بقلم: تركمان ترزي
لندن (زمان التركية) – لا يخفى على أحد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم الجهاديين في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2011، بينما نفذ الجيش التركي ثلاث عمليات عبر الحدود في الدولة التي مزقتها الحرب على مدى السنوات القليلة الماضية. يكمن الهدف الأساسي لتركيا في منع إنشاء نسخة من شمال العراق -منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي- على طول حدودها التي يبلغ طولها 911 كيلومترًا مع سوريا.
لا يزال سبب استهداف أردوغان لقوات الرئيس السوري بشار الأسد غامضاً بدلاً من التعاون مع النظام السوري ضد الميليشيات الكردية في الأراضي السورية. لم يتم حل الغضب والتوترات المتصاعدة بين أردوغان والأسد، ويبدو أن حربًا شاملة بين تركيا وسوريا قد تلوح في الأفق.
ذكر وزير الخارجية التركي السابق يشار ياكيش في مقال نُشر يوم الاثنين في صحيفة (عرب نيوز) أن أردوغان يفكر في عمليات عسكرية جديدة في سوريا وذلك في محاولة لجذب أصوات الناخبيين القوميين قبل انتخابات 2023 حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن أردوغان حصل على أدنى دعم منذ أن وصل حزبه إلى السلطة في عام 2002، وهو ما دعا حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى الدخول في تحالف انتخابي مع حزب الحركة القومية المتطرف في فبراير 2018 قبل الانتخابات العامة في 24 يونيو 2018، ومنذ ذلك الحين وقف الناخبون القوميون من أنصار حزب الحركة القومية جنبًا إلى جنب مع الإسلاميين من أنصار حزب العدالة والتنمية من الدعاة الرئيسيين لتوسع أردوغان في المنطقة.
وهو ما ترجم على أرض الواقع حيث أقرت الحكومة التركية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، اقتراحًا لتمديد تفويض الجيش لإجراء عمليات عبر الحدود في سوريا والعراق لمدة عامين آخرين، ولقد وصوت حزب الحركة القومية الذي حصل على 48 مقعدًا لصالح الاقتراح، بينما صوت ضده حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي الذي يضم 135 نائبًا وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي حصل على 56 مقعدًا، من الجدير بالذكر أن البرلمان التركي وافق على على دعم الحملة الدولية المناهضة لتنظيم داعش لأول مرة عام 2013 ومنذ ذلك الحين يتم تجديد هذا الدعم البرلماني.
أما التدخل العسكري التركي في سوريا فقد كانت “عملية درع الفرات ” في عام 2016 أول تدخل بري من تركيا في سوريا منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 حيث استولى تحالف الجيش السوري الحر التركي على بلدة جرابلس الحدودية السورية التي كانت تسيطر عليها داعش، وهو ما دعا إلى انسحاب الأكراد شرق سوريا، ولقد أكد أردوغان في ذلك الوقت أن الهدف الرئيسي للعملية هو منع وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا من الاستيلاء على المزيد من البلدات على طول الحدود السورية التركية.
استهدفت تركيا ومقاتلون سوريون مدعومون من تركيا مواقع كردية غرب أعزاز واستولوا على منطقة عفرين في عام 2018 وواصل الجيش التركي استهداف القوات الكردية على طول حدوده بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة (وهي مجموعة مسلحة تتكون في الغالب من مقاتلي وحدات حماية الشعب الذين صنفتهم تركيا كمجموعة إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني) أقنع أردوغان الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بشأن العملية السورية الثالثة، فبعد محادثته الهاتفية مع أردوغان أعلن ترامب بشكل صادم انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا. في بيان صادر عن البيت الأبيض وفيه أعلنت السكرتيرة الصحفية ستيفاني جريشام في 6 أكتوبر 2019 أن “تركيا ستمضي قريبًا في عمليتها المخطط لها منذ فترة طويلة في شمال سوريا، أطلقت تركياعلى هذه العملية عملية “نبع السلام” في سوريا في 9 أكتوبر / تشرين الأول 2019 لإخراج قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الشمالية السورية المتاخمة لتركيا، وكانت النتيجة هي وفاة أكثر من 90 مدنياً ونزوح أكثر من 300 ألف سوري كنتيجة مباشرة للعملية التركية.
من الواضح أن الهدف الرئيسي لأردوغان من تنفيذ العملية هو إنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدود السورية وإعادة توطين بعض ملايين اللاجئين السوريين في جميع أنحاء تركيا. كما توصل أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اتفاق خلال اجتماع في منتجع سوتشي على البحر الأسود في 23 أكتوبر 2019 للعمل معًا لإبقاء القوات الكردية بعيدًا عن الحدود السورية مع تركيا لإنشاء “منطقة آمنة”.
ولقد هددت تركيا مرارًا وتكرارًا منذ عمليتها الأخيرة في عام 2019 الجماعات الكردية وكذلك النظام السوري، ومن المهم ملاحظة أن أردوغان لم يعد في وضع يسمح له بإقناع بوتين بالعمليات في سوريا ، كما لم يعد حليفه المقرب ترامب في منصبه. أضف إلى ذلك أن الاقتصاد التركي في حالة من الفوضى العارمة، وكذلك لأن الحالة الصحية لأردوغان في تدهور مستمر
من جهة أخرى فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن معروف بأنه من مؤيدي الأكراد، وقد أدى دعم أنقرة العسكري لأوكرانيا إلى خلق توتر مع روسيا، وهو ما يجعل العديد من المحللين السياسيين يتوقع أن اتفاق تركيا وروسيا في منطقة إدلب السورية – آخر معاقل الجهاديين- قد ينهار قريبًا.
ذكرت قناة (الجزيرة) أنه بعد لقاء بايدن في روما في 31 أكتوبر خلال قمة قادة مجموعة العشرين أكد أردوغان أنه “عندما يحين وقت تنفيذ عملية ،عسكرية سيتم تنفيذ عملية ، وأنه لا مجال للتراجع عن ذلك “.
منذ أن مدد البرلمان التركي التفويض للعمليات السورية، تزيد القوات التركية من هجماتها على سوريا قتلت طائرات تركية بدون طيار ثلاثة أكراد في مدينة القامشلي شمال سوريا.
ولقد ذكرت العديد من وسائل الإعلام أن تركيا تتخطى استخدام الأسلحة وتعذب الأكراد من خلال تسليح المياه في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية فقد أفادت قناة الجزيرة الشهر الماضي أن مسؤولين أكراد وبعض منظمات المجتمع المدني السوري اتهموا القوات المدعومة من تركيا بقطع إمدادات المياه بشكل متقطع عن محطة علوك المائية بعد السيطرة عليها أواخر عام 2019 في إطار عملية عسكرية في شمال سوريا، ولقد وصفت الحكومة السورية تركيا بالدولة الإرهابية بسبب تدخلها الدائم في محافظة إدلب.
لم يعد أردوغان يمتلك القوة لإقناع بوتين وبايدن بمعارضة الأسد والأكراد، لكنه يحتاج إلى حرب في سوريا لإرضاء ناخبيه الوطنيين، لقد دخل أردوغان سوريا قبل عقد من الزمان ولديه حلم الاستيلاء على مدينة دمشق الإسلامية التاريخية وإعلان خلافته لكن كل ما خرج من الوضع هو الخسائر الفادحة للجنود الأتراك على الأراضي السورية، المفارقة الكبرى هي أن هدف أردوغان التوسعي الذي بدأ في سوريا وما تلاه من فشل لاحق سيكون هو على الأرجح سبب نهاية حكم أردوغان.
المصدر: موقع تيركشمنت