أنقرة (زمان التركية) – نشرت صحيفة الديلي صباح التركية مقالا مطولا، في سياق المصالحة التي تنشدها حكومة حزب العدالة والتنمية مع الدولة المصرية، لا سيما بعد أن نجحت الحكومة التركية في نقد خلافات السنوات الماضية مع كلا من دولة الإمارات العربية وكذلك السعودية.
الحكومة التركية تسعى اليوم لفتح صفحة جديدة مع كل الدول التي كانت نفس الحكومة سببا في تدهور العلاقات معها في السنوات الأخيرة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول أو مهاجمتها وتصويرها بصورة العدو للدولة التركية وهو مالم يطابق الواقع على أية حال.
جاء المقال الصحيفة الموالية للحكومة التركية، محللا لأهمية التصالح بين مصر وتركيا وما ستجلبه تلك المصالحة على كلا الدولتين من مكاسب اقتصادية وتعاون في مختلف المجالات، واتخذ المقال من زيارة وزير المالية التركي إلى مصر منطلقا للحديث عن أهمية وأهداف المصالحة بين البلدين.
ويجد القارئ أن لهجة المقال وإن كانت تدعوا للمصالحة إلا أنها في نفس الوقت لازالت ترى ثورة يونيو 2013 على أنها (انقلابا) على الديمقراطية وجاء المقال كالتالي :
على الرغم من أن العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر لم تتوقف إلا أنها تدهورت بعد الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، في انقلاب بعد عام واحد فقط من توليه المنصب. ومع ذلك، فإن الخبراء يرون أن اللهجة التصالحية التي تم تبنيها قبل زيارة وزير المالية التركي إلى مصر يمكن أن تمهد الطريق لعلاقات اقتصادية أعمق في وقت تحتاج فيه الدول النامية إلى التعاون لحماية نفسها من الأزمات المالية.
سوف يتوجه وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين النبطي إلى مصر الشهر المقبل لحضور اجتماع البنك الإسلامي للتنمية، وتعد هذه أول زيارة على المستوى الوزاري لمصر منذ تسع سنوات، وقد أكد أحمد ذكر الله، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر بالقاهرة، أن الزيارات الثنائية بين مصر وتركيا لم تتوقف بشكل كامل خلال السنوات القليلة الماضية، مذكرا أن وزير الخارجية المصري سامح شكري شارك في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في تركيا، على غرار الزيارة المرتقبة لوزير المالية التركي، وعلى الرغم من أن تلك الزيارة ليست في إطار الزيارات الوزارية الثنائية، إلا أنه “لا ينبغي الاستهانة فهي خطوة مهمة في طريق تطبيع العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا” وذلك بحسب قول ذكر الله في مقابلة مع صحيفة ديلي صباح.
في أعقاب الاضطرابات السياسية في مصر بعد الإطاحة بمرسي، أكدت أنقرة أنه لا يمكن عزل رئيس منتخب ديمقراطياً عن طريق انقلاب عسكري، وأعربت عن انتقادها للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وداعميه بما في ذلك الغرب وبعض خصوم أنقرة في منطقة الخليج، ومن جهة أخرى حثت الحكومة المصرية تركيا على عدم التدخل في قضية تعتبرها شأن داخلي، وأدى الخلاف إلى طريق مسدود في العلاقات الثنائية لسنوات عديدة.
واليوم وبعد سنوات من التوتر تعمل تركيا على إصلاح علاقاتها المتوترة مع القوى الإقليمية، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ويعتقد مصطفى عبد السلام الاقتصادي المقيم في الدوحة، أن زيارة وزير المالية التركي إلى مصر هي مؤشر إيجابي للغاية على التطورات القادمة مما قد يفتح الباب أمام المصالحة بين البلدين.
وقد صرح لصحيفة ديلي صباح بقوله “الشيء الآخر هو أن هذه الزيارة ستساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها جميع دول العالم”. وعقب عبد السلام بقوله إن دولاً ناشئة مثل مصر وتركيا تواجه حاليًا أزمة “على سبيل المثال أزمة الوقود والغاز، وزيادة أسعار المواد الغذائية، إلى جانب التضخم المرتفع الذي يجتاح العالم”.
وقال إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتبع اتجاهاً يتمثل في زيادة أسعار الفائدة وبالتالي سحب الأموال والاستثمارات غير المباشرة من الأسواق الناشئة مثل مصر وتركيا، مشيراً إلى أن “هنا تأتي أهمية زيارة الوزير التركي إلى القاهرة لبحث إمكانية التعاون بين الدولتين في المجال الاقتصادي وإيجاد نقاط تقارب جديدة “. وأوضح أن “العلاقات الاقتصادية محمية من المشاكل السياسية التي حدثت منذ 2013 ويحرص الجانبان على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والمصالح المشتركة بعيداً عن الخلافات السياسية”.
وبحسب كل من ذكر الله وعبد السلام، لم تتأثر التجارة الثنائية بالأجواء السياسية بل إنها في الواقع ارتفعت، كما أثبتت الأرقام الرسمية، فقد أكد ذكر الله أن تركيا أصبحت المستورد الأول للبضائع المصرية خاصة البتروكيماويات بحسب البيانات التي قدمتها بلاده، في الوقت الذي تجاوزت فيه الصادرات التركية إلى مصر 21 مليار دولارفي الفترة ما بين 2014 إلى 2021 .
كما أشار ذكر الله إلى أن مصر تستورد معظم احتياجاتها سواء كانت منتجات زراعية أو غذائية أو سلعًا مصنعة، مشيرًا إلى أن المنتجات التركية أصبحت الآن بدائل جيدة للمنتجات الصينية نظرًا لكونها عالية الجودة ويمكن نقلها بتكلفة فعالة، لا سيما بعد زيادة أسعار الشحن في آسيا في فترة ما بعد الجائحة.
ومن المهم ذكره في هذا السياق أن كلا من القاهرة وأنقرة وقعتا اتفاقية التجارة الحرة (FTA) في عام 2005 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2007 وظلت سارية، وهو ما أدى إلى تضاعف إجمالي حجم التجارة بين البلدين ثلاث مرات تقريبًا بين عامي 2007 و 2020 مما يدل على أن كلا البلدين يحمي تبادلاتهما الاقتصادية من الخلافات السياسية.
وصرح ذكر الله “إن مصر تدرك هذا الأمر جيدًا، بالإضافة إلى أن المنتج التركي يحظى أيضًا بشعبية كبيرة في مصر” وأشار إلى وجود عدد كبير من شركات النسيج التركية العاملة في منطقة برج العرب بالإسكندرية ومناطق أخرى، مما يوفر فرص عمل كبيرة للمصريين تقدر بأكثر من نصف مليون، وأضاف عبد السلام أن الأنباء تتوارد حول أن بعض الشركات التركية تخطط لزيادة استثماراتها في مصر إلى 15 مليار دولار، وليزيد حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنويا، وأكد حرص مصر على زيادة الصادرات إلى تركيا لأن الصادرات هي أكبر مصدر للنقد الأجنبي في البلاد، مشيرًا إلى أن الإيرادات السنوية من الصادرات تتجاوز 32 مليار دولار وهو مبلغ مهم للميزانية المصرية.
التعاون في شرق المتوسط
وبحسب ذكر الله فإن مصر وتركيا يدركان أهمية الثقل الجغرافي الاستراتيجي لبعضهما البعض، لذلك هناك جهد كبير للعودة إلى تطبيع العلاقات و “الباب الاقتصادي هو الخيار الأفضل”. وأشار ذكر الله وعبد السالم إلى أن من أهم مجالات التعاون المحتمل هو التعاون فيما يخص منطقة شرق المتوسط، وقال ذكر الله إن “قضية غاز شرق المتوسط تظل الأهم بالنسبة لمصر وتركيا” مضيفاً “أعتقد أن البلدين يسعيان جاهدين لإيجاد تفاهمات مشتركة”.
وقال “إن التقارب بين البلدين يمكن أن يوفر نقطة انطلاق مشتركة للسعي التركي لخفض فاتورة الغاز نتيجة إنتاج الطاقة من شرق البحر المتوسط والسعي المصري لأن تكون مركزًا للطاقة في المنطقة”.
وبالمثل، قال عبد السلام إنه من الممكن التعاون في إنشاء خط أنابيب مشترك بحيث تصدر مصر الغاز إلى أوروبا، مشيرًا إلى أنه ستكون هناك أيضًا فرص تعاون كبيرة في مجال التنقيب في شرق البحر المتوسط وترسيم الحدود.
ومن الهام ذكره في هذا السياق أنه في نوفمبر 2019 وقعت تركيا وليبيا اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية يوفر إطارًا قانونيًا لمنع أي أمر واقع من قبل دول المنطقة. وبناءً على ذلك، تم تفادي محاولات الحكومة اليونانية للاستيلاء على أجزاء شاسعة من الجرف القاري الليبي، عندما عصفت أزمة سياسية بالدولة الواقعة في شمال إفريقيا عام 2011، كما أكد الاتفاق أن تركيا وليبيا دولتان مجاورتان بحريتان. يبدأ ترسيم الحدود من فتحية – مرماريس – كاش على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا ويمتد حتى ساحل درنة – طبرق – بورديا في ليبيا.
ورداً على ذلك وقعت مصر واليونان اتفاقية في أغسطس 2020 تحدد منطقة اقتصادية خالصة (EEZ) في شرق البحر المتوسط بين البلدين، وسلط عبد السلام الضوء على أهمية اتفاقية الخط الملاحي التي تم توقيعها في أنقرة عام 2012 والتي تهدف إلى تسهيل نقل الصادرات بين البلدين واستخدام الموانئ المصرية لنقل الصادرات التركية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وأشار إلى أنها حققت نجاحا كبيرا في البداية إلا أن الخلافات السياسية بين البلدين أوقفتها، وأنهى اللقاء بقوله أعتقد أن تركيا بحاجة إلى استعادة هذا الخط خاصة بعد استعادة علاقتها مع دول الخليج، كما تحتاج مصر إلى هذه الاتفاقية لزيادة صادراتها بسبب حاجتها للنقد الأجنبي.
هكذا كانت المقالة والتي تعرض وجهة نظر الحكومة التركية من خلال خبراء الاقتصاد وهو ما يمثل دعوة مباشرة للحكومة المصرية لاتخاذ خطوات تجاه التصالح مع حكومة أنقرة، إلا أنه من الملاحظ أيضا أن المقال لم يغفل نقاط الخلاف بين البلدين لا سيما فيما يخص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا وهو ما لم تقبله الدولة المصرية، إلا أنه مما لا شك فيه كون زيارة وزير المالية التركي هامة ويبدوا واضحا أن تركيا تريد لتلك ألزيارة أن تكون ممهدة لتسريع محادثات التصالح الثنائية بين البلدين.