هناك أرضية قوية للتعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب التي توليها أمريكا أهمية كبرى، وإن السعودية من أكثر الدول الراغبة بالتحالف مع أمريكا ضد داعش.
والبيت الأبيض يهتم بالتحالف مع السعودية التي تعد إحدى الدول القيادية في العالم العربي السني بمكانتها واقتصادها وقوتها العسكرية.
والجدير بالذكر أن كون السعودية أكبر منتج للنفط في العالم تؤثر كثيرا في الاقتصاد بالنسبة لأمريكا. فالرياض لم تخفض إنتاجها من النفط وأسهمت في تخفيض الأسعار، والعقوبات التي حاولت واشنطن تطبيقها على روسيا بسبب احتلال أوكرانيا تسببت بضائقة كبيرة للاقتصاد الروسي المرتبط بتصدير الطاقة. فهي من خلال قوة النفط تضرب عدوها اللدود موسكو التي تدعم طهران والأسد .
وقد توفي زعيم دولة تحظى بهذا القدر من الأهمية الاستراتيجية. ولذلك فمن الطبيعي أن يتسابق الكادر الأمني القومي كله في واشنطن ولاسيما أوباما إلى تقديم أحر التعازي. وقد أنهى أوباما زيارته للهند متوجها إلى السعودية لتقديم التعازي.
أزمة نتنياهو في أمريكا
وفي هذه المرحلة إسرائيل من أكثر المنزعجين من بين حلفاء أمريكا. لأن الإدارة الأمريكية تهمش إسرائيل بانتهاج سياسة في إقامة العلاقات مع طهران والسعودية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المعروف بتصدير ردة فعله للخارج إنما هو مقرب جدا من المعارضة الجمهورية المرتابة من الموضوع الإيراني. وقد هدد أوباما باستخدام الفيتو أمام الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون إزاء إصدار قانون ضد إيران ومصالحها.
وقد رد الجمهوريون بدعوة نتنياهو لإلقاء كلمة في الكونجرس في شهر مارس/آذار دون الحصول على إذن من البيت الأبيض. وبالتالي صرح أوباما ووزير خارجيته جون كيري بعدم الرغبة بلقاء نتنياهو قبيل الانتخابات الإسرائيلية لأن ذلك لن يكون تصرفا لائقا وأخلاقيا.
وإذا ما نظرنا إلى انزعاج البيت الأبيض لرأينا أن زيارة نتنياهو التي تجعل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بمثابة حزب معارض قد يُلحق الضرر بمصالح إسرائيل. ومن جانب آخر فإن أبعاد هذه الأزمة تشير إلى ضعف دبلوماسي في البيت الأبيض.
تركيا لم تجد ما كانت تتمنى في عهد أوباما
إن تركيا من بين دول المنطقة التي لم تجد ما كانت تتمناه في عهد أوباما. وترى أنقرة أنها تُركت في منتصف الطريق في موضوع سوريا وأن إدارة أوباما لاتطرق باب تركيا إلا عندما تحتاج إليها. ولذلك كان لسان حال تركيا يقول لأمريكا ما دمتم لا تحترمون مطالبنا بأولوية إسقاط الأسد فلن ندعمكم إلا ضمن إطار محدود في أولويتكم بمحاربة داعش. وأنا متأكد من أن أنقرة مستاءة جدا من الحلول التي قدمتها واشنطن في الإعلام الأمريكي والتي تدعو إلى بقاء الأسد في السلطة.
ولم يؤيد الناطقون باسم الإدارة الأمريكية تلك الحلول رسميا ولكن ذلك يظهر واضحا في عدم استهداف البيت الأبيض للأسد. فهم لايرون أن استمرار نظام الأسد وهو في حالة من الضعف يخالف المصالح الأمريكية. حتى إنهم يأملون منه أن يكون سدا منيعا أمام انتشار داعش. فأنقرة التي لم تدرك من البداية أن السياسة التي تنتهجها أمريكا قائمة على أنها لاتكترث أبدا بالأخطار التي لاتضر بمصالحها، أقدمت على تصرفات غير واقعية وذات مخاطر في الشأن السوري. ويجب على القائمين على إدارة تركيا أن يتخلوا عن غرورهم من أجل المصالح العليا لتركيا وأن يبحثوا عن حلول مرنة للخروج من الأزمة.
من الممكن إعطاء مزيد من الأمثلة.. من الواضح أن أغلب أصدقاء وحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط لم يستفيدوا كثيرا من الإدراة الأمريكية منذ 6 سنوات في عهد الرئيس الأمريكي أوباما. والفوضى التي نجمت عن الانتفاضات العربية لم تجبر أمريكا فقط بل أجبرت كل الأطراف في المنطقة على تبني خيارات صعبة. وكانت إيران أكثر من استفاد من عدم تدخل أوباما في الخلافات الإقليمية وسخَّر ذلك لمصالحه القومية. فقد حصلت على حسن ظن الغرب من خلال بدء المفاوضات حول مخططاتها النووية وبالتالي زادت من نفوذها الإقليمي خطوة بخطوة. معنى ذلك أن إيران خوفت خصومها بالموت وجعلتهم يرضون بالمرض بدلا عن الموت أي رضوا بالسيئ تجنبا لما هو الأسوأ. وتستحق الدبلوماسية الإيرانية رفع القبعة لها بالتهنئة والتقدير بسبب دهائها السياسي هذا.