بقلم : ياوز أجار
بروكسل (زمان التركية) – مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، يتزايد الفضول والتكهنات حول “الأوراق” التي من المحتمل أن يلعب بها الرئيس رجب طيب أردوغان مع المعارضة لإزالة العثرات في طريق الفوز بولاية جديدة.
لا شك أن أردوغان سوف يستغل كل إمكانيات الدولة في سبيل الفوز بالانتخابات المزمع إجراؤها في 2023، لكن المعارضة لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستوجه ضربات إلى “خاصرة الحزب الحاكم”.
زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو حشر أردوغان في زاوية ضيقة مرة أخرى من خلال كشف الستار عما سماه “خطة أردوغان ودائرته الضيقة للهروب بأموالهم” الطائلة إلى الخارج، في حال خسارتهم الانتخابات، وفق ما تشير إليه استطلاعات الرأي المختلفة.
حشد البيروقراطيين ضد أردوغان
كشف زعيم المعارضة عن وثائق زعم أنها تثبت أن أردوغان ينقل كميات ضخمة من النقود إلى خارج البلاد، خاصة الولايات المتحدة، عبر كيانات موازية وموالية له مثل أوقاف “أنصار” و”تورجيف” العاملة في مجال الخدمات الطلابية.
بعث كيليجدار أوغلو من خلال هذه الخطوة رسائل عديدة، إحداها أنه يتدفق إليه كثير من الوثائق من “الجهاز البيروقراطي” المنزعج من الإدارة السيئة الحالية، تكشف المخططات الموضوعة وراء الأبواب المغلقة لتوجيه مسار السياسة في البلاد.
ويمكن أن نتوقع أن ما كشفه كيليجدار أوغلو عن فضائح أردوغان ليس إلا غيض من فيض أو هو الجزء الطافح من الجليد، وأنه سوف يواصل الكشف عن مزيد من هذه الوثائق في التوقيت المناسب.
ربما كانت الرسالة الأخطر لكيليجدار أوغلو موجهة إلى “الموظفين” الذين يتواطؤون مع النظام في جرائمه، من قبيل تطبيق قراراته المخالفة للقانون والدستور، حيث أكد لهم أن أردوغان وعائلته سوف يغدرون بهم في النهاية ويتركونهم ليواجهوا مصيرهم أمام المحاكم، في حين أنهم سيفرون إلى الخارج ليواصلوا حياة الرفاهية بالأموال التي نهبوها من الشعب.
التهديدات “الناعمة” لكيليجدار أوغلو ستمارس ضغوطًا على “الموظفين المترددين” من شأنها أن تحدث شرخًا كبيرًا بين أركان النظام، وتدفع كثيرًا منهم في الأيام القادمة إلى الاصطفاف مع أعضاء الجهاز البيروقراطي الذين يقاومون ضد أوامر أردوغان غير القانونية، ويضايقونه بتقديم وثائق سرية للمعارضة تكشف عن عوراته وسوآته.
خطوة كيليجدار أوغلو الأخيرة جاءت بعدما كشف منتصف الشهر الحالي (مايو 2022) عن تخطيط شركة “سادات” الأمنية لإثارة فوضى وبلبلة عارمة تمهد الطريق لإعلان حالة طوارئ جديدة قبيل الانتخابات تسهل عملية التلاعب في النتائح، مما لم يترك لأردوغان أي خيار سوى الظهور على الشاشات التلفزيونية ونفي أي صلة بينه وبين هذه الشركة، رغم أن مؤسسها الجنرال المتقاعد عدنان تانري فردي كان مستشارًا له في الشؤون الأمنية حتى وقت قريب.
إن تراجع أردوغان خطوة إلى الوراء أو تخليه عن الكيان (سادات) الذي تربطه بها علاقة وثيقة منذ رئاسته لبلدية إسطنبول في التسعينات، ووظفه حتى اليوم في تنفيذ مخططاته المحلية والإقليمية، في أعقاب تصريحات كليجيدار أوغلو، يدل على أنه فقد سيطرته على الساحة السياسية وقابليته في تحديد أجندة البلاد لصالح المعارضة.
رياح عملية جديدة في سوريا
أردوغان بات اليوم في وضع لا يحسد عليه، حيث انضم هذه المرة الانهيار الاقتصادي إلى قائمة العوامل التي تقوض شعبيته، بسبب نهجه التدخلي في شؤون الإدارة الاقتصادية، وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على أنصاره أيضا، والذين يتشكل معظمهم من محدودي الدخل.
لكن أردوغان، هذا السياسي الذي تعود على المراوغة، استطاع بشكل أو بآخر الحفاظ على حكمه في البلاد، ومكانته في قلوب قاعدته الشعبية منذ عقدين كاملين لن يستسلم للمعارضة بسهولة، وإنما سيوظف كل مهاراته لضمان ولاية ثانية في الرئاسة، لأن درع السلطة لم يعد خيارا له بل بات ضرورة لحماية شخصه وعائلته من محاكمات محتملة في حال خسارته الانتخابات القادمة.
كشف أردوغان مؤخرا عن أهم أوراقه التي يتوقع أنها ستحرك أشرعة سفينته نحو انتصار انتخابي جديد عندما أعلن أن بلاده تخطط لإطلاق عملية عسكرية خامسة في سوريا وإنشاء منطقة آمنة قرب الحدود المشتركة، تمهيدا لنقل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين من تركيا إلى المجمعات السكنية المزمع إنشاؤها هناك على الجانب الآخر من الحدود.
في تصريحات لقناة “روداو تي في” التي تبث من إقليم كردستان العراق، قال ياشار ياكيش، وزير الخارجية في أولى حكومات حزب العدالة والتنمية، إن الفرصة سانحة للرئيس أردوغان من أجل توغل جديد في الأراضي السورية وسط انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وحاجة الناتو إلى موافقة تركيا على عضوية السويد وفلندا.
وبأغلب الاحتمال فإن أردوغان يشترط في مفاوضاته مع الناتو السماح لهذه العملية العكسرية الجديدة في سوريا من أجل الموافقة على عضوية دول الشمال الأوروبي. ومع أن الغرب لن يقدم دعما علنيا لزعيم سيئ السمعة مثل أردوغان، لكنه من المحتمل أنه لن يمنعه؛ نظرا لأن هذه الخطوة قد تتوافق مع مصالحه الاستراتيجية الرامية إلى إضعاف روسيا في سوريا والمنطقة عموما.
بفضل هذه العملية سيسعى أردوغان من جانب إلى تخفيف الضغوط عليه التي تشكلها قضية اللاجئين السوريين، ومن جانب آخر سيطلق دعاية يستخدم خلالها خطابات وشعارات تدغدغ مشاعر قاعدته “الإسلامية” والقاعدة “القومية” لحليفه دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية من جانب آخر، تماما كما نجح في استغلال العمليات العسكرية السابقة لنفس الغرض.
محاولة اغتيال مفبركة!
وهناك محللون سياسيون، من بينهم الكاتب ممدوح بايراكتار أوغلو، المعروف بتوجهاته الليبرالية والعلمانية، يشيرون إلى أن تصعيد الاستقطاب بين العلمانيين والإسلاميين إلى مستويات خطيرة قبيل الانتخابات من بين أوراق أردوغان. وقد يصل الأمر إلى تدبير محاولة اغتيال “مفبركة” ضد شخصه أو اغتيالات حقيقية ضد زعماء معارضين تخلق في صفوف المجتمع خندقا للإسلاميين وآخر للعلمانيين يحتمون وراءه ويهاجمون من خلاله بعضهم البعض.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الإعلان عن إفشال القوات الأمنية محاولتي تفجير انتحاري خلال يومين، إحداهما في غازي عنتاب والأخرى في شانلي أورفة، على نحو غريب يبدو وكأنها تصرفات بهلوانية، فإنه من الممكن أن تكون مثل هذه الأحداث تستهدف تحضير أذهان الرأي العام لمحاولة الاغتيال المذكورة.
لنا أن نتصور الضجة الكبيرة التي ستثيرها مثل هذه المحاولة لو تم تدبيرها في أماكن لها أهمية رمزية كمسجد أياصوفيا مثلا، وتحميل إحدى الجهات العلمانية المسؤولية، ترافقها دعاية مفادها أن “الإسلام” و”الأذان” و”العلم” في خطر، مما سيشحن مشاعر الجماهير المحافظة ويدفعهم إلى الالتفاف حول أردوغان باعتباره زعيما إسلاميا مظلوما، وبطلا، في الوقت ذاته، يتعرض لهذا الهجوم بسبب هويته الإسلامية فقط!
سادات درع أردوغان السري
قد يبدو كل ما ذكرنا أعلاه غريبا ومبالغا فيه لمن لا يتابعون الشأن التركي عن طريق مصادر معارضة أو محايدة، لكن التصريحات الأخيرة لزعيم حزب “الظفر/النصر” أميت أوزداغ أثبتت مرة أخرى أن ما سمي بالانقلاب الفاشل في 2016 كان مدبرًا من قبل أردوغان وحلفائه، وليس هناك أي مانع من تكرار سيناريو مشابه له أيضا.
وقد صرح أوزداغ أن عدنان تانري فردي، مؤسس شركة سادات الأمنية، ومستشار أردوغان السابق، اعترف له بالدور الذي لعبوه في ليلة الانقلاب المزعوم، وذلك بعدما ظن أنه من قيادات حزب العدالة والتنمية.
قال أوزداغ إنه حينما كان في رحلة جوية صادف عدنان فردي على متن الطائرة وتبادلا التحية، وشرعا في الحديث، كان مضمونه وفق أوزداغ: “سألت تانري فردي: بينما كنت ضابطا في القوات الخاصة بالجيش كان هناك قسم معني بالتدريب على مقاومة الثورات، وأنت كنت رئيس هذا القسم (قبل 1994)، فهل أنتم من توليتم نشر الحافلات والشاحنات أمام الثكنات العسكرية ليلة انقلاب 15 يوليو 2016؟ فتبسم وحرك رأسه تحريكا يدل على الإيجاب. ثم قال (تانري فردي) إنهم دربوا مدنيين قبل الانقلاب على مواجهة المدرعات العسكرية والاستيلاء عليها.. ثم أكد تانري فردي أن القسم الذي يقدم تدريبات في هذا المجال ضمن شركة سادات لا يزال فعالا”.
وأشار أوزداغ إلى أن تانري فردي أعطاه كل هذه المعلومات لأنه كان يعتقد أنه برلماني من حزب العدالة والتنمية، ولم يكن يعرف أنه من حزب معارض، وأنه عندما علم بانتمائه السياسي، عقب تبادلهما بطاقة عملهما بعد الانتهاء من الحوار، صرخ وأمسك جبهته بيده كدليل على الصدمة والندم. وقدم أوزداغ الحارس الشخصي لتانري فردي كشاهد على صحة تلك التصريحات الصادمة التي تكشف اليد الخبيثة الحقيقية التي تقف وراء تلك الليلة المشؤومة.
وكان الضابط المدعو عثمان جورير، الذي سبق أن عمل ضمن شركة سادات لمدة أربع سنوات، أقر بأنه وأمثاله من عناصر سادات أشرفوا على تنفيذ الانقلاب في 2016، وأنهم كانوا يتمتعون بصلاحية الدخول والخروج من وإلى الثكنات العسكرية واستخدام أدوات ومعدات تابعة للجيش”، مما يزيح الستار عن تفاصيل المؤامرة الدموية التي حاكوها في تلك الليلة وهوية الذين قتلوا مئات المدنيين ثم مشوا في جنازتهم على نحو لا يدع مجالا للشك.
وإذا علمنا أن الإقدام على هدم رموز كبيرة، والهجوم على قيم سامية، وشخصيات مهمة، بطريقةٍ توجّه أصابع الاتهام إلى العدو من قواعد الحرب النفسية التي تستهدف رص صفوف المؤيدين وتعزيز مقاومتهم وصمودهم أمامه، وطبقتها حكومات أو قوى سياسية ملطخة في تركيا والعالم على حد سواء، تتضح أكثر خطورة الاحتمالات المذكورة أعلاه.
وطالما أن الواقع كما صورنا فإن الكشف عن كل سيناريوهات أردوغان المحتملة وإحباطها قبل تحققها مهمة تقع على عاتق كل من المعارضة وأعضاء الجهاز البيروقراطي النزهاء، ووسائل الإعلام الحرة حتى يتم تداول السلطة بشكل سلمي بغض النظر عن الحزب الذي سيتسلم زمام الأمور في تركيا.
–