(زمان التركية)ــ استمع البرلمان الأوروبي إلى عرض لنتائج “محاكمة تركيا” وهي محاكمة دولية رمزية انعقدت في جنيف في سبتمبر / أيلول الماضي، خلصت إلى أن التعذيب والاختطاف القسري الذي ارتكبه مسؤولو الدولة التركية منذ يوليو/تموز 2016 المرتكب في حق المواطنين الأتراك قد يرقى إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية.
خلال اجتماع اللجنة الفرعية للبرلمان الأوروبي يوم الاثنين لمناقشة حالة النظام القضائي في تركيا واحترام الحقوق الأساسية في القانون والممارسة، بدأت الجلسة بكلمات افتتاحية ألقتها ماري أرينا رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، ولقد صرحت بقولها “إن الوضع في تركيا فيما يتعلق بحقوق الإنسان مقلق، و بوصفنا كممثلين للبرلمان الأوروبي، فإننا ننتقد بشدة الاعتقالات التعسفية التي تمارسها حكومة الرئيس أردوغان”.
اللجنة الفرعية استمعت، إلى يوهان فاندي لانوت أستاذ القانون في جامعة غينت حيث استعرض نتائج “محاكمة تركيا”.
وبعد ذلك تحدث فيليب دام نائب مدير هيومن رايتس ووتش لشؤون حقوق الإنسان في جنيف قائلا ” إن المعارضين السياسيين مستهدفون بشكل منهجي في تركيا وأن القضاء يخضع تحت تأثير السياسة” مشيرًا إلى الاعتقالات الجماعية التي تحدث في تركيا.
وأضاف ريشان باتراي سامان الرئيس المشارك لجمعية حقوق الإنسان والتي تتخذ من تركيا مقراً لها في كلمته قائلا” إن المحامين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان يواجهون الاضطهاد في تركيا”.
فيما أشار القاضي الإيطالي لوكا بيريلي إلى أن التدهور السريع لسيادة القانون في تركيا سبق محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، وبدأ فعليا في عام 2013 برد فعل عنيف من قبل الشرطة على احتجاجات جيزي، وكذلك فضيحة الفساد الحكومي التي كشفت تورط رئيس الوزراء آنذاك والرئيس الحالي أردوغان وأفراد عائلته ودائرته الداخلية المقربة في فضائح فساد مالي ضخم،وهو ما أعقبه قيام حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) بزلزلة أركان المجلس الأعلى للقضاة والمدعين (HSYK) ليؤكد على أن القضاء في قبضة السياسة.
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى لانوت حيث بدأ بشرح فعالية محاكمة تركيا قائلاً “إنها أُنشئت للفصل في انتهاكات حقوق الإنسان الأخيرة في تركيا، بما في ذلك التعذيب والاختطاف وأوجه القصور في حرية الصحافة وحرية التعبير وحق الإنسان في محاكمة عادلة. وذلك بعد قرارات هيئات الأمم المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي وأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) والتي لم تسفر في النهاية عن أي تغير إيجابي فيما يتعلق بسلوك السلطات التركية”
ولقد ضمت هيئة قضاة المحكمة شخصيات بارزة مثل البروفيسور إم. فرانسواز بارونيس تولكنز النائب السابق لرئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والقاضي د. جوهان فان دير ويستويني القاضي السابق للمحكمة الدستورية بجنوب إفريقيا، والبروفيسور جورجيو مالينفيرني والبروفيسور د. ليدي بيانكو ، اللذان عملا باعتبارهما قاضيين من قضاة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ولقد استمع القضاة إلى شهادات شهود كانوا ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا.
وأضاف لانوت أن محكمة تركيا عقدت في جنيف بين 20-24 سبتمبر 2021 وأن المقررين الخبراء قدموا تقاريرهم حول كل موضوع، حيث ستمع القضاة إلى 15 شاهدًا وأعلنوا الرأي النهائي للمحكمة في 24 سبتمبر 2021.، ولقد كانت الحكومة التركية مدعوة للتحدث عن نفسها لكنها لم تستغل هذه الفرصة.
ثم مضى لانوت في تقديم ملخص نتائج المحكمة.
معلقا على المحاكمة بقوله “اإن المحكمة ترى أن هناك استخدامًا منهجيًا ومنظمًا للتعذيب في تركيا فقد انتشرت سوء المعاملة والتعذيب على نطاق واسع ومنهجي في مراكز الاحتجاز التركية خاصة بعد الانقلاب الفاشل ،وهو ما يعد انتهاكا لما قررته الأمم المتحدة في قراراتها الخاصة والمعنية بتجريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة”.
واصل لانوت حديثه عن رأي المحكمة بشأن عمليات الاختطاف التي يُزعم ارتكابها من قبل المسؤولين الأتراك، قائلا “إن عمليات الاختطاف هي جزء من مما تمارسه الدولة تجاه المعارضين السياسيين المحتملين” وفقًا للمحكمة فإنه “لا يتم التحقيق في الشكاوى والادعاءات المتعلقة بالاختطاف بشكل مناسب”.
إن الديمقراطية في تركيا تتراجع بشكل متسارع فقد عادت حالات الاختفاء القسري التي كانت شائعة في تركيا خلال التسعينيات خاصة بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016. ووفقًا لتقرير مقرر المحكمة يوهان هيمانز ،فقد تم اختطاف ما لا يقل عن 25 شخصًا داخل تركيا من قبل المخابرات التركية منذ عام 2016 ، وأكثر من 68 خُطفوا في الخارج.
واستمر عرض لانوت للنتائج التي توصلت إليها المحكمة بشأن إفلات مرتكبي انتهاكات الحقوق من العقاب، حيث خلصت المحكمة إلى أن عدم الإفلات من العقاب من أسس نظام العدالة الجنائية وشددت على أن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان يتعرضون لصدمات نفسية شديدة بسبب الافتقار إلى الوصول إلى العدالة.
ونقل لانوت عن رأي المحكمة قوله “نتيجة لذلك، ترى المحكمة أن أعمال التعذيب والاختفاء القسري هذه لا يمكن اعتبارها مجرد حوادث منعزلة، بل يجب اعتبارهم جزءًا من هجوم واسع النطاق ضد المدنيين خاصة بعد انقلاب ٢٠١٦ الفاشل، بناءا عليه ترى المحكمة أن أفعال التعذيب والاختفاء القسري المرتكبة في تركيا، والموجودة في الطلبات المقدمة أمام الهيئات المختصة والتي تخضع لإثبات المعرفة المحددة للمتهم وقصده، يمكن أن ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية”.
كما أشار كل من سيرجي لاغودينسكي عضو البرلمان الأوروبي (MEP)، ورئيس وفد تركيا في البرلمان الأوروبي، وعضو البرلمان الأوروبي ناتشو سانشيز أمور إلى انتهاكات حقوقية عديدة تحدث في تركيا.
وهو ما دعى عضو البرلمان الأوروبي بيتر فان دالين إلى اقتراح اتخاذ تدابير صارمة لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا فصرح قائلا “يجب أن نقاطع نظام أردوغان والزمرة المحيطة به، كما يجب علينا كاتحاد أوروبي القيام بحظر حساباتهم المصرفية.ومحاكمتهم جميعًا أمام المحكمة الجنائية الدولية” واضاف قائلا: “نحن بحاجة إلى التضامن مع جميع الأشخاص الذين يعانون كل يوم في تركيا”.
بعد الاستماع إلى كلمات بعض من أعضاء البرلمان الأوروبي صرح لانوت مشيرًا إلى الرأي النهائي فيما يتعلق بمحاكمة الحكومة التركية بقوله “يجب أن أصر على أنه من الخطير جدا على الاتحاد الأوروبي وجود دولة تتمتع بعلاقات مهمة جدًا مع الاتحاد الأوروبي رغم أنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية”.
وقال لانوت: “قررنا إعداد طلب للمحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر غير معتاد، لكننا نعتقد أننا بحاجة إلى القيام بذلك، وسنحاول القيام بتلك الخطوة في الفترة من يناير إلى فبراير من العام القادم”.
المحكمة الجنائية الدولية تم تأسيسها عبر المعاهدة الدولية التي تم توقيعها في روما، وتقوم المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة تثير قلق المجتمع الدولي مثل : الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
تتهم المعارضة التركية الحكومة بشن حملة قمع على المجتمع المدني في أعقاب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، وبتنفيذ عملية تطهير واسعة النطاق داخل مؤسسات الدولة المختلفة بحجة مكافحة الانقلاب.
لقد عانت تركيا في السنوات الأخيرة من أزمة حقوقية حادة، فالرئيس رجب طيب أردوغان يحاول تعزيز حكمه الفردي بشتى الطرق ويقوم بعملية تقويض ممنهجة ضد ركائز الديمقراطية الغير مكتملة في تركيا.