مصطفى أونال
كانت التعبيرات التي ظهرت على وجه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو هي أكثر المشاهد لفتًا للانتباه في القصر الرئاسي الجديد (القصر الأبيض).
بدا من تعبيرات وجهه أنه لم يكن راضياً عن اجتماع مجلس الوزراء في القصر الرئاسي. كما كان المكان المختار لجلوسه أمراً شائكاً أيضاً؛ إذ لم يكن بجوار رئيس الجمهورية، بل على طرف الطاولة وكان يجلس وكأنه أحد مساعدي رئيس الوزراء، بيد أن موقعه على الطاولة كان يجب أن يكون مختلفًا بصفته “رئيس الوزراء”. ولايمكن أن يكون عرض وسائل الإعلام لهذه الصورة محض صدفة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]بدا من تعبيرات وجهه أنه لم يكن راضياً عن اجتماع مجلس الوزراء في القصر الرئاسي. كما كان المكان المختار لجلوسه أمراً شائكاً أيضاً؛ إذ لم يكن بجوار رئيس الجمهورية، بل على طرف الطاولة وكان يجلس وكأنه أحد مساعدي رئيس الوزراء، بيد أن موقعه على الطاولة كان يجب أن يكون مختلفًا بصفته “رئيس الوزراء”. ولايمكن أن يكون عرض وسائل الإعلام لهذه الصورة محض صدفة.[/box][/one_third]هل يمكن أن يكون هناك سبب آخر أشعر داود أوغلو بالضيق؟ نعم، يمكن. ذلك أننا لسنا معتادين على ظهوره عابس الوجه على هذا النحو إذ كان دائم التبسم. فياترى ما سبب هذه الحالة؟
كانت إحدى الصحف المحلية نشرت قبل يومين خبرًا عن وثيقة رسمية حول “اختبار التوظيف الرسمي”. وتَطلب هذه الوثيقة التي يدعى أنها عرضت على “السيد” إلغاء إجراء امتحانات التوظيف. وبطبيعة الحال فإن المقصود من كلمة “السيد” هو رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان…
استوقفتني عبارة وردت في الوثيقة سالفة الذكر وتستهدف داود أوغلو. إذ يرد في الجزء الخاص بـ”أهداف الطلب” مايلي: “يجب تطهير الدولة من الكوادر البيروقراطية المرتبطة أو المشكوك في ارتباطها بالكيان الموازي”. أما البند الأول من القسم الذي يحمل عنوان “المشاكل” فهو كالتالي تماماً: “… حدثت وقائع سوء استغلال لمرجعية الحزب، ولم تتخطَ ردود فعل رئيس الوزراء بشأن هذه القضايا حدود الكلام، بل إنه لم يبدِ الاهتمام اللازم بهذه المعايير في عمليات تعيين الكوادر ما يجعله عرضة للتوجيهات الخاطئة. كما لا يزال بعض الوزراء يتصرفون بحيادية إزاء الكيان الموازي، الأمر الذي يمثل تهديدًا بالنسبة لمستقبل حزبنا”.
وهذا يعتبر شكوى مباشرة تستهدف داودأوغلو، والشكوى لمن؟ إلى رئيس الجمهورية. ولم تعد عملية التصنيف حسب الانتماء محدودة بالقطاع البيروقراطي، بل وصلت إلى أعلى قمة في الدولة، ولم ينجُ من هذه الموجة حتى رئيس الوزراء. فالعبارات ثقيلة للغاية حتى أنهم لم يتورّعوا أن يقولوا “إنه لا يبدي الاهتمام اللازم في التعيينات ومنفتح على التوجيهات الخاطئة”.
وبطبيعة الحال، فإن هذه الوضعية لايمكن أن تكون مقبولة بالنسبة له، ولايمكن التغاضي عنها. فهناك وزراء جرى تصنيفهم حسب انتماءاتهم فقط لأنهم تصرفوا بحيادية إزاء ادعاء “الكيان الموازي”.
هل من الممكن ألايشعر داود أوغلو بالضجر جراء نشر هذه الوثيقة؟ أعتقد أن هذا الأمر مستحيل. فياترى من ذا الذي صنّف رئيس الوزراء وأعضاء حكومته حسب انتماءاتهم وشكاهم إلى رئيس الجمهورية؟
بمقدورنا أن نصل إلى نتيجة مفادها أن الوثيقة لاتحمل طابعًا رسميًا بما أنها ورد بها عبارة “عُرضت على السيد”. فلا داعي للبحث عن مرتكبي هذه الواقعة بعيدًا؛ إذ لابد أن يكونوا في الجوار. فالمشبوهون المعتادون معروفون إلى حد ما. وما بعد ذلك سيكون مشكلة تخص داودأوغلو.
لاشك أن أبعاد عملية التصنيف حسب الانتماء والنظام الذي يسمح بشكوى رئيس الوزراء وبعض الوزراء بحكومته إلى الرئيس مشكلة تخصّ البلاد جميعاً. فهذه هي “تركيا الجديدة” التي يتغنون بها ليل نهار. بالضبط كحزب البعث. تصوّروا أن كفاح داود أوغلو ضد الكيان الموازي كذلك يعتبَر غير كاف. وأريد أن أذكّركم بأنه يخصص جزءاً من كل خطاباته للحديث عن “الكيان الموازي” الذي وصفه ويتهمه بـ”العصابة”. فهذه الوثيقة تلخص جيدًا تفاصيل المناخ الذي تعيشه تركيا في الوقت الراهن، وتشرح لنا بوضوح تام “كيمياء” الدولة التي تعكّرت. فهذه عبرة من كل الزوايا…
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا أعترض على الدعائيين الذين يبذلون كل جهودهم لتصوير الرئيس ورئيس الوزراء (أردوغان وداودأوغلو) وكأنهما جزء واحد لا يتجزأ ويسود بينهما تناسب تام، لكن المشهد واضح أمام الجميع. وبكل تأكيد فإن الصورة لاتَكذِب أبدًا.[/box][/one_third]تأخر اجتماع مجلس الوزراء في القصر الرئاسي لمدة ساعة ونصف الساعة، والسبب هو أن الرئيس أردوغان اجتمع بداود أوغلو على انفراد. ويبدو أنهما تناولا هذا الموضوع بالنقاش. وربما يكون ظهور داودأوغلو بهذا المظهر العابس بسبب هذا الأمر. ولقد أصبحت حزمة القوانين الخاصة بالشفافية ومكافحة الفساد مشكلة. وهذا ليس مفاجأة، بل كان أمرًا متوقعًا، وكان واضحًا للعيان أنها (حزمة القوانين) بدت أكبر من حجمها الحقيقي.
لاتقتصر المشاكل على الوثيقة أو حزمة القوانين الجديدة فقط؛ إذ هل يمكن أن نرى من الصدفة أن يزور داود أوغلو بريطانيا في اليوم الذي سيصوت فيه البرلمان على قرار إحالة ملف الوزراء الأربعة المستقيلين إلى المحكمة الدستورية؟ وكان من الممكن تعديل موعد التصويت حسب برنامج داود أوغلو، فهذا الأخير غاب عن تصويت تاريخي، وصوت بالنيابة عنه شخص آخر. وكيف يكون التوكيل ممكناً في تصويت سري كهذا أمر آخر لسنا الآن بصدده.
لايمكن أن نعتبر صوت رئيس الوزراء في تصويت كهذا على أنه “صوت واحد”. فوجوده في البرلمان يحمل أهمية استثنائية ودلالة رمزية. فهو بتواجده في المجلس وقت التصويت يعطي رسالة إلى قاعدته الشعبية والرأي العام على حد سواء. فهذا التصويت الذي جرى بالجمعية العمومية في البرلمان لايحدد مستقبل الوزراء الأربعة فحسب، بل مستقبل حزب العدالة والتنمية. ففي الوقت الذي صوت فيه الحزب على مسألة تخص مستقبله، لم يكن رئيسه العام متواجدًا. وقد سجل التاريخ هذا التصويت على هذه الصورة.
لا أعترض على الدعائيين الذين يبذلون كل جهودهم لتصوير الرئيس ورئيس الوزراء (أردوغان وداودأوغلو) وكأنهما جزء واحد لا يتجزأ ويسود بينهما تناسب تام، لكن المشهد واضح أمام الجميع. وبكل تأكيد فإن الصورة لاتَكذِب أبدًا.