(زمان التركية) – توسع النظام التركي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، منذ أحداث مسرحية الإنقلاب الفاشل في قمع المعارضة المدنية، وأصبح كل منتقد لأردوغان ونظامه يتعرض للقمع والترهيب والحبس والاعتقال والاختطاف، ولم يقتصر الأمر على داخل تركيا فقمع نظام أردوغان بات عابرا للحدود.
وكما أفاد مركز استكهولم للحريات فإن الذراع القمعية للرئيس طيب أردوغان قد استطالت لتصل إلى عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك خارج تركيا، وذلك عن طريق التجسس عليهم من قبل البعثات الدبلوماسية أو المنظمات والهيئات التابعة للحكومة في الخارج كما يواجه الآلاف من المواطنين الأتراك في الخارج التعنت من جهة قنصليات بلادهم، ففي أحيان كثيرة قد ترفض القنصلية تقديم خدماتها لبعض المواطنين الأتراك لأنهم في قائمة المعارضين للنظام، وقد يصل الأمر في أحيان أخرى إلى التهديد المباشر، أو تعرض الشخص للتسليم غير القانوني لتركيا، وذلك من خلال عمليات الترحيل القسري من قبل جهاز المخابرات التركي، ففي حالات مسجلة تم اختطاف منتقدي أردوغان واعادتهم قسرا إلى تركيا من خلال المخابرات التركية وبالتعاون مع السكان المحليين والعصابات المحلية في بعض الأحيان.
ولقد واصل أردوغان ملاحقة كل شخص لديه صلات تربطه بحركة كولن في عام 2021 وبدون هوادة، هذا بالإضافة إلى تعرض كل من تربطه صلات بحركة كولن إلى خطاب الكراهية المستمر والملاحقة – الغير- قانونية والتعذيب في السجون والمعتقلات والاختطاف وغيرها من الممارسات القمعية التي تدخل ضمن انتهاكات حقوق الإنسان.
ووفقا لتقرير حول القمع العالمي العابر للحدود أصدرته منظمة فريدم هاوس فإن تركيا أصبحت الدولة رقم واحد بين الدول التي نفذت عمليات ترحيل قسري لمواطنيها من الدول المضيفة لهم، نظام أردوغان يستهدف في المقام الأول المنتمين إلى حركة كولن، لكن جهود الحكومة التركية توسعت مؤخرا لتشمل الأكراد واليساريين، ووفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية التركية فقد أرسلت تركيا 800 طلب تسليم إلى 105 دولة في السنوات الأربع الماضية، وتم إعادة أكثر من 110 أشخاص من المنتمين لحركة كولن إلى تركيا كجزء من الحملة العالمية للحكومة، وخلال عام 2021، وكجزء من دعايتها لم تتردد الحكومة التركية في الإشارة إلى الأساليب غير القانونية التي استخدمتها حيث ذكر أردوغان أن الإعادة القسرية للمواطنين الأتراك جزء من نجاح البلاد في استراتيجية مكافحة الإرهاب!!
هناك نماذج عدة على عمليات الاختطاف والتسليم والإعادة القسرية لمنتقدي أردوغان:
كينيا
كشف الرئيس أردوغان في تصريحات متلفزة في 19 مايو 2021 أنهم ألقوا القبض مؤخرًا على عضو مهم في حركة كولن وأضاف أنه سيعلن قريبًا عن هوية هذا الشخص، وبعدها بعدة ساعات نشرت سريا كولن فيديو على موقع يوتيوب صرحت فيه أن زوجها صلاح الدين كولن -وهو مدرس- فُقد في 3 مايو في كينيا حيث كان يعيش منذ سبعة أشهر، وزعمت سريا كولن أن زوجها اختُطف فقط لكونه من أقارب فتح الله كولن، وطالبت السلطات بالعثور على صلاح الدين كولن وإطلاق سراحه على الفور.
وقد كانت محكمة في كيامبو قد قضت في 6 مايو 2021 بعدم القبض عليه أو تسليمه أو ترحيله وأمر وزير الداخلية الكيني والمفتش العام للشرطة بالمثول أمام المحكمة لشرح مكان وجود صلاح الدين كولن.
ولاحقا في 31 مايو 2021 أكدت وسائل الإعلام الموالية لتركيا عملية نقله قسرا إلى تركيا، فقد أفادت وكالة أنباء الأناضول نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمها أن صلاح الدين كولن أعيد إلى تركيا، ونشرت الوكالة صورة للمعتقل مكبل اليدين مع العلم التركي على كلا الجانبين لكنها لم تذكر ما إذا كانت عملية المخابرات قد تمت بالتنسيق مع الدولة المضيفة أم لا.
قيرغيزستان
يعد أورهان إيناندي هو الضحية الأخيرة في سلسلة من القضايا التي تورط فيها جهاز المخابرات التركية في نقل أشخاص بشكل غير قانوني إلى تركيا، إناندي هو مؤسس ومدير شبكة مدارس Sapat المرموقة والعاملة في قيرغيزستان، أعلن اختفائه في 31 مايو 2021، مع مخاوف أن يكون تم اختطافه من قبل المخابرات التركية بسبب صلاته بحركة كولن، وفي 5 يوليو أقر الرئيس أردوغان في بيان له عقب اجتماع لمجلس الوزراء بأن إيناندي تم تسليمه بالفعل إلى تركيا من قبل المخابرات التركية مشيدًا بجهود الجواسيس الأتراك في التسليم.
وقد دفعت صور إيناندي المقيد بالأصفاد وخلفه العلم التركي إلى الاعتقاد بأنه تعرض للتعذيب حيث أنه فقد كثيرا من وزنه بالإضافة إلى وضعية يده المثيرة للشك.
وكانت محكمة أنقرة قد قضت في 12 يوليو (تموز) باعتقاله بتهمة العمل كمسؤول تنفيذي في منظمة إرهابية.
وقد صرحت زوجته في تغريدة لها على تويتر بأن زوجها تعرض للتعذيب وكسر ذراعه الأيمن في ثلاثة أماكن مختلفة على أيدي ضباط الأمن الأتراك، ووفقًا لزوجته لم يتلق أورهان إيناندي علاجًا طبيًا في الوقت المناسب ونتيجة لذلك لم يعد قادرًا على استخدام ذراعه اليمنى.
وقد أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش بيانًا لها في 7 يوليو / تموز عقب إعلان الرئيس أردوغان عن نجاح اختطاف إيناندي، جاء فيه إن الاختطاف والاختفاء القسري والنقل خارج نطاق القضاء للمعلم بالتعاون بين السلطات التركية والقيرغيزية يرقى إلى مستوى الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والمحلي.
أوكرانيا
ومؤخرا قامت السلطات الأوكرانية بترحيل مدرسين تركيين إلى تركيا هما صالح فيدان وساميت جوري، وعلى الرغم من التنديد باعتقالهما الذي ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تم احتجازها في مدينة رافا روسكا الأوكرانية في يوم رأس السنة الجديدة، وقد كانا كلا المدرسيين قد سافرا إلى كييف قبل 51 يومًا ليشقا طريقهما إلى أوروبا لطلب اللجوء، ذلك لأن جوازات سفرهما التركية كانتا على وشك الانتهاء وكانا يخشيان من أن السلطات التركية لن تجددها لهما.
بنما
تم القبض على رجل الأعمال التركي معاذ تركيلماز في مطار بنما أثناء مغادرته وتم ترحيله إلى تركيا، وكانت السفارة التركية في بنما كثفت مساعيها لتسليم رجل الأعمال بتهمة الإرهاب وذلك بسبب صلاته المزعومة بحركة كولن، فقد كانت السلطات التركية اتهمت رجل الأعمال بأنه حمل تطبيق Bylock، وأنه أودع الأموال في بنك مرتبط بحركة كولن ، وأنه تبرع لجمعية (هل من مجيب) التابعة لحركة الخدمة وكان قد تم اغلاق البنك والجمعية الخيرية بعد أحداث الإنقلاب الفاشب في 2016.
كما كثفت الحكومة التركية جهودها من أجل تسليم الأكاديمي والصحفي المعارض محمود أكبينار، والذي كان لجأ للمملكة المتحدة هربا من تهم الإرهاب الملفقة ضده في تركيا.
كوسوفو
تعرض مجموعة من المدرسين الأتراك المقيمين في كسوفو، والذين كانوا مستهدفين من قبل النظام التركي إلى الترحيل غير القانوني من كوسوفا والتسليم إلى تركيا وقد أدانت السلطات الكسوفية هذا الأمر في عام 2018 ، وأصدرت السلطات الكوسوفية لائحة اتهام لثلاثة أشخاص متورطين في الترحيل غير القانوني للأتراك من كسوفو لأجل محاكمتهم، وهؤلاء الثلاثة هم دريتون غاشي الرئيس السابق لوكالة الإستخبارات الكوسوفية، وفالون كراسينكي مدير إدارة الجنسية والهجرة بوزارة الداخلية ، ورحمان سيلجماني رئيس مديرية الهجرة والأجانب في شرطه حدود كوسوفو.
وكانت لجنة خاصة بالأمم المتحدة معنية بالاحتجاز التعسفي خلصت في سبتمبر 2020 إلى أن اعتقال المعلمين الأتراك واحتجازهم ونقلهم قسرا إلى تركيا بالتعاون بين المخابرات الكوسوفية والتركية ما هو إلا إجراء تعسفي وتصرف ينتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي نفس السياق فقد صرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو للصحفيين أمام الجمعية العامة لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية المنعقدة في تركيا في نوفمبر/ تشرين الثاني أن تركيا ستستغل الجمعية العامة للإنتربول لإقناع المسؤولين والمندوبين باتخاذ موقف ضد حركة كولن، وهو ما ردده سلجوق سيفجيل العضو المعين حديثًا في اللجنة التنفيذية للإنتربول، في مقابلة خاصة أجراها مع وكالة أنباء الأناضول التي تديرها الدولة .
منظمات حقوقية تدين سياسة تركيا القمعية العابرة للحدود
كشف تقرير أصدرته منظمة فريدم هاوس حول القمع العابر للحدود الذي تمارسه السلطات التركية حيث تستهدف المعارضين في الخارج، وقد أشار التقرير إلى أن تركيا أصبحت الدولة رقم واحد بين الدول التي نفذت عمليات ترحيل سري وقسري للمعارضين من الدول المضيفة وذلك اعتبارا من عام 2004، وقد أشار التقرير والذي حمل عنوان (بعيدا عن الانظار، لكن ليس بعيدا عن المنال) إلى أن الحكومة التركية لاحقت المعارضين لها في 30 دولة مضيفة مختلفة، وذلك منذ محاولة الانقلاب الفاشل في عام 2016.
أصدر مركز ستوكهولم للحرية تقريرا في أكتوبر الماضي، بعنوان (القمع التركي العابر للحدود : الاختطاف والتسليم والإعادة القسرية لمنتقدي أردوغان) وقد ركز التقرير على الأساليب الغير قانونية التي اتبعتها الحكومة التركية في عهد أردوغان من أجل النقل القسري للمواطنين الأتراك المقيمين خارج تركيا.
وقد سبق هذا التقرير تقرير آخر مهم في هذا السياق أصدرته اللجنة العليا للاجئين في أغسطس الماضي وقد سلط ذلك التقرير على كيف أساءت الحكومة التركية استخدام الإنتربول الدولي ، كما سلط التقرير على الممارسات التعسفية التي تم اسخدامها وقدم معلومات هامة حول آلية عمل الإنتربول الدولي والطريقة التي أساءت تركيا استخدامها للإنتربول في حالات مختلفة.
وفي مقابلة خاصة أجراها مركز ستوكهولم للحرية مع إدوارد ليمون خبير القمع العابر للحدود، صرح فيه بقوله (تركيا هي الأسوأ على الإطلاق في القمع العابر للحدود، وهو ما تكشفه البيانات التي جمعتها منظمة فريدم هاوس العام الماضي، وعقب بقوله إنه في عام 2017 حاولت الحكومة التركية وضع أكثر من 60 ألف شخص على قوائم المطلوبين لدى الإنتربول)
ضغوظ يتعرض لها المعارضين والصحفيين الأتراك بالخارج
لقد قامت تركيا بتجميد الأصول المالية لأشخاص ومنظمات بتهم تتعلق بالإرهاب.
جمدت تركيا أصول 377 فردًا ومؤسسة في أبريل، بما في ذلك الأصول المالية لرجل الدين المسلم المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن وأشخاص لهم صلات بالمبادرة المدنية العالمية المستوحاة منه، وذلك بموجب القانون رقم 6415 الذي منع تمويل الإرهاب، وقد نشر في الجريدة الرسمية في أبريل الماضي، وقد وقع عليه كلا من وزير الخزانة والمالية آنذاك لطفي إلفان وزير الداخلية سليمان صويلو.
في ديسمبر / كانون الأول جمدت الحكومة التركية أصول 770 شخصًا، من بينهم بعض الصحفيين في المنفى ومنظمة، بدعوى تمويل الإرهاب، وقد وقع على ذلك القرار وزير الخزانة والمالية نور الدين النبطي ووزير الداخلية سليمان صويلو.
وقد صرح إرك أكارير الصحفي التركي الذي ينتقد الحكومة التركية ويعيش في المنفى في ألمانيا، إنه تعرض للهجوم خارج منزله في برلين من قبل ثلاثة رجال هددوه ونصحوه بعدم ممارسة مهنة الكتابة.
في سياق متصل، نقلت إثيوبيا بشكل غير قانوني مدرسة يديرها مستثمرون ألمان إلى مؤسسة معارف التي تديرها الدولة في تركيا ، وزعمت السلطات التركية أن المدرسة كانت تابعة لحركة كولن.
التجسس على المعارضين
كشفت وثائق أن البعثات الدبلوماسية التركية حول العالم تتجسس بشكل منهجي على أفراد يُزعم أنهم مرتبطون بحركة كولن، الأمر الذي لم تنفيه الحكومة التركية فقد أكد وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو أن الدبلوماسيين الأتراك المعينين في السفارات والقنصليات تلقوا تعليمات رسمية من الحكومة لإجراء مثل هذه الأنشطة في الخارج، وتابع قائلا إذا نظرت إلى تعريف الدبلوماسي فهذا واضح!!. كما صرح جاويش أوغلو للصحفيين الأتراك في 16 فبراير 2020 عقب مؤتمر ميونخ للأمن بقوله إن جمع المعلومات الاستخباراتية هو واجب الدبلوماسيين مضيفًا أن “جمع المعلومات الاستخبارية من قبل البعثات الدبلوماسية حقيقة واقعة”.
ووفقًا لوثائق المحكمة الصادرة في عام 2021، تم التجسس على مؤيدي حركة كولن المزعومين من قبل البعثات الدبلوماسية التركية في المجر وموزمبيق والنيجر والأردن والغابون وتركمانستان والكاميرون ونيبال وأنغولا وألبانيا والأرجنتين وسنغافورة وإندونيسيا وهولندا وكولومبيا وملاوي والمملكة المتحدة والفلبين.
وقد صرح المدعون الفيدراليون الألمان في أكتوبر/ تشرين الأول أنهم يحققون مع مواطن تركي للاشتباه في تجسسه على معارضين لصالح المخابرات التركية، وقال ممثلو الادعاء في بيان إن المشتبه به ، اعتقل في فندق بمدينة دوسلدورف في 17 سبتمبر/أيلول بعد أن لاحظ أحد الموظفين وجود سلاح معه كما وجدت قائمة بأسماء بعض أتباع حركة كولن في غرفة الفندق التي كان يقيم فيها كما تضمنت معلومات إضافية عن كل شخص.