واشنطن (زمان التركية)_ سلطت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، الضوء على الوضع الجديد في الموانئ التركية، التي لجأ إليها الأغنياء الروس هربا من العقوبات الدولية المفروضة على عليهم بسبب حرب أوكرانيا، حيث وجد الأثرياء الروس ملاذا آمنا ليخوتهم الفاخرة في الموانئ التركية التي انتعشت بفضلهم.
ثلاثة من الصحفيين المتخصصين في الشؤون التركية والشرق أوسطية وهم أليف إنجا، مايكل فروسيز ، كالوريتا جال، كتبوا تقريرا هاما في هذا السياق:
تعد موانئ تركيا المرحبة باليخوت الروسية نموذجا لتهرب الأغنياء الروس الموالين لبوتين من العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، ففي إحدى الأمسيات الحارة في شهر أغسطس في مرسى على الساحل الجنوبي لتركيا استضاف The Flying Fox وهو أكبر يخت متاح للتأجير في العالم، في العام الماضي بيونسيه وجاي زي، اللذان تخطيا Met Gala في نيويورك للإبحار في البحر الأبيض المتوسط والاستمتاع بوسائل الراحة الفائقة للسفينة ذات 4300 متر مربع – والذي يحتوي على مركز سبا للقدم مع حمام تركي وسبا تجميل مجهز بالكامل من بين العديد من الإمكانات الفاخرة التي يحتوي عليها اليخت.
ثم غزت روسيا أوكرانيا ووقع Flying Fox في قبضة العقوبات الدولية المصممة لتعطيل أنماط حياة الأوليغارشية الذين يساعدون في الحفاظ على حكم الرئيس فلاديمير بوتين، و حين تم الاستيلاء على بعض اليخوت العملاقة المملوكة أو المرتبطة بحكم القلة الروس الذين يواجهون عقوبات في موانئ حول العالم بات Flying Fox وآخرون محاصرون في العقوبات الروسية الأوسع، لكنهم وجدوا ملاذًا آمنًا في تركيا العضو الوحيد في الناتو الذي لم يفرض عقوبات على روسيا.
ويثير أسطول اليخوت الروسية العملاقة في المياه التركية التوترات مع الولايات المتحدة، التي ترى أن ترحيب تركيا بالسفن أحد أعراض مشكلة أكبر بكثير، تتمثل في وصول روسيا إلى النظام المالي التركي مما قد يقوض العقوبات الغربية.
بينما صرح الرئيس رجب طيب أردوغان والذي انتقد العقوبات الغربية ضد روسيا، في مارس/ آذار بقوله إن تركيا لا تستطيع فرض عقوبات بسبب احتياجاتها من الطاقة وصفقاتها الصناعية. وقال “ليس هناك شيء يمكن القيام به في هذا الشأن”
وقد رسا ما لا يقل عن 32 يختًا مرتبطًا بالأثرياء الروس والكيانات الخاضعة للعقوبات في سواحل تركيا خلال الأشهر الأخيرة، وكانوا قادرين على التنقل أو الرسو في الخلجان التركية دون خوف من الاستيلاء عليها، ووفقًا لتحليل صحيفة نيويورك تايمز، تشتهر سجلات ملكية اليخوت الفخمة للأثرياء الروس بأنها مخبأة خلف طبقات من الشركات الوهمية، كما تم رصد اليخوت في المياه التركية من قبل مراسل التايمز في أغسطس.
وفي 19 سبتمبر أصدرت وزارة الخزانة بيانًا قالت فيه إن نائب وزير الخزانة الأمريكية، والي أدييمو، أبلغ مسؤولًا تركيًا أن الولايات المتحدة قلقة بشأن استخدام الروس تركيا للتهرب من العقوبات، وبعد ثلاثة أيام أرسل أديمو أرسل خطابًا إلى مجموعات الأعمال التركية يحذر من فرض عقوبات عليهم إذا عملوا مع أفراد أو كيانات روسية تواجه عقوبات، وأضاف أن البنوك التركية تخاطر بفقدان علاقات المراسلة الحيوية مع البنوك العالمية- وحتى الوصول إلى بنوك الولايات المتحدة -إذا تعاملوا مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات.
في سبتمبر ، أوقفت العديد من البنوك التركية التعامل بنظام الدفع Mir – المعادل الروسي لـ Visa أو MasterCard. وجاءت الخطوة بعد أن حذرت الولايات المتحدة المؤسسات المالية التي توسع استخدام مير أو الدخول في اتفاقيات جديدة مع روسيا، قد تتعارض مع العقوبات الأمريكية ضد روسيا.
ومع ذلك ، تواصل الموانئ التركية خدمة الروس الخاضعين للعقوبات ويخوتهم الفاخرة، وقد تحولت المياه الفيروزية الدافئة و الشواطئ المنعزلة والمؤسسات العصرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط التركي منذ فترة طويلة إلى وجهة شهيرة وملائمة لمالكي اليخوت الروسية والمستأجرين خلال فصل الصيف، وباتت تتم طباعة قوائم المطاعم المحلية بثلاث لغات، التركية والإنجليزية والروسية.
وفي حزيران /يونيو ، وصفت الولايات المتحدة شركة Flying Fox بأنها “ممتلكات محظورة” وفُرضت عقوبات على شركة الإدارة التابعة لها Imperial Yachts ومع ذلك فقد رسي Flying Fox منذ مايو على الأقل في ميناء أزورا التركي وهو مرسى خاص في منتجع Göcek الفاخر. كانت اليخوت الفخمة الأخرى المملوكة للروس الخاضعين للعقوبات أو المرتبطة بهم تتنقل من خليج إلى خليج آخر في المنطقة.
المياه الملوثة في المدينة غير مناسبة للسباحة، وهي ميزة جذابة لأصحاب اليخوت الفاخرة لأنها تبعد الحشود والدعاية غير المرغوب فيها. ويمكن لهم أن يبحروا بسهولة للوصول إلى المياه النقية القريبة. إذا كان الضيوف المدللين لديهم أي احتياجات لم يتم تلبيتها، تتجول القوارب الصغيرة حول الميناء، وتبيع البقالة والآيس كريم والكريب التركي وحتى خدمات التدليك متاحة.
وقد تم افتتاح ميناء أزورا و الذي يوصف بأنه أول “مرسى لليخوت العملاقة فقط” في تركيا العام الماضي من قبل STFA إحدى أكبر التكتلات في تركيا، ووجد تحليل التايمز أن الميناء الذي يفخر على موقعه على الإنترنت بأنه “ملاذ” يجعل “المشاكل الكبيرة والصغيرة تختفي”، قد استضاف ما لا يقل عن ثمانية يخوت مرتبطة بحكم القلة الروس أو الشركات الخاضعة للعقوبات في الصيف الماضي.
في 1 يونيو/ حزيران نشر سمسار يخوت تركي على انستجرام مقطع فيديو تم التقاطه في ميناء أزورا يظهر مجموعة من خمسة يخوت تبلغ قيمتها مجتمعة ما يقرب من مليار دولار ، بما في ذلك Flying Fox، و Lana، التي أدرجت مؤخرًا بسعر 1.8 مليون دولار في الأسبوع للتأجير من قبل إمبريال؛ و Galactica Super Nova، المرتبطة بـ Vagit Alekperov، حليف بوتين المعاقب، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الإخبارية.
وفي أكتوبر كان هناك ما لا يقل عن 13 يختًا في تركيا مملوكين لأشخاص مفروض عليهم بعقوبات أمريكية، ووفقًا لتحليل التايمز، ومن بين هؤلاء كان أربعة يخوت مملوكين أو مرتبطين بأفراد خاضعين للعقوبات، وقد عرضت شركة إمبريال -الشركة التي يقع مقرها في موناكو – مؤخرًا تسعة عقود إيجار.
وقالت متحدثة باسم Imperial Yachts إنه بعد معاقبة الشركة في يونيو ، أنهى عملاؤها عقودهم مع الشركة وأنها “لم تعد تدير أو تؤجر” أيًا من اليخوت في المياه التركية.
ولكن حتى أواخر أغسطس، أعلنت إمبريال عن تأجير اليخوت وبيعها على موقعها على الإنترنت، بما في ذلك اليخوت الموجودة في المياه التركية، و بعد استفسار من قبل صحيفة التايمز ، تمت إزالة القوائم من موقع Imperial’s على الويب، والذي يعرض الآن فقط إشعارًا يعلن أن الشركة قد عوقبت، وصرحت المتحدثة باسم الشركة إنها “أبقت صفحاتها الأخرى على قيد الحياة كانعكاس لعلامتها التجارية السابقة”.
كما علقت إمبريال ردا على أسئلة عبر البريد الإلكتروني: “خلال الوقت الذي كانت فيه صفحات الموقع الأخرى مرئية، لم تشارك إمبريال في أي ارتباطات تجارية”.
وقد صرح دانييل تانيباوم، مسؤول العقوبات السابق الذي لدى الخزانة والبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك، بقوله إن إحدى الطرق هي فرض عقوبات على الشركات التي تخدم يخوت القلة في تركيا – المراسي ومتعهدو الطعام وشركات تزويد الوقود، في هذه الحالة لن يضطر مالكو اليخوت الروس فحسب بل أيضًا العديد من مالكي اليخوت الأمريكيين الموجودين حاليًا في المياه التركية، إلى نقل أعمالهم إلى مكان آخر، في حين أن البنوك التي تتعامل مع هذه الشركات قد تسارع بإغلاق حساباتها لتجنب أن تصبح هدفًا للعقوبات.
وتعتبر اليخوت الفارهة مصدرًا مهمًا للدخل بالنسبة إلى الموانئ، فضلاً عن الشركات الأخرى في المنطقة، ويعد مثالا على ذلك ما ذكرته وسائل الإعلام التركية في أبريل أن السيد أبراموفيتش صاحب أكبر يخت و البالغ طوله 533 قدمًا، دفع فاتورة وقود بقيمة 1.66 مليون دولار في مدينة مارماريس الساحلية، وقد استغرق ملء خزاناته 22 ساعة.
أحد اليخوت الفاخرة الأربعة المملوكة للسيد أبراموفيتش، سولاريس يبلغ ارتفاعه 460 قدمًا، يرسو في مرسى ياليكافاك في بودروم وهي منتجع عصري في جنوب تركيا، وأثناء وضع الخمول لا يزال لديها 20 من أفراد الطاقم يقومون برحلات كل يوم لتزويدها بالمياه والكهرباء والتخلص من نفاياتها، ووفقًا لموظف ميناء مطلع على الأمر ، تحدث دون الكشف عن هويته لأنه لم يكن مصرح له بالحديث قائلا إن سولاريس تتلقى أيضًا شاحنة محملة بالأغذية كل أسبوع من خلال شركة تموين.
ويعد ياليكافاك أفخم مرسى في تركيا حيث توجد متاجر مثل برادا ولويس فويتون وفالنتينو، في منتزه تصطف على جانبيه أشجار النخيل المطلة على الميناء، وقد عرضت مؤخرا ثلاثة يخوت على الأقل للتأجير من قبل إمبريال الشركة الإدارية الخاضعة للعقوبات، وثلاثة يخوت أخرى مملوكة أو مرتبطة بحكم القلة الراسية في ياليكافاك مارينا هذا الصيف وفقا لتحليل التايمز.
وفي بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني، قال المرسى إنه على الرغم من أن تركيا لم تعتمد عقوبات، لأنها تعترف “بالمخاوف الدولية” ، فقد تم إبعاد سولاريس خارج حدود المرسى. أما بالنسبة للسفن المرتبطة بـ Imperial Yachts، فقد قال المرسى إنه لا يعرف، لأن الصيف “وقت مزدحم للغاية” وأنه لا يوجد لديه نظام للتحقق مما إذا كان اليخت الفردي خاضع لعقوبات دولية أم لا.
وهكذا تظل تركيا مركزا لتهرب الروس الأغنياء من العقوبات الدولية وبالطبع فإن هذا يمثل مكسبا لتركيا من الناحية الاقتصادية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه تركيا ولكن في نفس الوقت قد يضع هذا الوضع تركيا في مواجهة عقوبات دولية لا يتحملها الاقتصاد التركي.