بقلم: ماهر المهدى
أنقرة (زمان التركية) – الأمور تتحول وتتغير ، مثلما تتغير المناظر من اليسار الى اليمين والى أقصى اليمين ومن اليمين إلى اليسار والى أقصى اليسار ومن الجمال الى البلح ومن القبح الى الجمال ومن الاكتفاء إلى الخواء ومن الخواء الى الامتلاء ، وفي منتصف الطريق درجات . ولكن تبقى النهايات – بألوانها المبهرة الفاتنة أو القاتمة المقبضة آسرة للناظرين و لأعينهم واهتماماتهم .
قد يخطر هذا الإحساس على قلب المرء وعلى عقله ، وهو يتابع كيف تتحول بلد لطيفة تخطو بخطى جيدة على طريق النمو والتقدم وتمتلك بنية تحتية جيدة ومميزة من واحة تقدم وحب وسلام بألوان الفرح والبساتين والحدائق والغابات الى ساحة حرب وقتال ومبارزة سياسية وعقائدية وحزبية بألوان الصحارى والخرافات والخرابات والمدافن والمآتم والمستشفيات ودور العجزة وملاجئ المشردين والتائهين والجوعى . فهل نخلق نحن ما قد يسمى ب” أرض الجهاد ” باختياراتنا ؟
الإنسان يرى ويقدر ويختار من يريد لحياته ولبلده ، ويقبل ما رأى من رأى الآخرين أو لا يقبله ، فهو حر مسؤول عن شؤونه وعن شؤون من يتولى مسؤوليتهم . ومطاردة الأحلام أعذب من الواقع عند البعض الذين قد ينسون أن لكل شيء ثمنا . ومبررات القتال والقتل كثيرة ومتفرعة ، ومنها أن الأرض عرض وأنها لا تقسم ، وأن الوعد لا يضمن ، وأن لا عودة الى الوراء رغم أن ما قد يأتي به الغد خطير خطير وضحاياه كثيرون وخسائره ضخمة عميقة . كما أن القتال فرصة لتحقيق أحلام البطولة الوطنية ، وتجديد آمال البقاء فى السلطة ، فضلا عن أن القتال والحرب أسهل من البناء والتعمير . ففي الحرب لا يوجد مطلب سوى مواجهة العدو والانتصار عليه كمغنم قومى ووطنى أعظم . والبناء والتعمير كد متصل وهم لا ينقطع وعرق مصبوب .
إن ما قد يمكن تسميته ب ” أرض الجهاد أو أراضي الجهاد الديني والسياسي والعرقي والثقافي والمادي ” التي تفتح ذراعيها لاستقبال الراغبين في الجهاد – كل لأسبابه الخاصة المعلنة والدفينة – ربما يكون قد أضاف إلى نفسه مؤخرا بعدا غربيا كان غائبا خلال العقود الماضية التى برز فيها أراضى جهاد عديدة ، ربما كان منها أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا ومالى . وأراضي الجهاد – كما يتضح من ظروف وملابسات كل أرض الجهاد – تنشأ بطاقات نظامية حكومية وشعبية منها المعلن ومنها الخفي، وهو ما يجعل الكثيرين من الدول والشخصيات مسؤولين عن تحول بلد ما إلى أرض جهادية أو أرض للجهاد والسلاح والجريمة والعنف بأشكاله والتجارب المتباينة الاتجاهات والمشارب والمقاصد . وبالتالى ، فإن عملية ظهور أرض جهاد هى عملية واعية وتامة الإدراك وليست صدفة ، والإدراك أول وأهم أسس المسؤولية . وأمام التاريخ يسأل عن أراضي الجهاد الذين صنعوها على أعينهم وبأيديهم ولتحقيق مصالحهم ولو على حساب آخرين.