د. منى سليمان*
(زمان التركية)ــ نفى وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” في 2 نوفمبر 2022 مسؤولية بلاده عن تعثر المصالحة مع مصر، وذلك ردا على إعلان وزير الخارجية المصري “سامح شكري” يوم 28 أكتوبر 2022 وقف الحوار بين الدولتين ورهن استئنافه “بتغيير نهج السياسة الخارجية التركية في ليبيا والإلتزام بالمعايير والقواعد الدولية”، وذلك بعد مرور عام كامل على آخر الجولات الاستكشافية بين مصر وتركيا في سبتمبر 2021.
وخلال هذا العام اتخذت أنقرة خطوات عدة للتقارب مع مصر حيث دعا الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” القاهرة أكثر من مرة لتطبيع العلاقات مع بلاده، ومؤخرا أعلنت أنقرة عن توقيف أكثر من 40 شخصية مصرية من عناصر تنظيم “الإخوان المسلمين” معظمهم من الإعلاميين والصحفيين بتهمة التحريض على الإضرار بالأمن المصري وبدأ التحقيق معهم على أن يتم تسليمهم للقاهرة لاحقا، بيد أن هذه الإجراءات لم تغير موقف القاهرة من أنقرة لاسيما بعد اعتراض مصر على توقيع عدة اتفاقيات أمنية بين الحكومتين التركية والليبية المنتهية ولايتها برئاسة “عبد الحميد الدبيبة” لأنها “غير قانونية” كما طلبت الأمم المتحدة الأطراف الليبية بالإسراع في إجراء انتخابات لإنهاء ازدواجية الحكم في البلاد التي تشهد انقساما حادا بين الشرق والغرب، يعززه الدعم التركي “للدبيبة” وهو ما يمثل تهديد للأمن القومي المصري والعربي، ويعد الدافع الرئيسي للقاهرة لرفض التقارب مع أنقرة رغم كافة التنازلات التي قدمتها الأخيرة مما ينذر باستمرار التوتر في العلاقات المصرية التركية.
أولا: الدعم التركي لحكومة “الدبيبة” الليبية:
وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة برئاسة “فائز السراج” في 27 نوفمبر 2019 مذكرتين تفاهم في مجالي التعاون العسكري والأمني، تم بناء عليهما ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، رغم عدم الاتصال البحري بينهم وأكد الاتفاق أن تركيا وليبيا دولتان متجاورتان بحريتان وحدد خط ترسيم الحدود بينهما من ساحل “فتحية – مرماريس – كاش” على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا حتى ساحل “درنة – طبرق – بورديا” في ليبيا، مما أدى للتعدي على الحدود اليونانية ودول شرق المتوسط وهو ما اعترضت عليه القاهرة وأثينا، كما تم بموجب الاتفاقيتين تقديم دعم عسكري ولوجستي تركي مستمر حتى اليوم لحكومة طرابلس وأنشأت أنقرة قاعدتين عسكريتين بغرب ليبيا ونقلت الآلآف من عناصر الميليشيات المرتزقة السورية لطرابلس لدعم حكومتها ووقف تقدم الجيش الوطني الليبي برئاسة المشير “خليفة حفتر” الذي يتركز في بنغازي بشرق ليبيا، وبعد إنتهاء ولاية “السراج” جددت أنقرة دعمها لخلفه “عبد الحميد الدبيبة” حتى نهاية ولايته في يناير 2022.
ثم رفض الأخير إجراء إنتخابات ليبية جديدة وتمسك بالسلطة، مما دفع رئيس البرلمان الليبي “عقيلة صالح” لفتح باب الترشح لاختيار رئيس وزراء جديد من خلال إنتخابات داخل البرلمان، أسفرت عن فوز وزير الداخلية “فتحي باشآغا” برئاسة الحكومة الليبية الجديدة وأدى يوم 3 مارس 2022 اليمين الدستورية أمام البرلمان الليبي بطبرق شرق البلاد كرئيس جديد للوزراء ومعه أعضاء حكومته 29 وزير، بيد أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته المسيطرة على العاصمة طرابلس “عبد الحميد الدبيبة” رفض تسليم السلطة سلميًا إلى حكومة منتخبة، مما دفع “باشآغا” للعمل بمقرات الحكومة في سرت شرق ليبيا ودعوة كافة مؤسسات الدولة لعدم تنفيذ أي قرارات صادرة عن “الدبيبة” ووقف التعامل معه، ومنذ ذلك التاريخ انقسمت السلطة في ليبيا بين حكومة فاقدة للشرعية مسيطرة على العاصمة برئاسة “الدبيبة” ولا يحق لها توقيع أي اتفاقات اقتصادية أو سياسية هامة مثل التي وقعت مع الحكومة التركية في أكتوبر 2022، وحكومة شرعية لا تحكم برئاسة “باشآغا”.
وقد سعت تركيا خلال العام الحالي للموازنة في علاقاتها بين غرب وشرق ليبيا وقد اتضح ذلك من خلال زيارة سفيرها “كنعان يلماز” بليبيا في نهاية يناير 2022 لأول مرة لمدينة بنغازي شرق البلاد ولقاءه مع القيادات السياسية بها، وبعد انتخاب “باشآغا” أكد “أردوغان” أن أنقرة ستؤيد ما يختاره ويجمع عليه الشعب الليبي ولم يعلن مباشرة تأييده لأي حكومة. لاسيما وأن يسعى للحفاظ على مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية في البلاد، بيد أن تركيا مؤخرا انحازت بشكل كامل لحكومة غرب ليبيا، حيث ..
-قام نائب رئيس جهاز المخابرات التركية “جمال تشاليك” بزيارة للعاصمة الليبية طرابلس في 18 أغسطس 2022، وأكد “استعداد أنقرة للدفاع عن طرابلس حال تعرّضها لهجوم” وذلك وفق الاتفاقية الأمنية والعسكرية الموقعة مع المجلس الرئاسي السابق، وذلك خلال اجتماعه مع رئيس جهاز المخابرات بحكومة الوحدة الوطنية “حسين العائب”.
– عقد “المجلس الاستراتيجي الليبي التركي الأعلى” جلساته خلال زيارة وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” لطرابلس في 3 أكتوبر 2022، ووقعت خلاله على اتفاقيتين هما مذكرة تفاهم للتنقيب المشترك عن النفط والغاز الطبيعي قبالة سواحل ليبيا في شرق البحر المتوسط وداخل أراضيها.
– في 23 أكتوبر 2022 أكد وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو”، إنه لولا الدور الذي قامت به أنقرة لصد “العدوان على طرابلس لكان الوضع في ليبيا صار يشبه ذلك الموجود في سوريا”، ويقصد به الدعم العسكري التركي لميليشيات طرابلس لمواجهة حملة الجيش الوطني الليبي لإستعادة العاصمة من سيطرة الميليشيات والتي عرفت بـ عملية الكرامة وبدأت في أبريل 2019 واستمرت عدة أشهر قبل أن تتوقف.
– في 25 أكتوبر 2022 وقعت تركيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة “عبد الحميد الدبيبة” المنتهية ولايتها، اتفاقيتين لتعزيز التعاون الأمني والعسكري تعد استكمالا لمذكرات عام 2019، ووقع عن الجانب التركي وزير الدفاع “خلوصي أكار” مع “الدبيبة” بصفته وزير الدفاع بحكومته وذلك خلال حضور الأخير لمعرض الصناعات الدفاعية والطيران في إسطنبول، و الاتفاقيتين الأولى تنص على رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي في ليبيا بالاستعانة بالخبرات التركية، والثانية تجديد للبروتوكولات التنفيذية لمذكرة التفاهم في مجال التعاون الأمني والعسكري الموقعة عام 2019. وقد أكد “أكار” إن هدف تركيا من تلك الاتفاقيات يتمثل في “الإسهام في تشكيل ليبيا التي تعيش بسلام واستقرار، وتضمن وحدة ترابها ووحدتها السياسية، وأنقرة ستواصل أنشطة التدريب والمساعدة والاستشارات العسكرية لدعم الليبيين، لأن تركيا ليست قوة أجنبية في ليبيا”.
بينما أوضحت حكومة “الدبيبة” إن البروتوكول يستهدف تنظيم التعاون لمواد مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري لعام 2019، الذي نص على تشكيل لجنة الدفاع العليا للتعاون الليبي التركي، ولجنة التعاون العسكرية وكيفية عملها ومهامها وتكوين وحداتها، وتبادل التدريب والخبرات لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وأمن الحدود، كما تم التوقيع على بروتوكول لتدريبات الطيران الحديثة، والضوابط والشروط والالتزامات الواقعة على الطرفين، وهذا البرتوكول من المنتظر أن يمهد لعقد صفقات جديدة وربما سرية لمد الميليشيات التابعة لحكومة “الدبيبة” بطائرات تركية بدون طيار (البيرقيدار)، التي استخدمتها من قبل، عام 2-19 خلال المواجهات مع الجيش الوطني الليبي، وقد انتقد رئيس البرلمان الليبي “عقيلة صالح” و”باشاغا” تلك الاتفاقيات لأنها غير ملزمة للحكومة الليبية الجديدة.
– سعت تركيا للتوسط بين الفرقاء الليبيين حيث استضافت نهاية أكتوبر 2022 جولة من المشاورات بين رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” ورئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري” (قيادي بتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا) لبحث تقسيم المناصب السيادية بين شرق وغرب ليبيا، كما سعت أنقرة للتوسط بين “الدبيبة” و”المشري” وحل الخلافات بينهم التي تصاعدت مؤخرا عقب اتهام الأخير لـ “الدبيبة” بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية وعدم توفير متطلبات المواطنين المعيشية.
ويمكن القول، أن السياسة الخارجية التركية تجاه ليبيا لن تتغير في المدى القصير لأنها مرتبطة باستراتيجية جديدة بدأ “أردوغان” في تطبيقها خلال العامين الماضيين، وهي مفهوم أو استراتيجية “المناطق الآمنة”، لأنه أعلن في يوليو 2021 “أن أنقرة تنشئ منطقة أمنية لحماية نفسها وإذا فشلت في إقامة مثل هذه المنطقة الأمنية القوية خارج حدودها، فلن يمنحونا السلام ولن يتركوا هناك رفاهية داخل حدودنا”، وهذه المناطق تشمل كل التواجد التركي الخارجي في الخليج العربي وشمال وشرق إفريقيا وشرق البحر المتوسط والقوقاز والدول العربية، بدءا من إقليم كاراباخ بأذربيجان مرورا بسوريا والعراق وليبيا وشمال قبرص وشرق المتوسط. ولذا فإن الاتفاقيات بين أنقرة وحكومة طرابلس الليبية عام 2019 و2022 تهدف لتنفيذ هذه الرؤية حيث ستمكن تركيا من ..
– فتح الأسواق الليبية لتصدير المنتجات التركية المختلفة، وكذلك تصدير المعدات العسكرية مثل الطائرات بدون طيار (البيرقيدار)، مما يعزز الاقتصاد التركي.
– التواجد سياسيا وعسكريا بشرق المتوسط وشمال أفريقيا، وتقديم دعم سياسي لجماعات الإسلام السياسي بتلك المنطقة وتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء.
– استمرار التنقيب عن الثروات النفطية بشرق المتوسط بعد ترسيم الحدود مع ليبيا وهو ما يوفر لأنقرة احتياجاتها من مصادر الطاقة، كما يمكنها نقل الاحتياطيات النفطية الليبية المكتشفة حديثا للدول الأوروبية التي تتغاضى عن تلك الممارسات التركية الخاطئة لحل أزمة الطاقة بها، وإيجاد بديل عن الغاز الروسي.
– تواجد تركيا السياسي والعسكري والاقتصادي في ليبيا وشمال أفريقيا وشرق المتوسط، سيغزز مكانتها الإقليمية والدولية، لأنها ستعمل على ملء الفراغ الأمريكي في ظل انشغال واشنطن بالانتخابات داخليا والأزمة الأوكرانية خارجيا.
ولذا فإنه من المتوقع أن تستمر أنقرة في تقديم الدعم السياسي والعسكري لحكومة “الدبيبة” رغم الاعتراضات المصرية واليونانية والأممية على ذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
ثانيا: مستقبل العلاقات المصرية التركية:
تبادلت القاهرة وأنقرة سحب السفراء عام 2013 واستمرت القطيعة والتوتر بينهما حتى مطلع عام 2021 بدأت أنقرة في نهج سياسات مصالحة لكسر عزلتها الإقليمية وتم في نفس العام المصالحة بين تركيا والإمارات والمملكة العربية السعودية، وعقدت جولتين للمفاوضات الاستكشافية بين انقرة والقاهرة في مايو وسبتمبر 2021 ثم توقفتا تماما، وأعلنت القاهرة أن أنقرة لم تستجيب للمطالب المصرية لتحقيق المصالحة، ورغم ذلك استمر التبادل التجاري والاقتصادي بين مصر وتركيا منذ 2013 دون أي توقف، بل شهد عامي 2021 و2022 ارتفاع في معدلات الصادرات التركية لمصر، ومنذ مطلع العام الحالي يكرر “أردوغان” دوما دعواته للقاهرة لتحقيق مصالحة كاملة وتطبيع تام كما حدث مع الرياض وأبوظبي، كما اتخذ أنقرة العديد من الخطوات للتقارب مع القاهرة ومنها..
– تم مطلع عام 2021 وقف عمل بعض المحطات التلفزيونية الموجهة للرأي العام المصري وتبث من تركيا، ويقوم على إدارتها داعمون وينتمون لتنظيم “الإخوان المسلمين” وبعضهم مطلوبون للقضاء المصري بتهمة جنائية من بينها القتل والتحريض عليه، والاشتراك بخلايا إرهابية.
– في مايو 2022 أعلن “أردوغان” “إمكانية تطوير الحوار وتطبيع العلاقات مع مصر، إلى أعلى المستويات”، وأكد المستشار السياسي السابق له “تورهان شوماز” أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في بلاده رسم “خريطة طريق” لخطوات إعادة العلاقات بشكل طبيعي مع القاهرة، لأن “مصر دولة مهمة جدا في المنطقة، بشعبها العظيم، وتاريخها وثقافتها وموقعها الاستراتيجي والجغرافي، ولا يمكن أيضا إغفال دورها السياسي بالشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة شرق المتوسط، فعلى سبيل المثال لا يمكن التوصل لحلول في القضية الفلسطينية دون تدخل مصر، وأوضح “شوماز” أن أنقرة ستقوم بتعيين سفير جديد لها بالقاهرة بعد 9 سنوات من سحب السفراء بين القاهرة وانقرة، وقد عينت الأخيرة بالفعل السفير “صالح موتلو شين” ممثل تركيا السابق لدى منظمة التعاون الإسلامي سفيراً لها في القاهرة.
– أكد “أردوغان” في 26 يوليو 2022 “أنه “لا يوجد ما يمنع إجراء محادثات رفيعة المستوى مع مصر من أجل تطبيع العلاقات التي لا تزال الجهود بشأنها تراوح مكانها منذ أكثر من عام على إطلاق المحادثات الاستكشافية العام الماضي ورغبة أنقرة في تسريعها، ويكفي أن يكون هناك تفاهم متبادل بين البلدين، أن الشعب المصري مسلم وشقيقنا، يكفي أن نقود المرحلة بشكل لا يسيء فيه أحدنا إلى الآخر بتصريحات بعضنا ضد بعض”، ثم أوضح وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” أن “تطور العلاقات مع مصر يسير ببطء نسبياً، وتركيا ستعمل على تقديم خطوات جديدة لتطبيع العلاقات مع مصر”.
– في 18 أغسطس 2022 أكد “أردوغان” أنه “لا يوجد خلاف بين أنقرة والشعب المصري وتركيا تحتاج إلى السلام مع القاهرة في أسرع وقت”، وأكد أن “تركيا لا تعادي أي دولة، ولا تدير ظهرها لجيرانها، وهدفها هو إقامة منطقة سلام وتعاون من حولها، بدءًا من جيرانها المقربين”، ثم جدد “أردوغان” دعواته للتقارب مع القاهرة في 2 أكتوبر 2022 وأكد “أن علاقات بلاده تتطور على أساس المصالح المشتركة مع مصر”.
بيد أن الموقف المصري لم يستجيب لتلك الدعوات ورهن التقارب مع أنقرة بتغيير نهج السياسة الخارجية لها، ورغم هذا استمر التبادل التجاري بين الدولتين بمعدلاته المتميزة، فقد وقعتا اتفاقية التجارة الحرة (FTA) عام 2005 ودخلت حيز التنفيذ عام 2007 ومازالت سارية ولم تطلب أيا من القاهرة أو أنقرة إلغائها، وأعلنت الشركات التركية مؤخرا أنها تعتزم زيادة استثماراتها في مصر إلى 15 مليار دولار، ويبلغ حجم التبادل التجاري بينهم 20 مليار دولار سنويا، وتحرص الدولتين على تقديم برقيات التعازي فقد قدمت أنقرة في مايو 2022 التعازي للشعب المصري بعد حادث إرهابي بسيناء، كما قدمت القاهرة برقية تعزية لأنقرة في ضحايا انفجار منجم فحم بولاية بارتين شمال تركيا في منتصف أكتوبر 2022.
ثم أعلن وزير الخارجية “سامح شكري” يوم 28 أكتوبر 2022 وقف الحوار مع تركيا وانتقد التدخلات التركية في ليبيا وكذلك الاتفاقيات الأخيرة الموقعة بين أنقرة وحكومة “الدبيبة” المنتهية ولايتها، ورغم الموقف المصري إلا أن أنقرة أعلنت في 28 أكتوبر 2022 عن توقيف 40 شخصية من “الإخوان المسلمين” المتواجدين على أراضيها بتهم “الإضرار بالأمن القومي المصري” والتحريض على أعمال إرهابية بمصر، وجدير بالذكر أن القنوات المصرية التي كانت تبث من أنقرة يعمل بها حوالي 800 شخص من المصريين 90 % منهم يحملون جوازات سفر تركية.
ومن خلال الموقف المصري نجد أن القاهرة لن تقبل استئناف أي حوار مع أنقرة قبل معالجة كافة الملفات العالقة بينهم بشكل يراعي المصالح المصرية الاستراتيجية، وتتسع تلك الملفات لتشمل..
-الدعم التركي “للإخوان المسلمين”: اتخذت الحكومة التركية خلال العامين الماضيين العديد من الخطوات لإنهاء دعمها لجماعة الإخوان المسلمين المصنفة كتنظيم إرهابي في عدد من الدول العربية، وقد كان ذلك شرطا لتحقيق المصالحة مع أبوظبي والرياض ض، ومازالت تسمح لعدد من قيادات التنظيم بالإقامة على أراضيها وتقدم لهم دعم سري.
– الدعم التركي لطرابلس وعسكرة شرق المتوسط: الإصرار التركي على التنقيب غير الشرعي عن الغاز الطبيعي بسواحل شرق المتوسط يمثل تهديدا لليونان وقبرص، وكذلك الإصرار على تقديم الدعم العسكري والسياسي لحكومة “الدبيبة” بطرابلس الليبية يعد مخالفة لقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد انتهاء ولايتها وتدعو لإجراء انتخابات ليبية جديدة، بيد أن تركيا لا تهتم بذلك فقد وافق البرلمان التركي على طلب الحكومة تمديد بقاء القوات العاملة في ليبيا لمدة 18 شهراً، اعتباراً من 2 يوليو 2022، ثم في 6 أكتوبر 2022 نقلت تركيا دفعة جديدة من المرتزقة التابعة للميليشيات المسلحة الموالية لها بشمال سوريا الى مصراتة بغرب ليبيا مما ينذر بتصعيد عسكري محتمل بين الميليشيات التابعة لـ”الدبيبة” و”باشآغا”. وقد اتضح الموقف المصري واليوناني من ذلك خلال استقبال وزير الخارجية المصري “سامح شكري” في 9 أكتوبر 2022 نظيره اليوناني “نيكوس ديندياس” بالقاهرة، وجددا رفض أنقرة وأثينا للاتفاقيات الأخيرة الموقعة بين أنقرة وحكومة “الدبيبة” المنتهية ولايتها في ليبيا لأن الأخيرة لا تملك صلاحيات إبرام أي مذكرات دولية أو مذكرات تفاهم، ودعا “شكري” الأمم المتحدة لاتخاذ موقف واضح إزاء شرعية أو عدم شرعية الحكومة المنتهية ولايتها في ليبيا، كما طالب “ديندياس” بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في مدى زمني محدد، وأكد أن اتفاق تركيا وطرابلس ينتهك قوانين الأمم المتحدة لأنه تعدى على الحرف القاري اليوناني التنقيب المشترك عن احتياطيات الهيدروكربون في المياه البحرية الليبية والأراضي الوطنية، جدير بالذكر أن اللقاء جاء غداة توقيع الاتفاقيات التركية الليبية وفي ظل توتر بين أنقرة وأثينا على خلفية الخلافات ببحر إيجة وشرق المتوسط.
-التدخلات التركية بالشأن العربي: ترفض مصر التدخلات العسكرية التركية بالدول العربية وقد اتضح ذلك خلال تأييدها للبيان الختامي الصادر عن إجتماع وزراء الخارجية العرب في 6 سبتمبر 2022 الذي ينتقد استمرار التدخلات العسكرية التركية في شمال العراق وسوريا والقصف الجوي المستمر عليهما، مما دفع وزارة الخارجية التركية لإصدار بيان للرد عليه أوضح أن “الاجتماع الـ 158 لمجلس وزراء خارجية جامعة الدول العربية، صدر عنه مرة أخرى قرارات وتصريحات تتضمن مزاعم لا أساس لها ضد بلدنا، ونرفضها تماما”.
-التقارب التركي الإثيوبي: تقدم أنقرة دعم سياسي وعسكري لرئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في ظل خلافات مستمرة بين أديس أبابا والقاهرة منذ عقد من الزمان على خلفية إنشاء “سد النهضة” الإثيوبي على نهر النيل بالمخالفة للقواعد الدولية مما سيؤدي لحرمان دول المصب مصر والسودان من حصصهم المائية المتعارف عليها، وقد تعززت العلاقات التركية الاثيوبية خلال العامين الماضيين ففي أغسطس 2021 قام “أحمد” بزيارة لتركيا بمناسبة مرور 125 عاما على تطبيع العلاقات بين الدولتين ووقع 4 اتفاقيات للتعاون المائي والعسكري وأكد أن “أثيوبيا لن تنسى أبدًا وقوف شعب وحكومة تركيا بجانبها”، وفي عام 2022 تم الكشف عن بيع تركيا لصفقة طائرات بدون طيار (البيرقيدار) لإثيوبيا، في ظل تفاقم الحرب الأهلية بين أديس أبابا وإقليم التيجراي، وكذلك توقف التفاوض حول “سد النهضة”.
مما سبق، نرى أن “أردوغان” يستغل الدعوات المتكررة للتقارب مع مصر في حملاته الانتخابية للتحضر للانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو 2023، لأن المعارضة التركية انتقدته دوما بشأن افتعال الأزمات مع مصر دون مبرر سياسي، وكلما اقترب موعد الانتخابات سيعمل على إحداث أي تقدم في ملف المصالحة مع القاهرة لإنهاء نقاط ضعفه أمام المعارضة التركية، حيث يسعى لعقد مصالحة مع مصر لإستكمال المصالحات الإقليمية التي عقدها مع السعودية والإمارات وإسرائيل، بيد أن القاهرة ستقبل باستمرار التبادل الاقتصادي مع أنقرة كما هو ولن تقبل بأي حوار سياسي أو مصالحة في ظل التجاهل التركي للمصالح الاستراتيجية المصرية في ليبيا وشرق المتوسط.
*باحث أول بالعلاقات الدولية بالشأن التركي