أنقرة (زمان التركية)ـــ نشرت صحيفة “تايمز أوف اسرائيل” تقريرًا شاملا حول العلاقات التركية الإسرائيلية، وأبعاد التعاون المستقبلي بين أنقرة وتل أبيب.
ويعد التقرير مهما للقارئ العربي لأنه يوضح الصورة الحقيقية لأبعاد التعاون بين الحكومة التركية والإسرائيلية، ويلقي التقرير الضوء على حقيقة العلاقات التركية-الإسرائيلية وإلى أين تسير، وهذا ما يعرضه الكاتب المتخصص في العلاقات الدبلوماسية لازار برمان، وفق محتوى التقرير:
بعد أكثر من عامين من التقدم المتقطع، اتفقت إسرائيل وتركيا أخيرًا يوم الأربعاء على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، بعد أربع سنوات من إهانة أنقرة لمبعوث إسرائيل وهو في طريقه للخروج من البلاد، هذا التطور الذي اعتبره المراقبون على أنه مسألة متى وليس إذا ، لا يعني أن القوتين الإقليميتين تتفقان في كل قضية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، لكن هذا يعني أن المصالح التركية تتماشى بما يكفي مع اسرائيل، وأن كلا -الدولتين- عزمتان على القيام بذلك بطريقة لن تترك العلاقة عرضة للانهيار عند رؤية الخلاف الأول.
وقد صرح نمرود غورين رئيس المعهد الإسرائيلي للعلاقات الدولية: أن هذه العلاقة الجديدة جنبًا إلى جنب مع علاقات إسرائيل المتنامية مع الشركاء العرب ،لديها إمكانات بعيدة المدى لكل من القدس (باعتبارها عاصمة اسرائيل ) وأنقرة، كما أن تلك العلاقات قادرة على إعادة تشكيل التحالفات في جميع أنحاء الشرق الأوسطلا سيما وأن تركيا اليوم تحاول التعافي من سنوات العزلة الدولية.
ولقد بدأت الرحلة الطويلة لإعادة العلاقات كاملة في مايو 2020 حيث هبطت طائرة تابعة لشركة إل عال في تركيا لأول مرة منذ 10 سنوات كجزء من عملية لجلب الإمدادات الطبية إلى إسرائيل في ذروة جائحة COVID-19، وفي الأشهر التي تلت ذلك أظهرت تركيا التي تواجه العزلة الإقليمية والمشاكل الاقتصادية، ورئيسًا أمريكيا معاديًا محتملًا في البيت الأبيض، كانت تركيا تبحث لنفسها عن شراكة مع اسرائيل، وكانت إسرائيل التي تتمتع بعلاقات متنامية مع خصوم تركيا راضية بعدم تحريك العلاقات للوجهة الطبيعية إلا بعد وجود أدلة حقيقة من تركيا تثبت فيه حسن نيتها، إلا أنه خلال العام الماضي اكتسبت عودة العلاقات مع تركيا زخم خاصة مع وجود حكومة إسرائيلية جديدة في السلطة وتولى الرئيس إسحاق هرتسوغ دورًا دبلوماسيًا نشطًا، فبعد أن أدى هرتسوغ اليمين ،اتصل به أردوغان لتهنئته وتحدث الاثنان لمدة 40 دقيقة.
واستمرت الرئيسان الحديث فيما بينهما بصورة منتظمة منذ ذلك الحين، خاصة بعد وفاة والدة هرتسوغ، وعندما أصيب أردوغان بفيروس كورونا، كما تحدثا عن العنف الواقع في القدس خلال شهر رمضان، و يُنظر إلى علاقة هرتسوغ بأردوغان على أنها عامل رئيسي في إطلاق سراح زوجين إسرائيليين تم القبض عليهما للاشتباه في قيامهما بالتجسس في تركيا، وبمجرد أن أعد هرتسوغ الأرضية أصبح من الممكن لكبار الدبلوماسيين في البلدين الاجتماع، حيث التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الحليف المقرب لأردوغان ،مع نظيره يائير لابيد في القدس في مايو قبل أن يصبح لبيد رئيس وزراء إسرائيل.
ووسط جهود إيرانية لتنفيذ هجمات على إسرائيليين في تركيا ، وقف لبيد بجانب جاويش أوغلو في أنقرة وأشاد بالتعاون الأمني بين البلدين، وتوصل الدبلوماسيان خلال تلك الزيارة إلى تفاهم حول عملية تدريجية تؤدي إلى عودة السفراء.
مع اجتماع كبار المسؤولين ، بدأت الوزارات الحكومية في اتخاذ خطوات ملموسة ففي يوليو وقعت إسرائيل وتركيا على الخطوط العريضة لاتفاقية طيران مدني لتحل محل الاتفاقية الحالية التي يعود تاريخها إلى عام 1951 كما أعلنت وزارة الاقتصاد أنها ستعيد فتح المكتب الاقتصادي لإسرائيل في اسطنبول والذي كان مغلقًا لمدة ثلاث سنوات.
ولكن إلى جانب ذلك التقدم المطرد كان هناك خطر حدوث انتكاسات كبيرة، خاصة ومع تصريحات أردوغان الناقدة التي يصر فيها على استخدام كلمة “قمع” إسرائيل للفلسطينيين و “انتهاكات” في القدس خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2020 كما هدد باعتقال السياح الإسرائيليين وتهامهم بالتجسس في تشرين الثاني نوفمبر 2021 وهو ما أدى إلي عرقلة التقدم، وهذا الشهر خلال عملية الفجر التي استمرت ثلاثة أيام في غزة ، صرح أردوغان بتصريحات قاصفا فيها إسرائيل، حيث قال: “إننا ندين أفعال إسرائيل في غزة”و “لا يمكن أن يكون هناك عذر لقتل الأطفال”، ولكن مع إصرار الطرفين على رؤية عملية المصالحة حتى نهايتها الناجحة اجتازا هذه الحلقات بهدوء ومهارة، وكانت لديهم أسباب مقنعة للقيام بذلك.
ولكن وبالعودة إلى الماضي القريب سنجد أنه في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي ، الذي أطاح بالأنظمة العربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، بدأ أردوغان في دفع نظام إقليمي متجذر في الإسلام السياسي ودعم الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة الإسلامي في تونس.
و على مدى عقد من التوترات مع أنقرة كانت القدس سعيدة بالتحالف مع الدول الأخرى المعارضة لتركيا وإظهار قيمتها كشريك إقليمي، حيث اجتمعت اليونان وقبرص ومصر والأردن ، والخصوم الأوروبيون لتركيا مع إسرائيل حول التعاون في مجال الغاز الطبيعي في منتدى غاز إيست ميد، وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن يتم إنشاء خط الأنابيب المخطط للتحالف إلى أوروبا على الإطلاق فقد أرست المجموعة الأساس لأنواع أخرى من التعاون في مجال الطاقة.
كما صاغت إسرائيل اتفاقا التحالف الإبراهيمي مع الإمارات – منافس آخر لتركيا – والبحرين والمغرب، واستمرت إسرائيل في توسيع التحالفات وتحويلها إلى اتفاقيات ملموسة، وحيث تُظهر مصر والأردن أيضًا اهتمامًا متزايدًا بالانضمام إلى مبادرة التحالف الإبراهيمي فقد قدمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمها الكامل لتوسيع التحالف.
واليوم تأمل تركيا في الخروج من عزلتها الدبلوماسية من خلال عودة العلاقات مع إسرائيل، فتركيا بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، بعدما انخفض إجمالي صافي مواردها الأجنبية بنحو 50 في المائة في السنوات الخمس الماضية، كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 38 في المائة على نفس النطاق، وبينما يستمر الاقتصاد التركي في التعثر من آثار الوباء، نجد أنه . في مارس بلغ التضخم في تركيا 80 ٪ وهو أعلى مستوى التضخم في تركيا خلال 24 عامًا.
ولقد كان النمو الاقتصادي المطرد هو المفتاح الحقيقي لشعبية أردوغان بين الطبقة العاملة التركية كرئيس للوزراء، ولهذا فجذب استثمارات أجنبية جديدة له أهمية قصوى بالنسبة لقائد تركيا، والعلاقات المستعادة مع إسرائيل هي علامة مثالية على عودة الحياة الطبيعية المطلوبة لتهدئة المستثمرين الأجانب.
أما بالنسبة لإسرائيل فهي تبحث عن طريقة لنقل غازها الطبيعي إلى أوروبا المتعطشة للطاقة، وكما صرح يوسف إريم، محلل شؤون تركيا في TRT World لتايمز أوف إسرائيل “ينظر كل من الأتراك والقبارصة الأتراك بإيجابية شديدة إلى أي نوع من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي”.
ومن جهة أخرى فإن اسرائيل حريصة على توسيع العلاقات الأمنية مع دولة أخر، ولديها قلق من الأنشطة الإيرانية في المنطقة ،وتريدفي الوقت نفسه أن ترى شركات الطيران الخاصة بها تستعيد جزءًا أكبر من فطيرة السفر الجوي المربحة بين البلدين.
أما عن تأثير عودة العلاقات في المنظقة فسيكون لها صدى واسع وكما أشار غورين إلى أنه “بمجرد عودة السفراء سيفتح الباب أمام حوار استراتيجي بين الجانبين”، ومع تقليص الولايات المتحدة لنفوذها في الشرق الأوسط ، تملأ قوى أخرى الفراغ ، وليس كلهم أصدقاء لإسرائيل، ولهذا فيمكن أن تساعد العلاقات الإستراتيجية مع تركيا إسرائيل على تشكيل الشرق الأوسط بطريقة أكثر فائدة أو على الأقل أقل تهديدًا.
فعلى سبيل المثال سوريا الدولة الواقعة على حدود إسرائيل والتي تلعب فيها روسيا وإيران دورًا رئيسيًا ،لطالما حملت تهديدات خطيرة للدولة اليهودية، لكن تركيا لها نفوذ أيضًا هناك، وتريد أن ترى انخفاضًا في الوجود الإيراني في بلد نفذت فيه عمليات عسكرية كبيرة في السنوات الأخيرة، وكما صرح إريم: “أعتقد أن هناك متسعًا كبيرًا لكلا البلدين للتعاون في سوريا”. “كلاهما يريد نفس الشيء.”
ومثال أخر يتمثل في العلاقات المصرية التركية فبينما تحاول تركيا إصلاح العلاقات مع مصر، فإن القاهرة لا تزال قلقة بشأن دعم أنقرة للإخوان المسلمين، ويمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً هاماً في عملية المصالحة بين البلدين.
ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن يضر عودة العلاقات التركية الإسرائيلية بعلاقات القدس الوثيقة مع اليونان وقبرص، و لم يكن التقارب عام 2016 بين إسرائيل وتركيا عقبة أمام توسيع علاقتها مع خصوم أنقرة في البحر المتوسط ومن غير المرجح أن يكون كذلك الآن.
ويمكن أن تظهر أيضًا علاقة ثلاثية مهمة بين إسرائيل وتركيا والإمارات العربية المتحدة، وكما صرح موران زاغا، الخبير في شؤون الخليج في جامعة حيفا “تركيا عدو لكل من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، إن تجديد العلاقة مع تركيا سينعكس بشكل الاستقرار الإقليمي بطرق عديدة ”
ومع سعي الإمارات للاستقرار حتى تتمكن من الاستمرار في وضع نفسها كمركز للتجارة والاستثمار العالمي وفهمها أن الولايات المتحدة على وشك إبرام صفقة مع إيران، فإن أبوظبي حريصة على دفن الأحقاد مع القوى الإقليمية ،بما في ذلك العدو الرئيسي تركيا، فقد سافر محمد بن زايد، ولي العهد الإماراتي القوي في ذلك الوقت ،إلى تركيا في نوفمبر للقاء أردوغان وعقب الاجتماع وقع البلدان اتفاقيات بمليارات الدولارات في مجالات التجارة والطاقة والتكنولوجيا والبنوك والاستثمارات.
وكما صرح زاغا فإن “تركيا اقتصاد ضخم، ويمكن لهذه العلاقة المثلثية أن تحقق نتائج كبيرة في المنطقة”.