بقلم: عمر نور الدين
بينما ينشغل العالم كله بالهجمات الإرهابية في باريس وصحيفة شارلي إبدو كانت تركيا تعيش على وقع مشاهد أخرى دارت حول هذا الحدث أو كانت بعيدة عنه بدرجات متفاوتة. وإن كان الحدث نفسه جرى توظيفه من جانب من لا يفوتون الفرص من أجل الحفاظ على أصوات الناخبين وتعبئتها لاسيما وأن تركيا مقبلة على انتخابات برلمانية جديدة بعد أقل من 5 أشهر تبدو للمرة الأولى عصيبة على حزب العدالة والتنمية الذي اعتاد ألا يرى منافسا له على الساحة.
من بين الكثير من المشاهد التي تعاقبت بسرعة كبيرة، كإيقاع الأحداث في تركيا على مدى أكثر من عام منذ الكشف عن فضائح الفساد والرشوة في 17 ديسمبر كانون الأول 2013، كان هناك مشهد هو الأبرز وهو الذي استحوذ على أكبر قدر من الاهتمام والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي سواء فى تركيا أو في العالم العربي ولم يفت أيضا على بعض الصحف العالمية.
ففجأة، وبعد أن بات القصر الجمهوري الجديد أو ما يعرف بالقصر الأبيض في أنقرة حقيقة مفروضة بالأمر الواقع رغما عن قرارات المحكمة بوقف بنائه لعدم حصوله على التراخيص اللازمة بدأ القصر يستكمل شكله ويرسخ حلم ساكنه ويؤكد أن تركيا بها سلطان .
غصت مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا والعالم العربي بالمشهد الصادم للاستقبال الغريب الذي نظمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الاثنين الماضي لنظيره الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في القصر الأبيض حيث ظهر للمرة الأولى حرس الشرف التركي بأزياء ممثلة لـ 16 دولة تركية عبر التاريخ .. ظن الناس أن هناك خطأ ما أو أن هناك من حاول أن يسخر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فنشر مجموعة من الصور الممنتجة بطريقة الفوتوشوب لأردوغان وعباس وخلفهما جنود بالحراب والسيوف والدروع والخوذات والأزياء العثمانية.
لكن تبين للجميع أن الصور حقيقية وأنها مأخوذة من الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية التركية وهنا انفجرت موجات التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلق البعض بأن الصورة كأنها في أحد الأفلام السينمائية، وفي العالم العربي قالت التعليقات إن أردوغان يمثل ” حريم السلطان لكن بلاحريم في القصر” والبعض ذهب به الشطط إلى القول بأن أردوغان يعيد أمجاد القذافي.
ثم عندما عاد أردوغان بعد ثلاثة أيام واستقبل رئيس أذربيجان إلهام علييف الاستقبال نفسه بل ونقل الجنود الصناديد الذين بعثوا من القبور إلى ساحة القصر الأبيض وغير لون السجاد من الأحمر إلى الأزرق الفاتح (اللبني) ليضفي أجواء عثمانية بالكامل على القصر حار الناس أكثر في فهم ما يجري وانبرى الخبراء والمحللون ليقولوا إن تلك الصورة الكوميدية تأتي ضمن محاولات أردوغان وحزب العدالة والتنمية لشغل الرأي العام التركي للتغطية على التكلفة الباهظة للقصر والتي وصلت مليارات الليرات التركية في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
لكن أحدا لم يعرف حقيقة الأمر قبل أن تتحدث تولاي بابوشجو النائبة بحزب العدالة والتنمية عن مدينة باليكسير شمال غرب البلاد والتي قالت عبر حسابها عبر فيسبوك: “هذه الصورة ينبغي الوقوف عليها وقراءتها جيدًا: الإمبراطورية العثمانية المتهدمة بسبب أنها لم تسلم فلسطين لإسرائيل والمظهر الخلفي لرئيسنا –أردوغان-مع نظيره الفلسطيني. إنه لذكاء أكثر من رائع، انتهى الفاصل الإعلاني البالغ 90 عاما من عمر الإمبراطورية العثمانية البالغ 600 عام” في إشارة إلى انتهاء عصر الجمهورية التركية التي أسسها كمال أتاتورك وإلى عودة الدولة العثمانية.
هكذا انتهت مشكلة فلسطين ببساطة وتحررت وعادت إلى أحضان الدولة العثمانية في قصر سلطانها الجديد، فماذا عن إسرائيل التي اغتصبت فلسطين وأوسعت شعبها قتلا وتعذيبا وحصارا؟ .. حتى نعرف مصير إسرائيل بعد عودة عساكر الدولة العثمانية من مرقدهم لابد من أن نستمع جيدا إلى عارضة الأزياء المؤيدة لحزب لعدالة والتنمية توغتشه كازاز والتي ردت بغضب على التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التركية والعربية والأجنبية التي انتقدت استقبال أردوغان لنظيره الفلسطيني محمود عباس في القصر الأبيض وسط جنود يرتدون أزياء تمثل الـدول التركية قائلة إن الاستقبال العسكري يعتبر ردًا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والعقل الغربي.
ولأن السلطان هو خليفة المسلمين وهو المنوط به الدفاع عنهم ضد أي هجوم أو تجريح أو اتهام تركت العارضة كازاز البعد الإرهابي في قضية الهجمات التي وقعت في باريس وركزت على بعد استضعاف المسلمين لأنفسهم وخوفهم من أن يتطاير شرر الاتهام بالإرهاب ليعلق بأثوابهم على الرغم من أن من وقعت الأحداث الإرهابية على أراضيهم لم يتهموا المسلمين وإنما اعتبروا أن قلة متشددة تتصرف بعيدا عن قيم الإسلام هي من هاجمت الصحيفة الفرنسية ونفذت العمليات الإرهابية في باريس.
لكن عقلية حزب العدالة والتنمية والحس السائد لدى قياداته وأعضائه ومؤيديه الآن يقوم على حتمية وجود المؤامرة ووجود العدو ولذلك قالت العارضة كازاز: “إذا كانت فرنسا دولة لها كرامة وشرف ولا تسعى لنشر فكرة الإسلاموفوبيا والتحريض على المسلمين فينبغي عليها إذن أن تعتذر للعالم الإسلامي أجمع ولو لمرة واحدة”.
وهل اتهمت فرنسا العالم الإسلامي أجمع وقالت إن الإرهابيين المنفذين لهذه الهجمات هم الإسلام والعالم الإسلامي أجمع؟!.. لكن هذا هو ما يجول في أذهانهم هو ما يريدونه من وراء هذه الضجة فعينهم على الصندوق الذي سيوضع أمام الناخب في 7 يونيو/ حزيران.. وناخبهم الذي يسعون إليه هو ذلك الناخب الذي استيقط فجأة ليكتشف أنه كان يحلم على مدى 90 عاما، والذى وجد أن فلسطين قد عادت وأن إسرائيل قد اندحرت بعدما عاد عساكر الدولة العثمانية الصناديد بسيوفهم وحرابهم ودروعهم من الدول الست عشرة العثمانية على مر التاريخ لحماية تركيا الجديدة والعالم الإسلامي!