علي بولاج
لم يمثُل 4 وزراء سابقين أمام المحكمة العليا وذلك بفضل أصوات أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم. ولكن النقاشات المتعلقة بهذا الموضوع لم تنته بعد. فما زالت الادعاءات مستمرة بحق فساد الوزراء وغيرهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا كانت هناك قرينة أو دليل أو وثيقة أو تصريح كيف يجب علينا أن نفهم إلغاء عمليات التحقيق في قضايا الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر/كانون الأول من جانب، و”تبرئة” 4 وزراء سابقين من جانب آخر؟ فلاشك في أن هذا لا يعني إلا التبرئة “السياسية” للمتهمين. [/box][/one_third]وليس المعارضون فقط بل حتى أبرز أعضاء العدالة والتنمية يقولون إنه قد تم ارتكاب أعمال فساد. فما قاله السيد محمد علي شاهين مهم، وحتى أعضاء الحكومة الذين يعكسون صورة الإعلام يرون ذلك أيضاً. وحسبما أفاد أتيان محجوبيان أن 70% من المجتمع مقتنع بحصول أعمال فساد. وحتى ناجهان آلتشي التي تدافع دفاعا مستميتاً عن الحكومة يرى ذلك أيضًا.
فإذا كانت هناك قرينة أو دليل أو وثيقة أو تصريح كيف يجب علينا أن نفهم إلغاء عمليات التحقيق في قضايا الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر/كانون الأول من جانب، و”تبرئة” 4 وزراء سابقين من جانب آخر؟ فلاشك في أن هذا لا يعني إلا التبرئة “السياسية” للمتهمين. أي أن السلطة الحاكمة تتستر على أعمال الفساد كي لاتصاب سلطتها بأذى. فكما كان الناس يُقتلون في عهد الدولة العثمانية “سياسياً”، كذلك يُبرَّأ اليوم المتهمون بهذه الطريقة “سياسياً”.
حسناً، فهل تتقدم السياسة على الحقوق والأخلاق؟ يمكننا الحديث عن ثلاثة أنواع من القوانين الجارية في الوجود: أولها القوانين الطبيعية التي يجري النظام الكوني وفقها، والثاني القوانين الإلهية المصدر أو القوانين البشرية العلمانية، والثالث السنن التي تلعب دوراً في الحياة الاجتماعية والتغيير الاجتماعي. وإن ازدهار المجتمعات وانحدارها مرتبط بهذا النوع الأخير من القوانين. فالمجتمعات تقضي على نفسها بذنوبها وخطاياها. وإذا جاء أجل المجتمع فإن الله تعالى يصيبه بالانحطاط ويمسحه من التاريخ. وأبرز من يكون لهم الدور في ذلك هم القوى الحاكمة ونخب السلطة والحكام والإداريون. وقد وصف القرآن الكريم ذوي النفوذ بـ”الملأ” و”المترف”، حيث قال تعالى: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (الإسراء: 16)
ما الذي يجب أن نستخلصه من هذه الآية؟ فأفضل تفسير للآية هو تفسير نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم:
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن المجتمع الذي يُدافَع فيه عن المجرمين الأقوياء وأصحاب الامتيازات ينهار آجلاً كان أم عاجلاً. وهذا من مقتضيات السنن الإلهية. وإن التبرئة السياسية هي ارتكاب جرم جديد بالإضافة إلى الجرم السابق. فإن أجرى الله هذه السنة فينا بدلا عن رحمته ورأفته فعلينا أن نخاف مما سيحيق بنا. [/box][/one_third]عند فتح مكة توسط أحد الصحابة لامرأة شريفة ارتكبت جرم السرقة فقال الرسول صلى الله عليه وسلّم قولا مهما جدا: “إنما أهلك الذين قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” (البخاري، الحدود 11).
فما يجري دائما هو أن الأقوياء وأصحاب المكانة الاجتماعية وكبار الأغنياء وأصحاب الامتيازات تتم حمايتهم إذا سرقوا، ولكن الفقراء يعاقَبون بشدة. وقد أوضح النبي عليه السلام أن هذه عادة متوارثة منذ القدم وتتسبب في هدم المجتمع وتزعزُع أساس العدل. وقد قال: “حد يقام في الأرض خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحًا” (النسائي، الحدود 3).
وقد وصف وهبة الزحيلي الحدود بأنها من حقوق الله تعالى في قانون العقوبات الإسلامي. فالجرائم التي توجب الحدود إنما تعتدي على حقوق العامة. فالمحسوبية لصالح مرتكب الجرم لأي سبب كان هي اعتداء على حق الله وحق الأمة. ولا يمكن أبداً القبول بالتبرئة السياسية لمن يُتهمون بأعمال الفساد ولمن يهينون القرآن الكريم.
وإن حادثة الإفك تعطينا عبرة هامة جداً: لو كانت التبرئة السياسية للمجرمين جائزة لما اكترث الرسول عليه الصلاة والسلام بحادثة الإفك، ولَبرَّأ السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كان صاحب السلطة السياسية والإدارية العليا في المدينة المنورة. ومع هذا الإمكان، إلا أنه لم يقل “هذا الافتراء يُلحق الضرر بي وبالوجود السياسي للمسلمين، عليّ طيّه بالقول إنه لايوجد شيئ كهذا وإنه عبارة عن الكذب والافتراء”. فلو قال ذلك لآمن المسلمون به جميعاً، لكنه علّمَنا الطريقة التي يجب علينا أن نتبعها إذا تعرضنا لموقف كهذا. إذ انتظر عليه السلام صدورَ قرار من مقام أعلى من نفسه، فجاء الوحي السماوي ليبرئ ساحة سيدنا عائشة رضي الله عنها.
خلاصة القول: إن المجتمع الذي يُدافَع فيه عن المجرمين الأقوياء وأصحاب الامتيازات ينهار آجلاً كان أم عاجلاً. وهذا من مقتضيات السنن الإلهية. وإن التبرئة السياسية هي ارتكاب جرم جديد بالإضافة إلى الجرم السابق. فإن أجرى الله هذه السنة فينا بدلا عن رحمته ورأفته فعلينا أن نخاف مما سيحيق بنا.