أنقرة (زمان التركية)ــ أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتصريحات مثيرة تشير إلى عزمة تنفيذ مخطط يساوم من خلاله الأكراد، من أجل البقاء في سدة الحكم، باعتبار الأكراد الرقم الصعب في أي استحقاق انتخابي.
أردوغان قال إن “القابع في سجن إمرالي”، في إشارة إلى عبد الله أوجلان؛ زعيم حزب العمال الكردستاني الانفصالي المصنف إرهابيا من قبل تركيا وأمريكا وأوروبا، سوف يحاسب “القابع في سجن أدرنة”، أي صلاح الدين دميرطاش؛ زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق المعتقل من 2016.
بعد هذه التصريحات خرج الأكاديمي من أصل كردي علي كمال أوزجان، الذي يتمتع بصلة وثيقة مع المخابرات التركية وهدد دميرطاش سابقا بالاغتيال، يقول: “لن ينقذ أحد حياة دميرطاش سوى أوجلان”، داعيًا إياه إلى عدم عرقلة “المساومة” التي تجري بين الأخير وحزب أردوغان بهدف تسوية القضية الكردية، على حد زعمه.
وسبق أن حمل الأكاديمي أوزجان، بتنسيق من المخابرات التركية، رسالة من عبد الله أوجلان دعا فيها الأكراد إلى دعم مرشح حزب أردوغان لبلدية إسطنبول في انتخابات 2019 البلدية، لكنهم رفضوا هذه الدعوة وأيدوا مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو استجابة لدعوة صلاح الدين دميرطاش، ليفقد فيها حزب أردوغان البلديات في أكبر المحافظات، وعلى رأسها إسطنبول وأنقرة.
واعتبر مراقبون أن أردوغان يلعب باهم أوراقه في سبيل الفوز بالانتخابات القادمة، من خلال التفاوض مجددا، مع زعيم حزب العمال الكردستاني خلف الأبواب المغلقة، وإقصاء الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، حيث يسعى من خلال هذه الخطوة لمنع حزب الشعوب الديمقراطي من التحالف مع المعارضة، ليحصد أصوات الأكراد بسهولة من خلال استغلال سعمة عبد الله أوجلان عند مجموعة معينة من الأكراد.
ولم تفصل حتى الآن المحكمة الدستورية في قضية حل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يصوت له 7 ملايين ناخب.
من جانبه، التقى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي مؤخرا بتسعة أحزاب يسارية لإنشاء تحالف ديمقراطي، في خطوة تستهدف دفع الأحزاب المعارضة إلى التحالف الكامل معه دون خوف من اتهامات أردوغان لها بالإرهاب، لصلته المزعومة بحزب العمال الكردستاني، رغم أنه ينفي هذه الصلة بشكل علني.
ويرى محللون أن تحالف الشعب المعارض المكون أساسًا من حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، لا يمكن أن يفوز على جزب أردوغان في الانتخابات القادمة بدون الحصول أصوات حزب الشعوب الدمقراطي المؤيد للأكراد.
يذكر أن أردوغان أمر في 2012 بوقف العمليات الأمنية والعسكرية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني الانفصالي وكلف رئيس مخابراته هاكان فيدان بالبدء في إجراء مفاوضات مع زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في محبسه لإقامة سلام مع الكرد.
تغاضى أردوغان عن دعوات المعارضة السياسية والمدنية لإجراء مفاوضات السلام الكردي بشفافية حتى لا تفتح الأبواب لأية مساومات سياسية سرية أو علنية بين الطرفين، وأسكت كلّ المعترضين على الطريقةِ المتبعة التي حولت التنظيم الإرهابي إلى الممثل الشرعي الوحيد للشعب الكردي، في حين همّشت حزب الشعوب الديمقراطي الشرعي العامل تحت المظلة البرلمانية.
هذه السياسة الجديدة اقتضت من أردوغان السعي لإقصاء حزب الشعوب الديمقراطي “الشرعي” لكي يكون حزب العمال الكردستاني “الإرهابي” البديل الأوحد للمواطنين الأكراد؛ ذلك لأن التنظيم الإرهابي والحزب الكردي الشرعي أشبه بالأواني المستطرقة، فإذا اشتدت شوكة أحدهما ضعف الآخر تلقائيا. ومع أن المنطق السليم كان يحتم العمل على اشتداد شوكة الحزب الكردي الشرعي كي ينتهي تنظيم العمال الكردستاني الإرهابي، وينتهي معه العنف والسلاح والإرهاب، الذي يمارسه منذ نصف قرن من الزمن، إلا أن مصلحة أردوغان، لا المصلحة الوطنية، كانت تفرض عليه العكس؛ حيث كان يعتزم نقل تركيا إلى النظام الرئاسي بدعم أوجلان المكلّف بتوجيه الشارع الكردي.
لكن أردوغان أطاح بطاولة مفاوضات السلام مع الأكراد وأمر بالعودة إلى العمليات المنية والعسكرية ضد عناصر العمال الكردستاني، وعقد تحالفًا مع حزب الحركة “القومية”، وذلك بعدما أيد الأكراد حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 2015، حيث فقد فيها حزب أردوغان لأول مرة في تاريخه الحكومة المنفردة بسبب دخول هذا الحزب إلى البرلمان كحزب مستقل مع 80 نائبًا برلمانيًّا.