*بقلم د. منى سليمان
باحثة في العلاقات الدولية والشأن التركي
(زمان التركية)ــ أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد زيارة إلى اسطنبول يوم 27 مايو 2022 والتقى نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وجددا عزم الدولتين على التقدم في علاقاتهم على المستويات كافة لاسيما الاقتصادية وما يخص الطاقة المتجددة، بينما أكد “أوغلو” رغبة بلاده في حل كافة الخلافات مع مصر والسعودية. وتأتي هذه الزيارة في إطار التقارب التركي الخليجي الذي أعاد العلاقات لطبيعتها الوثيقة قبل عقد مضى.
حيث قام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بزيارتين للإمارات خلال شهرين، وزيارة للمملكة العربية السعودية قبل شهر. بيد أن هذا الزخم التركي الخليجي لا يصاحبه تقارب مماثل مع سائر الدول العربية ففي نهاية مارس الماضي انتقد “أردوغان” الرئيس التونسي “قيس سعيد” مما أدى لأزمة بين الدولتين. كما شنت تركيا عملية عسكرية جديدة بالعراق هي “المخلب القفل” في ظل استمرار القصف التركي اليومي على مناطق شمال سوريا الخاضعة لتركيا والتهديد المستمر بشن عمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا لإقامة “المنطقة الآمنة” المثيرة للجدل، فضلا عن أن التدخلات التركية في ليبيا. وقد تضمن البيان الختامي لمجلس الأمن القومي التركي الذي عقد جلسته يوم 26 مايو الحالي تأكيدات على استمرار التدخلات التركية في سوريا والعراق وليبيا تحديدا. فأي مستقبل ينتظر العلاقات التركية العربية في ظل هذا التناقض والازدواجية في سلوك أنقرة الخارجي تجاه بعض الدول العربية؟
أولا: مؤشرات التقارب التركي الخليجي:
منذ مطلع عام 2021 وثمة تغير واضح في الخطاب السياسي التركي تجاه الدول العربية حيث عبر “أردوغان” أكثر من مرة عن رغبته في التقارب مع أبوظبي والرياض وإنهاء الخلافات بينهما بعد سنوات من القطيعة والخلاف المستمر في توجهات السياسة الخارجية لكل دولة. وقد ساهم في تخفيف حدة التوتر المصالحة الخليجية – القطرية التي حدثت في قمة مجلس التعاون الخليجي في يناير 2021 في مدينة العلا السعودية. حيث إن التحالف التركي مع قطر كان أحد عوامل الخلاف بين أنقرة ودول الرباعي العربي (السعودية، الامارات، البحرين، مصر) وهي الدول الأربع التي أعلنت قبل أربع سنوات مقاطعة قطر دبلوماسيا واتهمتها بدعم الإرهاب وحدد شروط لإعادة العلاقات مع الدوحة وهو ما قبلت به الأخيرة. عقب ذلك وفي صيف 2021 أجرى “أردوغان” عدة اتصالات هاتفية مع القيادات السياسية الخليجية ومنهم العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز”، وولى عهد أبوظبي سابقا الشيخ “محمد بن زايد”، وقد أعربا عن تقارب في وجهات النظر لإنهاء الخلافات بين الطرفين.
1-التقارب التركي الإماراتي:
قام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يوم 17 مايو 2022 للعاصمة الإماراتية أبوظبي، لتقديم واجب العزاء بوفاة رئيسها الراحل الشيخ “خليفة بن زايد آل نهيان”. وتعد هذه الزيارة الثانية له في أقل من شهرين حيث قام بزيارة في فبراير الماضي للتأكيد على تطبيع العلاقات بين أنقرة وأبوظبي وإنهاء عقد من التوتر في العلاقات بين الدولتين. وقد شهد صيف عام 2021 مؤشرات عديدة على التقارب التركي الإماراتي بدأت بزيارة مفاجئة إلى أنقرة قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ “طحنون بن زايد”، ثم محادثات هاتفية بين “أردوغان” وولى عهد أبوظبي سابقا الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”. ثم أعلنت المصالحة التامة بزيارة الأخير لتركيا في نوفمبر 2021.
ثم قام “أردوغان” بزيارة الإمارات في 14 فبراير 2022 وأعلن أن “أمن تركيا لا ينفصل عن سلامة دول الخليج” وهذا بعد اعتراضات استمرت ثلاث سنوات على التواجد العسكري التركي في قطر بقلب الخليج العربي مما يمثل تهديد مباشر لأمن السعودية والإمارات مما يؤكد التناقض في السياسة الخارجية التركية. وتعد تلك الزيارة أول زيارة رسمية من “أردوغان” للإمارات منذ عام 2013. وأنهت سنوات من الخلافات بينهما كانت تتمحور على .. دعم تركيا علنًا احتجاجات الربيع العربي التي أطاحت ببعض الحكومات العربية وهددت حكومات أخرى في عام 2011 . كما كان “أردوغان” أحد أقوى الداعمين لجماعات “تيار الإسلام السياسي” الذي تعتبره أبوظبي تهديدا للأمن القومي الخليجي والعربي. ثم في عام 2016، اتهم “أردوغان” الأمارات بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة، وفي عام 2017 دعم أردوغان قطر في مواجهة المقاطعة الرباعية لها – كما دعمت الإمارات الرياض والقاهرة في مواقفها ضد تركيا وانتقدت التدخلات التركية في ليبيا “حفتر” حليف الإمارات وسوريا والعراق والصومال القرن الافريقي تنافس مستتر بينهم على إدارة الموانئ الهامة والتحكم بالمعابر الاستراتيجي المحيطة بالدول العربية.
وتعد هذه الزيارة ناجحة بكافة المقاييس فقد وقعت أنقرة وأبوظبي 12 اتفاقية تشمل مجالات الاستثمار والدفاع والنقل والصحة والزراعة. وأعلنت الإمارات إنشاء صندوق استثماري لتركيا بقيمة 10 مليارات دولار واتفاق لتبادل العملات بنحو 5 مليارات دولار لتعزيز احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية. فضلا عن عودة السائحين الخليجيين في صيف 2022 إلى تركيا، كما زار “أردوغان” جناح تركيا في معرض (إكسبو 2020) في دبي وأشاد بنجاحه. ولعل الاقتصاد كان هدف الزيارة لكلا الطرفين حيث تسعى أبوظبي في مواجهة الانكماش المرتبط بجائحة كورونا، وتعزيز مكانتها في المنافسة الاقتصادية خليجيا مع المملكة العربية السعودية وإقليميا، كما أن تركيا تعاني من أزمة اقتصادية وبلغ معدل التضخم السنوي نحو50% بنهاية العام الماضي، وانخفضت معدل صرف الليرة التركية. والاقتصاد هو كلمة السر في بقاء “أردوغان” بالسلطة حتى الآن وسيكون العامل الأول لخروجه منها. ولذا كان اهتمامه بتطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية لجذب الاستثمارات الخليجية لبلاده، لاسيما وأن الإمارات تعد الشريك التجاري الـ12 لأنقرة عالميا والشريك التجاري الأكبر لتركيا على مستوى منطقة الخليج العربي.
واستكمالا لذلك أعلنت في 27 أبريل 2022 الإمارات وتركيا عن إطلاق محادثات بشأن للشراكة الاقتصادية الشاملة، من المتوقع أن تساهم في مضاعفة التجارة بين البلدين. بغية تسهيل ممارسة الأعمال التجارية عبر خفض الرسوم الجمركية وتحفيز تدفق البضائع والاستثمارات وإزالة العوائق التجارية، بما يمهد لحقبة جديدة من التعاون البناء”.
ولم يتوقف الغزل التركي للإمارات عند هذا الحد بل إنه مستمر ففي 16 مايو 2022 تم إقالة نائب رئيس كتلة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بتركيا في البرلمان “جاهيد أوزكان” غداة تصريحاته المسيئة عن الإمارات، وأكد المتحدث باسم الحزب “عمر تشاليك”، أن التصريحات “لا تعكس رؤية الحزب، وأن العلاقات التركية والإماراتية ترتكز على الاحترام والثقة المتبادلة بموجب الإرادة المشتركة للقيادة السياسية للدولتين”.
2-التقارب التركي السعودي:
رغم سعى “أردوغان” منذ عام للتقرب للرياض وزيارة المملكة، إلا أن ذلك تم بقرار قضائي وليس سياسي. ففي 8 أبريل الماضي قررت المحكمة الجنائية الـ11 في إسطنبول، إحالة قضية محاكمة المتهمين بجريمة مقتل الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي” الذي قتل بقنصلية بلاده في أسطنبول بأكتوبر 2018 إلى السلطات القضائية السعودية بشكل رسمي. بناء على توصية من وزارة العدل التركية وطلب سعودي، ودافعت أنقرة عن القرار وأكدت أنه ليس قرارا سياسيا. لينهى هذا القرار أكبر الملفات الخلافية بين أنقرة والرياض. ويمهد الطريق لزيارة “أردوغان” للمملكة التي تمت في 28 أبريل 2022 والتقى خلالها العاهل السعودي وولي العهد وجددا التأكيد على حل كافة الملفات الخلافية بينهم والتقدم في كافة مستويات العلاقات بينهم، وركز “أردوغان” على ضرورة عودة العلاقات الاقتصادية لمستواها التقليدي وحل كافة الملفات الخلافية بين أنقرة والرياض.
وقد كانت تلك الزيارة كانت هامة للغاية لرفع معدلات التبادل التجاري بين الدولتين بعدما انخفضت صادرات تركيا إلى السعودية من 3 مليارات و292 مليون دولار عام 2019، إلى مليارين و379 مليون دولار عام 2020. ثم إلى 186 مليون دولار عام 2021 بفعل المقاطعة الشعبية التي نفذت للمنتجات التركية لتسجل أقل مستوى للتبادل التجاري بين الدولتين. ثم ارتفعت في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 25%. وكعادته في الاهتمام بحلفائه فقد أجرى “أردوغان” اتصالا مع ولي العهد السعودي يوم 11 مايو 2022 للاطمئنان على صحة العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز آل سعود”، في مؤشر جديد على عودة العلاقات بين الرياض وأنقرة إلى سابق عهدها.
جدير بالذكر، أن العلاقات بين تركيا والسعودية قد شهدت توترًا متصاعدًا منذ أكتوبر 2018 بعد حادثة مقتل الصحفي السعودي المعارض في قنصلية بلاده باسطنبول “جمال خاشقجي”، حيث سعت أنقرة بعد ذلك لتدويل القضية ووجهت العديد من الانتقادات للرياض وسعت لتحميل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” المسؤولية عن مقتله. ورغم أن الرياض اتخذت كافة الإجراءات القانونية والقضائية لمحاكمة مرتكبي هذه الحادثة إلا أن الهجوم التركي استمر قرابة عامين على المملكة. وقد فاقم من التوتر حدة الخلاف في مختلف ملفات السياسة الخارجية للدولتين. ونتيجة لذلك نظمت بعض الجهات الغير رسمية في المملكة حملات لمقاطعة المنتجات التركية والسياحة في تركيا مما كبل الاقتصاد التركي خسائر فادحة، ودفع “أردوغان” لإجراء أول اتصال منذ عامين مع العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز” في نوفمبر 2020 للإتفاق على أجندة عمل “قمة مجموعة العشرين” التي ترأسها الرياض وتحظى بعضويتها أنقرة. كما اتفق الطرفين على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين البلدين لتطوير العلاقات وحل الخلافات. ثم كرر “أردوغان” الإتصال الهاتفي بالملك السعودي في أكثر من مناسبة. الأمر الذي مهد لزيارة وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” للرياض في منتصف مايو 2021 لبحث سبل معالجة القضايا الخلافية بين الدولتين، بيد أن الزيارة انتهت دون حدوث أي اختراق في التعاون الثنائي بين الدولتين.
ثانيا: الخلافات التركية العربية:
رغم الزخم المشهود في العلاقات التركية الخليجية، إلا أن العلاقات التركية العربية تشهد العديد من الخلافات واستمرارًا للتدخلات التركية فى الشأن الداخلي العربي وانتهاك سيادة الدول العربية عبر تمويل ودعم الميليشيات المسلحة أو شن عمليات عسكرية داخل العراق وسوريا.
1-أزمة دبلوماسية بين تركيا وتونس:
انتقد الرئيس التونسي “قيس سعيد” في 7 أبريل 2022 تصريحات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الرافضة لقرار “سعيد” الأخير بحل البرلمان التونسي المعلق جلساته منذ 8 أشهر والذي تحوز الأغلبية فيه جماعة النهضة الممثلة لجماعة الإخوان المسلمين بالبلاد ذات العلاقات المتميزة مع أنقرة، ووصف “سعيد” بلاده بأنها “ليست ولاية عثمانية” كي يتدخل نظيره التركي في قراره وينتقدها بشكل مرفوض واعتبر “سعيد” ذلك تدخلاً في شؤون بلاده الداخلية وأكد “إن تونس دولة ذات سيادة ولها اختياراتها، بناءً على إرادة شعبها المستقل، بعيداً عن أي تدخل أجنبي، لأن الشعب التونسي هو صاحب السيادة، ولا يمكن الانتقال من مرحلة إلى أخرى بناءً على مؤامرات، أو بالارتماء في أحضان الأجانب”. وكان “أردوغان” قد وصف حل البرلمان التونسي بأنه “يشكل ضربة لإرادة الشعب التونسي» و«إساءة للديموقراطية”. كما استدعت وزارة الخارجية التونسية السفير التركي احتجاجا على تصريحات “أردوغان”، وأصدرت بياناً أكدت فيه “بالغ استغرابها من تصريح الرئيس التركي، وعدّته تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي”، كما أجرى وزير الخارجية التونسي “عثمان الجرندي”، اتصالاً مع نظيره التركي، وشدد على أن علاقات البلدين يجب أن تقوم على احترام استقلالية القرار الوطني، واختيارات الشعب التونسي، دون سواه، وأن بلادنا لا تسمح بالتشكيك في مسارها الديمقراطي.
وتعد هذه الأزمة “أزمة كاشفة” عن حقيقة توجهات “أردوغان” ودعمه المستتر لجماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، كما أنه يسعى للتدخل في الدول العربية الصغيرة لاستمرار نفوذه عليها، ويسعى للحفاظ على مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية في تونس من خلال بقاء جماعة الإخوان المسلمين بالحكم وسيطرتهم على السلطة التشريعية. فمنذ سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق “زين العابدين بن علي” عام 2011، وصعود الإخوان إلى الحكم عام 2011، تثير طبيعة العلاقة الاقتصادية بين تونس وتركيا تساؤلات كثيرة، بعدما شهدت المبادلات التجارية عجزاً غير مسبوق لصالح اقتصاد أنقرة، وفتحت الأسواق التونسية أمام البضائع التركية خاصة في مجال الصناعات الغذائية وقطاع النسيج، وكذلك أمام الشركات التركية للاستئثار بالحصّة الأكبر من الصفقات الكبرى، وهو ما تسبب في إنهاك الاقتصاد التونسي، وضرب الإنتاج المحلي وإفلاس شركات تونسية، وسط دعوات بضرورة مراجعة الاتفاقيات التجارية بين البلدين، للحد من الغزو التركي لتونس.
وقد قام “أردوغان” بعدة زيارات لتونس كان آخرها 2019 والتقى خلالها الرئيس “سعيد” وسبقتها زيارة هامة في 28 ديسمبر 2017، وعقد اجتماعات مع نظيره التونسي آنذاك “الباجي قائد السبسي”، ثم عقد عدة لقاءات مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس حركة “النهضة” “راشد الغنوشي” (الكتلة البرلمانية الأولى بالبرلمان 68 نائبا من أصل 217). وتعهد “أردوغان” بدعم الإقتصاد التونسي وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وأعلن عن منح الحكومة التونسية قروضاً ميسرة لدعمها بلغت قيمتها 30 مليون دولار، كما منحت أنقرة تونس يضاف إلى قرض سابق قيمته 300 مليون دولار. وتسعى البلدين لتضييق الفجوة في ميزان التبادل التجاري بينهم البالغ حاليًا مليار و125 مليون دولار لصالح تركيا. كما تم عقد اتفاق لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني بين البلدين لمكافحة التنظيمات الإرهابية. وقد انتقدت النخبة التونسية زيارة “أردوغان” لبلادهم حيث نظمت نقابة الصحفيين التونسية وقفة تضامنية مع الصحفيين الأتراك المسجونين في أنقرة ووصفت النقابة تركيا بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم.
وعام 2018 وقعت تونس وتركيا على اتفاقا مع شركة الدفاع التركية “بي.أم.سي” لإنتاج شحنات مدرعة كجزء من صفقة تمّ توقيعها مؤخّرا مع وزارة الداخلية التونسية. كما استنكر “اتحاد الشغل” التونسي استقواء أطراف سياسية ببلاده (حزب النهضة) بتركيا خلال الأزمة السياسية بالبلاد في نوفمبر 2019. وفي عام 2020 رفض النواب التونسيين التوقيع على اتفاقيتين تجاريتين تتيحان لتركيا وقطر توسيع نفوذهم في تونس، واتهموا “أردوغان” بأنه “يقود مشروعاً استعمارياً” ببلادهم. كما كشف في نفس العام عن شراكة غير قانونية بين مركز “سيتا” للدراسات السياسية والاستراتيجية بأنقرة، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في تونس، الذي يمتلكه ويديره “رفيق عبد السلام”، صهر زعيم الإخوان بالبلاد “راشد الغنوشي”. يقوم على تدريب الباحثين والمهندسين في اختصاصات مختلفة بتونس على يد مدربين وخبراء أتراك ثم يتم إرسالهم إلى العاصمة الليبية طرابلس، وهذا الاتفاق الظاهري بيد أن الحقيقة هي تدريب عناصر مسلحة قادمة من سوريا ليتم إرسالهم إلى ليبيا.
2-تعثر التطبيع المصري التركي:
عول كثر على نتائج الجولة الأولى والثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا التي عقدتا في 2021 بيد أنهم لم يسفرا حتى اليوم عن تقدم ملحوظ في تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، رغم الخطوات الإيجابية التي تقدمها الثانية حيث قامت بإغلاق عدد من القنوات الفضائية التي كانت تستهدف الدعاية السلبية للدولة المصرية وأعلنت عن رغبتها في تسليم عدد من المطلوبين جنائيا للقاهرة كما أعلنت صراحة رغبتها في التخلي عن دعم جماعات تيار الإسلام السياسي “الإخوان المسلمين”. وقد قابلت القاهرة تلك الخطوات بالترحيب بيد أن هناك عدد من الشروط المصرية لم تقدم تركيا على تنفيذها وما زال هناك عدد من الملفات العالقة أبرزها.. الخلاف بالملف الليبي والدعم التركي المستمر سياسيًا وعسكريًا للميليشيات المسلحة في طرابلس غرب البلاد. وكذلك الإصرار التركي على التنقيب غير الشرعي عن الغاز الطبيعي بسواحل شرق المتوسط، وكذلك استمرار العمليات العسكرية التركية بشمال سوريا والعراق والتي تدينها مصر بإستمرار وتطالب بوقفها واحترام أنقرة لسيادة ووحدة أراضي الدول العربية، وقد أصرت القاهرة على تضمين ذلك في البيان الختامي لوزراء خارجية جامعة الدول العربية الذي عقد بالقاهرة في نهاية مارس 2022.
3-التدخل العسكري التركي بالعراق وسوريا:
شنت تركيا عملية عسكرية جديدة باسم “قفل المخلب” داخل إقليم كردستان العراق يوم 18 أبريل 2022، ضد متمردي حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) في الأراضي العراقية، واستهدفت مناطقَ (متينا والزاب وأفاشين وباسيان) في شمال الإقليم، وذلك للرد على العمليات الإرهابية التي نفذها عناصر الحزب ضد القوات التركية المتمركزة على الحدود المشتركة. وقد اعترض العراق على تلك العملية التي تعد الخامسة لتركيا منذ عام 2015 داخل عمق الأراضي العراقية وتعد انتهاكا للقانون الدولي واعتداء على سيادة دولة أخرى. حيث نفت الحكومة المركزية ببغداد وحكومة أربيل وجود أي تنسيق مسبق مع تركيا قبل شن تلك العملية. واستدعت وزارة الخارجيّة العراقية السفير التركي ببغداد “علي رضا كوناي” احتجاجا على تلك العمليّة العسكريّة الأخيرة واسعة النطاق.
ورغم ذلك استمرت أنقرة في عملياتها العسكرية دون تراجع حيث قصفت منطقة دوكانيان بقضاء ماوت بمحافظة السليمانية ثاني مدن الإقليم في 22 أبريل الماضي، وهي في داخل العمق العراقي حيث تبعد (350 كم) شمالي بغداد، ويستمر القصف التركي بضراوة على مناطق متفرقة من الإقليم حتى اليوم. وقد أدت العملية التركية الى مقتل وإصابة العشرات من المواطنين التي أدعت أنقرة أنهم ينتمون لحزب “العمال الكردستاني”، كما أدت لنزوح مئات العوائل من 800 قرية استهدفها القصف مؤخرا. وقد أكد وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” أن المرحلة الأولى لعملية “قفل المخلب” العسكرية “حققت أهدافها بنجاح وستستمر”، وأوضح “أن تركيا لا تطالب بأراض أجنبية وتبدي احتراما لوحدة أراضي العراق واستقلاله وسلامته”.
هذا فضلا عن تهديد “أردوغان” بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا لإقامة المنطقة الآمنة بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، بغية محاربة الإرهاب من وجهة نظره الممثل في عناصر قوات “سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا وأوروبيًا، ثم إقامة المنطقة الآمنة وترحيل اللاجئين السوريين المتواجدين بتركيا والبالغ عددهم 5 مليون نسمة إليها، للتخلص من أعبائهم الاقتصادية لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي تؤثر سلبا على اقتصاد الأناضول. ورغم الرفض الأمريكي الروسي والإدانة السورية لهذا الإعلان التركي إلا أن أنقرة تصر علي شنها بعد استكمال الإعداد العسكري التام لها. الأمر الذي يمثل احتلال جديد لجزء من شمال سوريا بعد علميات “درع الفرات 2016، غصن الزيتون 2017، نبع السلام 2019” التي سيطرت من خلالهم تركيا على عدة مدن بشمال سوريا هي (تل أبيض، عين عيسى، الباب، عفرين).
ورغم ذلك فهناك ملفات تتفق فيها الرؤى التركية والسورية هي .. مواجهة الأكراد وإنهاء سيطرتهم على شمال سوريا وتقليص نفوذ “قسد” السياسي والعسكري لأنه يهدد الأمن القومي لأنقرة ودمشق. والملف الثاني هو ضرورة عودة اللاجئين بيد أن أنقرة ترغب في ترحيلهم للمنطقة الآمنة التي تعتزم إنشائها وإدارتها، ودمشق ترغب في عودتهم للداخل السوري ومدنهم القديمة للمساهمة في إعادة إعمارها. هذا فضلا عن مواجهة الخلايا النائمة لتنظيم “داعش” الإرهابي لضمان عدم عودته مرة آخرى. وقدمت تركيا عدة رسائل للتقارب مع دمشق ومنها تخفيف دعمها للمعارضة السورية حيث شهد “الائتلاف الوطني السوري” المعارض مؤخرا تغيّرات دراماتيكية في هيكلته، بدعم تركي حيث تم استبعاد العناصر التابعة للأخوان المسلمين منه وهي تأتي كخطوة لإرضاء دول الخليج ومصر للتأكيد على وقف الدعم التركي للجماعة. وتعد هذه الخطوة رسالة لدمشق على رغم رفضها للتطبيع مع أنقرة دون تحقيق مطالبها في إنهاء أنقرة احتلالها للأراضي السورية في الشمال، وإيقاف دعمها للفصائل المسلّحة ومنها “الجيش السوري الحر”.
ثالثا: مستقبل العلاقات التركية العربية:
وبناء على ما سبق يجب الإشارة إلى أن التقارب الخليجي التركي كان نتيجة لعدة متغيرات جيو سياسية في البيئة الإقليمية بالشرق الأوسط والدولية، ووجود بيئة إقليمية ودولية تدعم النهج التصالحي للدول، ومن بين العوامل الدولية ومنها تراجع الاهتمام السياسي الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط ككل، بعد رحيل “ترامب” وتبني الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “جون بايدن” نهجًا جديدًا في السياسة الخارجية يعتمد على تركيز تواجدها بمنطقة الاندوباسيفيك وتصنيف روسيا والصين كخصوم لها. وكان هذا دافع للقيادات السياسية في الشرق الأوسط لتغير توجهات سياستهم الخارجية والاعتماد على نهج أكثر تصالحا فيما بينهم لمواجهة التحديات المشتركة التي من بينها الإرهاب، والتراجع الاقتصادي، وتحقيق تقاسم نفوذ بين مصالحهم في المنطقة بعد سنوات من التنافس الذي بلغ حد الحرب بالوكالة في بعض الأحيان دون انتصار طرف على آخر. بينما تمثلت العوامل الإقليمية في ضرورة مواجهة تصاعد النفوذ الإيراني والإسرائيلي بالمنطقة الذي يتعارض مع المصالح العربية والتركية، والتعاون المشترك لمواجهة لإرساء الاستقرار في دول “الربيع العربي” بعد عقد كامل من التدمير الشامل الذي شهدته (سوريا، ليبيا، العراق، اليمن).
– كما أن الدول الخليجية ترى في تركيا دولة إقليمية ذو وزن استراتيجي يمكن أن تتحالف معها لمواجهة الاختلالات في توازن القوى إقليميا ودوليا في ظل الإرهاصات لتشكل نظام دولي جديد، فتركيا هي دولة إسلامية عضو بحلف الناتو مما يمحنها أهمية عسكرية وسياسية، كما أنها حليف لواشنطن رغم الخلافات معها وهنا يمكنها أن تتوسط بين الدول الخليجية وواشنطن لحل الملفات العالقة بينهم. كما أن تصاعد النفوذ الإيراني حال تم توقيع اتفاق نووي جديد أو عدم توقيعه ففي كلتا الحالتين سيتم توسع النفوذ الإيراني بالمنطقة بالاتفاق مع واشنطن أو للإضرار بمصالحها، ولذا فإن تركيا هي الدولة الإقليمية التي يمكنها مواجهة ذلك النفوذ سياسيا عبر التحالف الخليجي معها.
– عرف عن “أردوغان” قدرته البراجماتية الكبيرة التي تمكنه من التحول إيديولوجياً وسياسياً طوال عقدين من حكمه بشكل مثير للجدل، والدافع الرئيسي “لأردوغان” لإحداث هذا التغيير الجوهري في سياسته الخارجية تجاه الدول الخليجية خاصة ومصر وسوريا، هو الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ببلاده فهو يدرك أنه لن يتمكن من الفوز بالانتخابات الرئاسية العام المقبل دون حلها، كما أنه يعول على تصدير منتجاته الدفاعية لاسيما الطائرات المسيرة (بيرقيدار) للإمارات والسعودية، مما سيحقق طفرة في توسيع صادراتها العسكرية.
-منطقة الشرق الأوسط تشهد عملية “إعادة تموضع إقليمي” لملء الفراغ الدفاعي والاستراتيجي بعد الانسحاب الأمريكي منها والانشغال في الأزمة الأوكرانية، وهذه فرصة مناسبة للقوى الإقليمية ككل لإعادة ترتيب أوضاعها وتحالفاتها وصوغ توجهات جديدة لسياساتها الخارجية قائمة على المصالح المتبادلة وليس على الصدام أو التنافس.
ومن المعطيات السابقة نجد إن مستقبل العلاقات التركية العربية يرتبط بهدف “أردوغان” بالبقاء في الحكم، ولذا فإن السياسة الخارجية التركية تجاه الدول العربية خلال العام القادم وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية التركية في يونيو 2023 ستعتمد علي ..
-استمرار التقارب التركي الخليجي للحفاظ على الاستثمارات الاقتصادية ومعالجة أزمات الاقتصاد التركي
-تعثر التقارب المصري التركي نظرا لطبيعة الملفات الخلافية بينهم حيث أنها تمس الأمن القومي المباشر للقاهرة، بيد أن ذلك لن يمنع من تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدولتين.
-استمرار الاستهداف التركي العسكري والسياسي للعراق وسوريا، وشن المزيد من العمليات العسكري بشمال الدولتين، إلا أذا أعربت القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عن رفضهم المباشر لذلك.
-حدوث محاولات تركية للتدخل سياسيا في الدول العربية الصغيرة المتأزمة مثل تونس، ولبنان، واليمن. والاستفادة من عدم الاستقرار السياسي والتعثر الاقتصادي بتلك الدول في تعزيز النفوذ التركي الإقليمي دون إغضاب الحلفاء الخليجيين.
وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة وحال فوز “أردوغان” بها، فإنه سيقوم بتغير توجهات السياسة الخارجية لبلاده بناء على أهدافه الجديدة بعد بقائه بالحكم لولاية جديدة تمتد لأربع سنوات، بيد أنه في كافة الأحوال لن يغامر بإحداث توتر جديد في العلاقات التركية الخليجية لتجنب تفاقم الأزمة الاقتصادية ببلاده.