أنقرة (زمان التركية)ــ نشرت صحيفة “فورين بوليسي” تقريرا يرصد تطورات انضام كلا من السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والذي تحول إلى أزمة بسبب عناد تركيا التي تستغل الوضع لصالحها لتسوية بعض الملفات.
التقرير كتبه الصحفي روبي جرامر مراسل الشؤون الدبلوماسية والأمن القومي في فورين بوليسي، وجاء فيه:
إن كلا من السويد وفنلندا قامتا بمحاولة دبلوماسية جديدة لإقناع تركيا بالموافقة على انضمامها لحلف الناتو، ولقد عاشت الدولتين الشماليتين شهورا دبلوماسية صعبة بعد شهور من المفاوضات الشائكة التي حولت ما كان من المفترض أن يكون طريقًا سلسًا لتوسيع التحالف إلى صداع دبلوماسي كبير.
الجدير بالذكر أن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ سافر إلى تركيا هذا الأسبوع للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والضغط عليه للمضي قدمًا في انضمام البلدين، ومن المتوقع أن يسافر رئيس الوزراء السويدي الجديد أولف كريسترسون إلى تركيا الأسبوع المقبل .
وتعد تركيا هي الدولة الوحيدة بين الثلاثين دولة الأعضاء في الناتو التي أعربت عن معارضتها صراحة لانضمام كلا البلدين، وبينما وافقت 28 دولة عضو بالفعل على عضوية السويد وفنلندا، فقد ألمحت المجر إلى أن البرلمان المجري سيقرر وسيعطي الضوء الأخضر خلال الأشهر المقبلة، الجدير بالذكر هنا أن انضمام أعضاء جدد للحلف يحتاج إلى موافقة بالإجماع من أعضاء الناتو الحاليين. الأمر الذي استغلته تركيا لصالحها لأن الحكومة التركية تريد من السويد وفنلندا بذل المزيد من الجهود لقمع الأفراد الذين تعتبرهم تهديدات أمنية، بما في ذلك المسلحين الأكراد وأولئك الذين يُزعم تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة في البلاد عام 2016 وركزت معظم انتقاداتها على ستوكهولم.
إلا أنه خلف الكواليس وبعيدا عن التصريحات الإعلامية، فإن الولايات المتحدة والدبلوماسيون الأوروبيون يشعرون بالإحباط بشكل متزايد مما يرون أنه عناد تركي بشأن قضية كان ينبغي حلها منذ أشهر لا سيما خلال لحظة خطيرة تواجه الأمن الأوروبي مع احتدام الحرب في أوكرانيا، ويأمل المسؤولون الفنلنديون والسويديون أن المحاولة الدبلوماسية الأخيرة تتمكن من كسر المأزق، فقد قدم البلدان بالفعل تنازلات بما في ذلك قرار السويد برفع حظر الأسلحة المفروض على تركيا بعد التوغل التركي في سوريا، وتعهدات جديدة بالتعاون في جهود مكافحة الإرهاب ضد الجماعات المسلحة الكردية، والتعهد بمعالجة طلبات تركيا بالترحيل أو تسليم من تعتبرهم الحكومة التركية من المشتبه بهم في قضايا الإرهاب، وتأمل حكومة يمين الوسط السويدية الجديدة في عهد كريسترسون أيضًا أن تبدأ بداية جديدة في بناء علاقات أوثق مع تركيا.
وقد صرح هنري فانهانين مستشار السياسة الخارجية والأمنية لحزب الائتلاف الوطني الذي ينتمي إلى يمين الوسط الفنلندي “يتعلق الأمر بمحاولة إرساء الأساس، واغتنام الزخم حتى يمكن الانتهاء من ذلك بحلول نهاية العام، ونأمل أن يكون هناك زخم جديد”، ومع ذلك يقول المسؤولون الأتراك إن الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن ليست كافية، ويصرون على أن أيا من دول الشمال لم تنفذ جميع المطالب التي أدرجتها تركيا في مذكرة مشتركة صدرت في يونيو.
وهو ما دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بالتصريح للصحفيين في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء بعد محادثات مع ستولتنبرج بقوله “يتعين على هاتين الدولتين اتخاذ خطوات مهمة في مكافحة الإرهاب لأن أحد أكبر التهديدات التي يواجهها الناتو اليوم هو الإرهاب” مضيفًا أن تركيا تدعم توسع الناتو إلا أنه لا يمكن القول بأن البلدين نفذا بشكل كامل جميع جوانب مذكرة التفاهم”
بينما رد المتحدث باسم وزارة الخارجية السويدية على تلك التصريحات لمجلة فورين بوليسي في رسالة أرسلها عبر البريد الإلكتروني بقوله “عملنا لمكافحة الإرهاب يمثل أولوية، ونحن نأخذ التزاماتنا على محمل الجد” وأضاف “لقد أبلغنا ذلك جميع الحلفاء بما في ذلك تركيا والأمين العام للناتو”.
الجدير بالذكر أن قضية “الإرهاب” هي مصدر قلق أساسي لأردوغان قبل انتخابات الصيف المقبل، حيث يتعين عليه جذب أصوات القوميين الأتراك الذين يعارضون بشدة الحركات الانفصالية الكردية، ويعتقد العديد من الخبراء أنه على الرغم من المحاولة الدبلوماسية الأخيرة، فإن تركيا سترجئ أي قرار بشأن عضوية بلدان الشمال الأوروبي في الناتو إلى ما بعد انتخابات عام 2023، لكن المسؤولين الغربيين يعتقدون أيضًا أنموقف تركيا يرجع إلى النفوذ الاقتصادي الروسي، فمنذ بداية الحرب – وموجة من العقوبات الغربية على موسكو – غالبًا ما عملت تركيا كشريان حياة اقتصادي لروسيا، حيث زادت مشترياتها من النفط الخام الروسي، ودفعت للحصول على المزيد من الغاز الروسي (والمخصوم منه)، والمضي قدمًا بمليارات – خطط الدولار لبناء محطة طاقة نووية روسية الصنع، كما أن تركيا أيضًا واحدة من أكبر المصدرين لروسيا منذ بداية الحرب بينما تتلقى أيضًا تدفقات هائلة من الأموال غير المبررة من الخارج والتي تضمن استقرار الاقتصاد التركي الذي يعيش حالة من الاضطراب، ويرى المحللون الغربيون في أن الأموال الروسية تعمل جزئيًا على إبقاء تركيا تحت حكم أردوغان واقفة على قدميها.
من جهة أخرى فقد أصبح ستولتنبرغ والذي سعى لتحقيق التوازن بين جميع الأطراف في المفاوضات أقل حذرًا خلال رحلته إلى أنقرة هذا الأسبوع، الأمر الذي يعكس نفاد صبره المتزايد مع تركيا في قاعات مقر الناتو، فقد صرح في المؤتمر الصحفي بقوله “حان الوقت للترحيب بفنلندا والسويد كعضوين كاملي العضوية في الناتو، خاصة في هذه الأوقات الخطرة فمن المهم للغاية الانتهاء من انضمامهم، لمنع أي سوء فهم أو سوء تقديرمن قبل موسكو.”
وبينما يتفق المسؤولون الغربيون على أن روسيا لا تشكل تهديدًا عسكريًا مباشرًا لأي من البلدين لا سيما مع تعثرها العسكري في أوكرانيا، لكن مخططي الدفاع ما زالوا يخشون أن فترة طويلة من النسيان في عضوية الناتو يمكن أن تفتح الجناح الشمالي الشرقي للحلف أمام نقاط ضعف جديدة من موسكو والتي تقع إلى ما دون عتبة المواجهات العسكرية، كما أن عملية الانضمام التي طال أمدها تقوض رسالة وحدة التحالف وتضامنه في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا والهجوم النووي.
وكما صرحت كريستين بيرزينا الخبيرة في الأمن الأوروبي من مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني بقولها “إذا لم يتمكن الحلف من تنسيق نفسه وإقناع أعضائه بالاعتراف بهاتين الدولتين القادرتين للغاية، فإن ذلك سينعكس بشكل سيء على صورة الناتو كمؤسسة” وأضافت “وربما لا تبدو بعض الرسائل الروسية والصينية بشأن ضعف الناتو… خاطئة في ذلك الوقت، إن هناك الكثير من المخاوف المتعلقة بسمعة الناتو على المحك.”
الجدير بالذكر أنه عندما أعلنت فنلندا والسويد عن محاولتهما الانضمام إلى الناتو في مايو كرد فعل على الغزو الروسي لأوكرانيا، أشاد معظم قادة الحلف ووزراء الدفاع بذلك باعتباره جولة جديدة من توسع الناتو ووصفوها بأنه فرصة لا تحتاج إلى تفكير، وبالفعل كانت كلا البلدين في شراكة وثيقة مع الناتو لسنوات عديدة وهما يتباهيان ببعض باعتبارهما أقوى الجيوش الأوروبية وأفضلها تجهيزًا، كما أن هذا الانضمام سيوفر أراضي جديدة للتحالف وطرقًا بحرية لتعزيز دفاع أعضاء الناتو الضعفاء في منطقة البلطيق الذين يجاورون روسيا وحليفتها بيلاروسيا.
وعلى الرغم من أن إضافة فنلندا إلى الناتو من شأنه أن يزيد من حدود التحالف مع روسيا، إلا أن الحكومة الروسية قامت بتجريد جيشها في تلك المنطقة لإرسال قواتها إلى أوكرانيا. وبينما لا تزال روسيا تشكل تهديدًا طويل الأمد لفنلندا، فإنه لا يعتقد المسؤولون الفنلنديون أن موسكو لديها النية -أو القدرة- لبدء أي نوع من المواجهة العسكرية في منطقة الشمال، أو كما صرح فانهانين بقوله “يُنظر إلينا بالفعل على أننا ننتمي إلى مجال الأمن الجماعي لحلف شمال الأطلسي بمعنى ما، بالإضافة إلى ذلك، نحن نعلم أن روسيا منشغلة تمامًا الآن باحتلال دول أخرى.”