هيثم السحماوي
كيف تمثل التغيرات المناخية تهديداً كبيراً لحقوق الإنسان ؟
وكيف يمكن التخفيف من حدة هذه الآثار على حقوق الإنسان؟
يُهدد تغير المناخ التمتع الكامل والفعلي بمجموعة متنوعة من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي، والحق في الغذاء، والحق في الصحة، والحق في السكن، والحق في تقرير المصير، والحق في الثقافة، والحق في التنمية. ويقع على عاتق الدول التزامًا في مجال حقوق الإنسان يقضي بمنع الآثار السلبية المتوقعة لتغير المناخ، وضمان أن يتمتّع الأشخاص المتضررين منه، لا سيّما من يعيش أوضاعًا هشّة، بإمكانية الوصول إلى التعويضات ووسائل التكيف الفعالة لعيش حياة كريمة.
ليس هذا فحسب وإنما تعد التغيرات المناخية أيضا من التهديدات الاساسية للسلم والأمن الدوليين حسبما وصفه الأستاذ الدكتور محمد عادل عسكر أستاذ القانون الدولي بجامعة المنصورة، في رسالة سيادته للدكتوراه التي تعتبر من أول المراجع الهامة والشاملة والقيمة في هذا الشأن بالعالم العربي ، وأول الذين نادوا بخطورة هذه القضية وضرورة التصدي لها مبكرا سواء على صعيد الحكومات أم على صعيد المؤسسات والمنظمات المختلفة ، وقد نوقشت الرسالة عام 2011 وطبعت كتابا يمثل أحد أهم المراجع في القانون الدولي البيئي، تحت عنوان
( تغير المناخ – التحديات والمواجهة- دراسة تحليلية تأصيلية )
وكانت أول كلمات سيادته التي خطها في رسالته هذه الكلمات التي توضح إلى أي مدى تشكل التغيرات المناخية خطورة على العالم فيقول:
(لم تعد النزاعات المسلحة او أو اثار الارهاب الدولي تنفرد بكونها التهديدات الأساسية للسلم والأمن الدوليين، فنحن الان نعيش في عصر تداعيات المناخ ، تلك المشكلة التي تخطت سياج الأزمات البيئية وباتت تشكل خطرا داهما على كل الحضارات ، ولم يعد من قبيل المبالغة وصفها بأنها أعظم خطر واجهته الإنسانية قط ، بل لقد أصبح لزاما على كل دول العالم أن تنتبه إلى هذه المشكلة وتواجه استفحالها قبل أن تتحول إلى كارثة لا يمكن لأي قوة التصدي لها ).
ومن الإثارة الضارة بالإنسان والتي يمكن أن تخلفها مشكلة التغيرات المناخية أيضا ،(مشكلة التشرد )حيث يعتبر التشريد أحد أبرز الآثار غير المباشرة على حقوق المتضررين من التغييرات المناخية، فحسب تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الصادر عام 1990 فإن أكبر أثر في حد ذاته لتغير المناخ يتمثل في هجرة البشر، فقد يتشرد 150 مليون نسمة بحلول عام 2050، بسبب الظواهر المتعلقة بتغير المناخ، مثل التصحر، وزيادة ندرة المياه، والفيضانات والعواصف، ويتوقع أن يتم التشريد الناجم عن تغير المناخ أساسا داخل البلدان وأن يؤثر في المقام الأول في أفقر المناطق والبلدان.
وبجانب هذه المشكلة توجد مشاكل أخرى تمثل اضرارا على حقوق الإنسان منها ما يسمى ب لاجئي المناخ ، فهناك منهم من يعبر الحدود على أمل إيجاد مأوى يقيه من ضنك العيش، فحسب تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء الصادر عام 2008، فإن ملايين الأشخاص يعبرون أو يحاولون عبور الحدود الدولية، ولاسيما من يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء، بهدف الوصول إلى البلدان الأوروبية هربا من الجوع المستشري، ويصل الكثير منهم في ظروف مزرية، غير قادرين على المشي أو حتى الوقوف من شدة الوهن، ويعانون من نقص في التغذية المزمن. ناهيك عن الذين قضوا نحبهم في الطريق. لدرجة أنه لا أحد يعرف كم هلك من آلاف الأشخاص وهم يحاولون القيام بتلك الرحلة.
كل هذا أدى بالبعض إلى اعتبار مسألة التغيرات المناخية تمثل جريمة ضد الإنسانية.
وهنا السؤال كيف يمكن التخفيف من حدة الآثار السلبية للتغيرات المناخية على حقوق الإنسان ؟
يمكن ذلك من خلال هذ الأمور المقترحة :
- يتعين على الدول اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من حدة تغير المناخ وفقا لاتفاق باريس من أجل منع تفاقم أثاره.
- تعزيز الآليات الدولية-على غرار آلية وارسو-والوطنية لرصد وتوثيق ومتابعة و حماية المتضررين بسبب التغيرات المناخية سواء نازحين أو لاجئين.
- إنشاء نظم وأدوات الإنذار المبكر وآليات الوقاية والتأهب بشأن التشرد الداخلي والعابر للحدود.
- بناء القدرات التقنية والتنفيذية للمؤسسات الوطنية لوضع استراتيجيات الوقاية والتصدي.
- إصدار صك دولي يقر بدور التغيرات المناخية في دفع البشر الى التنقل عبر الحدود.
- زيادة فعالية تدابير التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية، من خلال تشارك الخبرات بين الدول.
- محاكمة الدول المنتهكة للقانون الدولي للبيئة نظرا لما تسببه من انتهاكاتها من أضرار جسيمة لحقوق الإنسان ترقى حسب اعتقاد البعض إلى جرائم في حق الإنسانية..