أحمد شاهين
كانت الإمبراطوريتان العظميان في الوقت الذي ظهر فيه الإسلام (الروم والفرس) تنتهجان مع شعوبهما طريقة مفزعة في الإدارة والحكم. وبمجيء الإسلام ظهر نموذج جديد عادل في الإدارة قابل وخاضع للمحاسبة والمساءلة أمام الشعب. في مقابل النماذج الظالمة التي كانت سائدة في ذلك العصر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كانت الإمبراطوريتان العظميان في الوقت الذي ظهر فيه الإسلام (الروم والفرس) تنتهجان مع شعوبهما طريقة مفزعة في الإدارة والحكم. وبمجيء الإسلام ظهر نموذج جديد عادل في الإدارة قابل وخاضع للمحاسبة والمساءلة أمام الشعب. في مقابل النماذج الظالمة التي كانت سائدة في ذلك العصر.[/box][/one_third]وكان ملك الفرس عابد النار قد جمع شعبه في ميدان كي يشرح لهم تفاصيل الضرائب الجديدة التي فرضها عليهم، فخاطبه رجل فقير بقوله:
“تقول إنك ستجبي الضرائب من جميع الأراضي، فكيف سيقدّم فقير مثلي يعيش في أرض جافة باستمرار ضرائب عن رض لاتطرح أي محصول في فصل جاف لا تهطل فيه الأمطار؟”
فاتهمه الملك بالتشجيع على التمرد والعصيان ضد حكمه أمام الشعب، وأمر بإعدامه حرقًا أمام الجماهير، فلم يتجرأ أحد من الشعب بعد ذلك على الاعتراض على ذلك الحاكم.
ولنلقِ نظرة كذلك على بيزنطة (إسطنبول) التي كانت عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية، ولنرَ العجب العجاب في تعامل حكامها مع رعيتهم…
أمر الإمبراطور جستنيان ببناء كنيسة آيا صوفيا حتى يتفوق على مُلك النبي سليمان عليه السلام، وفقًا للزعم الشائع آنذاك كان يأمر بتشغيل الأسرى الذين جمعهم من كل أنحاء دولته لبناء الكنيسة وهم جوعى. أما مَن كان لايرغب في المشاركة في هذا العمل الإجباري فكان يُربَط بذيول الخيول السمراء في الساحة التي تقع اليوم في ميدان السلطان أحمد لتهرول به حتى يتمزق جسده إربًا إربًا، ليكون عبرة لمن لا يريد أن يعمل دون أن يتناول أي طعام.
كانت أكبر إمبراطوريتين في العالم في تلك الحقبة تعاملان رعاياها تقريبًا بهذه الطريقة.
والآن لننتقل كي نلقي نظرة على كيف كانت الإدارة التي أسسها المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة تحاسَب أمام الشعب حتى أصبحت نموذجًا في الإدارة يحتذى به في شتى بقاع العالم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]في الوقت الذي كانت فيه الدول حول العالم تظلم شعوبها وتذيقها شتى صنوف العذاب، كان خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم يحاسَب أمام رعيته في المدينة المنورة، ليطلب منهم أن يسامحوه، ويقدم نموذجًا فريدًا في الإدارة![/box][/one_third]كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب المسلمين الذين احتشدوا في مسجده في خطبة الوداع على النحو التالي:
“مَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا لايَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِي وَلا مِنْ شَأْنِي، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ، أَلا وَإِنِّي لا أَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا”
ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَعَادَ إِلَى مَقَالَتِهِ فِي الشَّحْنَاءِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْئٌ فَلْيَرُدَّهُ وَلايَقوُل: فُضُوحُ الدُّنْيَا، أَلا وَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ”.
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي عِنْدَكَ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: “أَمَا إِنَّا لا نُكَذِّبُ قَائِلاً وَلانَسْتَحْلِفُهُ، فَبِمَ صَارَتْ لَكَ عِنْدِي؟” قَالَ: تَذْكُرُ يَوْمَ مَرَّ بِكَ مِسْكِينٌ فَأَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْهِ، قَالَ: “ادْفَعْهَا إِلَيْهِ يَا فَضْلُ “.
نعم، في الوقت الذي كانت فيه الدول حول العالم تظلم شعوبها وتذيقها شتى صنوف العذاب، كان خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم يحاسَب أمام رعيته في المدينة المنورة، ليطلب منهم أن يسامحوه، ويقدم نموذجًا فريدًا في الإدارة!
ونفهم من ذلك أن العالم لايزال يبحث عن نموذج في الإدارة يحاسَب أمام شعبه ويطلب منه التسامح. وعندما يجد العالم مثل هذا النموذج عندها سيعثر على ضالته المنشودة. والشعب هو من سيقرّر كم اقترب نموذج الحكم المستند إلى الانتخابات الحرة من نموذج الحكم المذكور المستند إلى مبدأ الخضوع للمحاسبة وطلب التحلّل.