بقلم: ماهر مهدي
( زمان التركية)-الناس تحب الأحلام ، لأنها قد تحقق خياراتها ورغباتنا في يسر وفي سرعة وتنقلنا من حال الى حال دون أن نخوض البحار ونتسلق أعالى الجبال ونقضى عمرا في كد وكمد . فما على المرء إلا أن يتمنى فيجاب الى سؤاله أو أمنيته العزيزة . وكلنا هذا الرجل بالطبع . أليس كذلك ؟ ألا نتمنى جميعا – ولو أحيانا – لو يصبح الحلم حقيقة فورا أو خلال مدة قصيرة ؟ ربما كان ذلك من طبيعة الإنسان ، رغم علمه اليقين بأن الدنيا بنيت على الأخذ بالأسباب وليس بالأحلام . ولكن ربما كان هذا القدر معقولا أو يجد سندا في طبيعة الإنسان أيضا ، من حيث مشروعية الحلم والتمنى والتخطيط للمستقبل .
أما أن يعتقد الإنسان في المستحيل أو يصدق المستحيل ، فهذا خروج عن طبيعة الإنسان ومناطق العقل والحساب الى مناطق الوهم والخيال والتغرير . وقديما قالوا : ان السماء لا تمطر فضة ولا ذهبا . صحيح أن رزقنا على الله وأنه كما قال – سبحانه تعالى – ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ” ، الا ان المطالبة برزق الله تتحقق بالعمل اللازم وبالمثابرة الواجبة والبحث الدائم والتوظيف الصحيح والدقيق للموارد والقدرات . فكل شىء يطلب بالأخذ بالأسباب ، وليس بالأماني وحدها . والبعض من الساسة يحب الوعد بالمستحيل ويجيد الوعد بالوهم والتغرير بمحبي الخيال الحالمين بالراحة المباحة والرزق الوفير دون حساب أو تقطير . والفكرة وراء الوعد السياسي بالمستحيل بسيطة ومؤداها : اذا كان هناك حالمون واهمون سعداء بأحلامهم وأوهامهم ويرفضون الواقع – وان لم يصرحوا بذلك حقيقة أو علانية – فلماذا نرهق أنفسنا في محاولة ايقاظ هولاء من سباتهم العزيز وأحلامهم الثمينة الشافية للأوجاع والناجزة للحلول ؟ دعونا نوافقهم على أمانيهم وأحلامهم الآن ليبقى الجميع سعيدا . ولنترك للأيام مهمة إيقاظ الواهمين والحالمين بطريقتها، ولنتحاسب جميعا حينها . فلا يحتاج النصاب الا الى طماع يحب الوفرة ولا يمانع في الحصول على ما لا يحق له ، اذا تيسر له ذلك .
إن الوعود الكاذبة تلقى الى الحالمين ألواهمين الذين يشترون المستحيل ويعلقونه على الحوائط في ابتهاج ، ريثما يستيقظون يوما ليجدوا الوهم حقيقة ناضرة مشرقة، وهو ما لا يحدث في الحياة الدنيا .