بقلم: ياوز أجار
بروكسل (زمان التركية) – بادر زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، إلى تحميل شركة أمنية مرتبطة بالحكومة، المسؤولية من الآن عن وقوع أي حادث يهدد أمن الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2023، وهو ما يفتح بابًا واسعا للتساؤل حول ماهية تلك التهديدات والدوافع وراءها.
زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو توجه برفقة مجموعة من نواب حزبه إلى مقر شركة “سادات” للاستشارات الدفاعية الدولية في إسطنبول، من أجل الحصول على معلومات من مسؤوليها بشأن الأنشطة التي تمارسها والموارد التي تدير بها أعمالها، إلا أن الشركة رفضت استقبالهم وإعطاء أي معلومات لهم.
كيليجدار أوغلو قال في بيان صحفي أمام مقر شركة “سادات” المملوكة للجنرال السابق عدنان تانريفيردي الذي كان يشغل حتى وقت قريب منصب مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان، “من الآن فصاعدا إذا حدث أي شيء يخل بأمن الانتخابات، فإن شركة سادات والسراي (أردوغان) يتحملان المسؤولية.. سادات منظمة شبه عسكرية تدرب الإرهابيين على حرب غير تقليدية -قتال شوارع-، بما في ذلك الغارات والكمائن والتدمير والاغتيال والإرهاب، لن نسلم تركيا أبدًا إلى هذه المنظمات أو الشركات شبه العسكرية”.
وأشار كيليجدار أوغلو إلى الصلة الوثيقة بين الرئيس رجب طيب أردوغان وشركة سادات، قائلا: “هذه المنظمة كانت تقدم لأردوغان خدمات استشارية حتى وقت قريب. لقد قدم إلى تركيا ملايين الأشخاص من سوريا، ومنظمة سادات لعبت الدور الأكبر في وصولهم إلى هنا. وأود أن أسأل أردوغان: لماذا اتخذت -من رئيس- هذه المنظمة مستشارًا لك، ولأي سبب؟ هل تعاملت مع هذه المنظمة؟ حتى الآن لم يقدم أردوغان أي معلومات عن هذا الموضوع”.
وتابع زعيم المعارضة: “نحن قوميون ووطنيون، ولا نخاف من هذه المنظمة، بل الذين يخافون هم أولئك الذين لا يفتحون أبوابهم لنا. لقد جئنا إلى هنا للحصول على معلومات منهم، لكنهم لجأوا إلى أوكارهم بسبب مخاوفهم. سيبذل حزب الشعب الجمهوري قصارى جهده لإجراء انتخابات ديمقراطية في هذا البلد. منظمات مثل سادات، أيا كانت، ستتحمل المسؤولية عن أي شيء يلقي بظلاله على الانتخابات”.
تصريحات كيليجدار أوغلو أثارت ضجة كبيرة في الرأي العام والأوساط السياسية، وتصدرت أجندة تركيا، وأصبحت القضية الأكثر تفاعلا من قبل المحللين السياسيين، إذ كشف رئيس تحرير موقع “خبردار” التركي سعيد صفاء، الذي يتميز بباعه الطويل في متابعة قضية شركة سادات، أن كيليجدار أوغلو تلقى معلومات من الموظفين في الجهاز البيرقراطي بتحضير أردوغان لسيناريو فوضى دموية في البلاد من أجل التلاعب في نتائج الانتخابات القادمة.
وفيما يتعلق بهوية هؤلاء “الموظفين البيروقراطيين”، قال سعيد صفاء إن الذين يزودون كيليجدار أوغلو بما يدور خلف الأبواب المغلقة يتألفون من المجموعات المختلفة للغاية، بمن فيهم المحافظون الذين يستاؤون من طريقة أردوغان في إدارة البلاد وخروجه على قواعد اللعبة الديمقراطية، إلى جانب موظفين ذوي انتماءات علمانية وقومية.
شركة سادات للاستشارات الدفاعية تأسست في عام 2012 على يد العميد السابق عدنان تانريفيردي، المطرود من الجيش عام 1996، في إطار حملة تطهير ضد “الإسلاميين”، ومن ثم تحولت إلى مؤسسة تستقبل الإسلاميين المطرودين من المؤسسة العسكرية.
شغل تانريفردي منصب كبير المستشارين الأمنيين للرئيس أردوغان، قبل استقالته في يناير العام الماضي، بسبب تصريحات مثيرة تحدث فيها عن أنشطة وأهداف شركة سادات، قائلا: “ألا نؤمن بأن المهدي سيأتي؟ فهل سننتظر قدومه مكتوفي الأيدي.. نحن نمهد الطريق بأنشطتنا لقدوم المهدي” على حد تعبيره.
من جانبه، أزاح الكاتب والصحفي أرك أجار أر في برنامج على قناة “آرتي جرشك” الستار عن معلومة مثيرة تكشف النقاش الدائر حول شركة سادات حتى بين أركان الحزب الحاكم، حيث قال: “عندما توجه القائمون على شركة سادات لتسجيل أوراق الشركة رسميا في عام 2012، وواجهوا اعتراضًا من المسؤولين هناك، أكدوا أنهم يتحركون في إطار علم الحكومة”.
بعد رفض الشهر العقاري، بدأ المشرفون على الشركة البحث عمّن يمكنه أن يتوسط لتجاوز المشكلة، فتوجهوا إلى مقر رئاسة الوزراء، وقابلوا هناك بولند أرينتش، نائب رئيس الوزراء أردوغان في ذلك الوقت، وعندما تحدثوا عن رغبتهم في تأسيس شركة “خاصة” للاستشارات الأمنية والدفاعية قال أرينتش: “ما الحاجة إلى ذلك في ظل وجود الجيش الوطني ومؤسساته المعنية بهذا المجال”، لكنهم استطاعوا حل هذه المشكلة بطريقة ما وأسسوا في النهاية شركتهم في 2012، بحسب مصادر الصحفي أجار أر.
أنشطة سادات الداخلية والخارجية
الجنرال عدنان تانري فردي أسس مركز الدراسات الاستراتيجية للمدافعين عن العدالة (ASSAM) في 2000، لتكون “النواة الأولى” لشركة “سادات” (SADAT) التي أسسها في فبراير 2012 مع 23 ضابطًا عسكريًا متقاعدًا، على غرار شركة “بلاك ووتر” الأمريكية، و”فاغنر” الروسية، ويطور أفكارًا ومشاريع وإستراتيجيات لتنفيذ “مشروع أردوغان” في تركيا والمنطقة.
تعرّف الشركة نفسها على موقعها الرسمي بهذه العبارات التالية: “شركة سادات هي الأولى والوحيدة التى توفر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية في مجال الدفاع العالمى بتركيا.. ومهمتها تتمثل في مساعدة تركيا والعالم الإسلامي كله في الاكتفاء الذاتي من حيث القوة العسكرية”.
تحركات تانري فردي توافقت تمامًا مع أفكار هاكان فيدان، الذي تسلم منصب المخابرات في 2011، حول ضرورة الانفتاح على منطقة الشرق الأوسط، وإجراء فعاليات استخباراتية خارجية.
مركز الدراسات الاستراتيجية للمدافعين عن العدالة بدأ أنشطته تحت قيادة تانري فردي بإقامة مؤتمرات محلية ودولية نوقشت فيها قضايا تخصّ تأسيس “اتحاد إسلامي عالمي” أو “إحياء الخلافة الإسلامية”، من جانب؛ وأخذت شركة سادات تدرب القوات الأمنية والعسكرية في العالم الإسلامي، على الحرب غير النظامية، خصوصًا في قطر والسودان وتونس وليبيا والجزائر والعراق وسوريا، من جانب آخر.
ويقول بعض المحللين إن هذه الشركة تعتبر الهيئة العليا التي توزع مهام على كل تيارات الإسلام السياسي والمجموعات شبه المسلحة المرتبطة بها في تركيا ومنطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموما.
بصمات “سادات” ظهرت لأول مرة في “حرب الشوارع” بالمدن الشرقية ذات الأغلبية الكردية، عقب الإطاحة بطاولة مفاوضات “السلام الكردي” التي أجرتها الحكومة مع عبد الله أوجلان، زعيم العمال الكردستاني في 2015. فقد كتبت صحف ووكالات أنباء كردية في ذلك الوقت أن مجموعة من الجهاديين الأجانب، الذين دربتهم “سادات” عسكريًّا في سوريا، استخدمهم أردوغان في حرب الشوارع الدائرة في عديد من المدن والبلدات الكردية، مثل “سور” و”الجزيرة” و”شرناق”، ضمن قوات الأمن والقوات الخاصة.
كان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي تمكن من تحقيق الحد الأدنى للتمثيل البرلماني وحصل على 80 مقعدًا برلمانيًّا في الانتخابات البرلمانية المنعقدة في 7 يونيو 2015، فيما منع أردوغان حزبَه، الذي كان يرأسه في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو، من عقد أي حكومة ايتلافية، وقرر إعادة الانتخابات في 1 نوفمبر من العام نفسه بعد الإطاحة بطاولة السلام مع الأكراد.
هذه الفترة تحدث عنها رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو في 2020 بعد انشقاقه من حزب العدالة والتنمية، قائلا: “لو فتحنا ملفات الحرب على الإرهاب فلن يستطيع أردوغان وحزبه مواجهة الأتراك مرة أخرى”، في إشارة منه إلى هذه الحرب “الدموية” التي حركت أشرعة “الإسلاميين” تحت قيادة أردوغان، و”القوميين” تحت قيادة حليفه دولت بهجلي، وقدمت لهم “الحكومة المنفردة” في طبق من ذهب في الانتخابات المعادة بعدما فقدوها في الانتخابات السابقة.
البرلمان لم يستطع مناقشة “سادات”
نقل حزب الشعب الجمهوري الموضوع إلى البرلمان، إذ ورد في الاستدعاء المقدم إلى رئاسة البرلمان أن هناك ادعاءات بتجميد “سادات” تدريباتها في الداخل السوري بعد أن حصلت الأجهزة الاستخباراتية الغربية على معلومات تفيد تلقي عناصر تنظيم داعش التدريب على يدها، بينما واصلت المنشآت العسكرية السرية التدريبَ داخل المخيمات في تركيا، وأن بعض الشباب الملتحقين بهذه المخيمات ينتمون إلى الأذرع الشبابية لحزب العدالة والتنمية وجمعية “الغرف العثمانية” (عثماني أوجاكلاري) المقربة من أردوغان. ويحذر الاستدعاء من أن تكون فعاليات الشركة بمثابة لبنات أولى لحرب أهلية وعمليات اغتيال وتخريب محتملة، لكن البرلمان لم يستطع مناقشة تلك الادعاءات بسبب الانقلاب المزعوم في 2016!
وقد ادعى المسؤول رفيع المستوى السابق في وزارة الدفاع الأمريكية الكاتب المعروف مايكل روبين أن مليشيات سادات قتلت كثيرًا من المدنيين في ليلة الانقلاب الفاشل، بما فيها قطع رؤوس بعض الطلبة العسكريين، الأمر الذي يفسر سبب رفض الحكومة تشريح جثمان أي منهم والتحقيق البالستي في الرصاصات المستخدمة أثناء أحداث تلك الليلة المشؤومة.
كما أن الضابط المدعو عثمان جورير، الذي سبق أن عمل ضمن “سادات” لمدة أربع سنوات، أدلى بتصريحات للصحفي آدم قره جوبان عبر قناته الشخصية على صفحة يوتيوب في عام 2021، أقر فيها بأنه وأمثاله من ضباط الشركة من نفذوا ما سمي بـ”الانقلاب الفاشل”.
وكتبت تقارير غربية أن عديدًا من القيادات العليا في حلف شمال الأطلسي “الناتو” تؤكد خطورة التحوّلات والتغيّرات التي يحدثها أردوغان في بنية الجيش الوطني بحجة تطهيره من “الانقلابيين”، وتحذر من أن يضطر الناتو إلى العمل مع جيش إسلامي راديكالي في المستقبل إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال نظرًا لأن تركيا عضو في هذا الحلف منذ 1952.
ويشير محللون سياسيون إلى أن سادات تشكّل جيش أردوغان السريّ على غرار الحرس الثوري الإيراني، لكنها اليوم في طريقها إلى أن تحلّ محل الجيش الوطني وتكون الجيش الرسمي لتركيا بفضل حركة الفصل والإحلال الموسّعة عقب محاولة الانقلاب التي وصفها أردوغان بأنها “هدية من الله!”.
وقد اعترف تانري فردي نفسه بذلك في تصريحات أدلى بها في 2021 قائلا: “جميع مقترحاتنا الخاصة بإعادة هيكلة القوات المسلحة تحققت في أعقاب انقلاب الفاشل. فقد طالبنا بتبعية جميع المدارس العسكرية لوزارة الدفاع وهو ما تم بالفعل. وكذلك طالبنا بفصل إدارة قوات الدرك عن رئاسة الأركان وإتباعها لوزارة الداخلية، وهو ما حدث بالفعل. وأيضًا طالبنا بتغيير هيكل مجلس الشورى العسكري، وهو ما حدث بالفعل. فقد كان يضم قديما اثنين من المدنيين فقط وهما رئيس الوزراء ووزير الدفاع، مقابل أربعة عشرة جنرالات، أما اليوم فيضم سبعة مدنيين، وهم رئيس الوزراء وثلاثة من نوابه ووزير الدفاع ووزير العدل ووزير الداخلية ووزير الخارجية. وبالتالي باتت الإرادة المدنية هي التي تهيمن على القرارات المتخذة داخل مجلس الشورى العسكري. كما طالبنا بإلغاء القضاء العسكري وإقرار النظام الرئاسي وهما ما حدث بالفعل”.
وبحسب المعلومات التي قدمها سعيد صفاء، فإن “سادات” تدرب الجهاديين في كل العالم الإسلامي، على عمليات المداهمة والقنص وغلق الطرق والتخريب والإنقاذ والخطف، والعلوم الاستخباراتية، وحرب العصابات، وعمليات القوات الخاصة، والحروب النفسية، والعمليات البرية، والحماية، والتخريب، وطرق الاستجواب، ونقل أسلحة ومعدات عسكرية إليهم، لكي ينشؤوا منهم جيوشًا موازية وتوظفها في إسقاط الأنظمة الحاكمة وتأسيس جمهوريات إسلامية تابعة لدولة الخلافة، عاصمتها إسطنبول، وزعيمها أردوغان.
شركة سادات تتمتع بنفوذ قوي في ليبيا أيضًا منذ عام 2013، بعد وقت قصير من سقوط معمر القذافي والصراع المستمر الذي أعقب ذلك، إلى جانب أنها نسقت إرسال جنود مرتزقين إلى كل من ليبيا ومنطقة كاراباغ المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا.
وفي العام الماضي، اتهم سادات بكر، زعيم المافيا التركي، المقيم حاليا في الإمارات، شركة سادات بإرسال أسلحة إلى هيئة تحرير الشام، -جبهة النصرة سابقًا- في عام 2015، كما كشف عن اغتيالات محتملة قد تستهدف معارضين في الداخل والخارج قبيل انتخابات 2023، مما دفع حزب الشعب الجمهوري إلى تقديم اقتراح برلماني مرة أخرى للتحقيق في أنشطة الشركة الداخلية والخارجية، لكن الطلب رفض بأصوات التحالف الحاكم بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.
أردوغان يولي اهتماما خاصا للانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2023، حيث وصفها بأنها “مفترق طرق للبلاد والأمة”، وأن “أهميتها تتجاوز مستقبل حزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور الحاكم”، مما يشير إلى جاهزيته وتصميمه على اللجوء إلى كل الوسائل للفوز بها.
لكن تصريحات كليجدار أوغلو الأخيرة تدل على أن هناك “إرادة” أو “قوى متصارعة” داخل الدولة التركية تكشف عن مخططات أردوغان السرية الخاصة بالانتخابات قبل أن تتحقق، وتسعى إلى منعه من إطالة عمر نظامه بطرق غير ديمقراطية بعدما أكمل مدته الطبيعية في 2015.
–