علي بولاج
بدأت الرموز المعروفة تدخل على الخط ما إن أعلن تنظيم القاعدة في اليمن عن مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي في باريس.
جرت الإشارة إلى الواقعة على الفور بأنها من قبيل “الإرهاب الإسلامي”. وأعقب ذلك القول إن هذا الهجوم هو نسخة من هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001، لكن هذه المرة في فرنسا. وبدأ إطلاق الأحكام في الوقت الذي لم يحصل فيه أحد على معلومات بشأن ماهية الهجمات. وأخذوا يقولون: “يجب إدخال إصلاحات على الإسلام!”.
وبطبيعة الحال شهدنا في هذه الأثناء دعوات توجَّه بأسلوب متغطرس إلى العالم الإسلامي. كما كان الوضع عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر.
وبكل تأكيد فإن المسلمين العقلاء الذين يعرفون دينهم جيدًا لايمكن أن يدافعوا عن الإرهاب. كما أن أحدًا لايمكن أن يؤيد الهجوم الذي استهدف صحيفة شارلي إبدو الساخرة الفرنسية التي نشرت رسومًا كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. لكن يجب علينا أن نناقش القول بأن هذا الهجوم يعتبر “إرهابًا إسلاميًا”.
أعلن العديد من الزعماء الأوروبيين، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أن هذا الهجوم لن يلصَق بالإسلام والمسلمين. وكان هذا أمرًا مهمًا ذلك أن الأمور لو كانت عولجت من خلال رمز “الإرهاب الإسلامي”، لكانت المعايير في العالم الإسلامي الذي يمر بمرحلة حرجة قد زادت من دعمها لمنفذي هذا الهجوم. ولكان خمسة عشر مليون مسلم يعيشون في أوروبا أصبحوا أهدافًا للمتطرفين العنصريين.
لقد قضى المسلمون ربع القرن الأخير وهم يحاولون أن يخلصوا أنفسهم من لافتة “الإرهاب الإسلامي” التي علّقها الغرب في أعناقهم. وصار “الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي” هو آخر نقطة وصل إليها الاستشراق الغربي. ولقد توطنت هذه الفكرة في الأذهان وصار من المستحيل محوها. وتكرر ثلاث مرات في الخبر المتعلق بالجزائرية حياة بومدين، التي تحوم حولها الشكوك بمشاركتها في هجوم باريس، عبارة تفيد بأنها “متزوجة عرفيا من منفذ الهجوم”. وكأن زواج حياة بشكل رسمي أو مدني له علاقة إلزامية بالهجوم.
إن وجهة النظر الاستشراقية الجديدة التي نواجهها اليوم تعرّف وتقدم “الإسلام” وكأنه “الشر المطلق”. وما إن يدخل هذا الشر المطلق أي جسد حتى ينتشر فيه كالفيروس ويحوّله إلى شيئ سيئ شرير ليصدر بعد ذلك من هذا الجسد الذي أصابه هذا الفيروس سوء وشر مطلق دائماً. يلقوننا هذه الفكرة: “الطريق الوحيد للنجاة من هذا السوء والشر هو تحويل الإسلام إلى البروتستانتية، كما حدث في النصرانية، ثم مواصلة السيطرة العسكرية والسياسية للغرب على العالم الإسلامي عديم الكفاءة الذي لايستطيع التحكم في مصادر المعلومات والمعرفة والمصادر الطبيعية والمادية التي يملكها”. فهجمات إسرائيل غير المحدودة والأنظمة القمعية والانقلابات العسكرية التي تحظى بالتشجيع والتأييد والأنظمة الاستبدادية التي يجري تشجيعها من وراء الستار، تعتبر ضمانة استمرارية هذه الوضعية المتواصلة منذ قرن. لكن بسبب هذه الوضعية خرجت علينا تنظيمات متطرفة كالقاعدة وغيرها وبدأت تنفذ هجماتها الإرهابية من خلال أفكار وطرق مختلفة تمامًا. فنحن هنا أمام نفاق أكاديمي لايصدق: تلفت علوم الاجتماع الغربية انتباهنا إلى أن أية واقعة اجتماعية تحمل هذه الصفة أو تلك لن تظهر بين ليلة وضحاها. إذ إن هناك عوامل مؤثرة ومحددة تغذي كل ظاهرة تحدث. لكن عندما يكون الحديث عن الأمراض التي يعاني منها العالم الإسلام يخفي الغرب أدواره المحددة والموجهة. كما أنهم يعزون كل العناصر إلى مساوئ موهومة نابعة من الدين الإسلامي، بحسب زعمهم.
إن الهجوم الذي شهدته العاصمة الفرنسية باريس ليس “إرهابًا إسلاميًا”. ولكي نستطيع أن نلصق صفة “الإسلامي” بهذا الهجوم، يجب أن يوافق العالم الإسلامي الغني والواسع من حيث التوجهات الفكرية والسياسية على هذا الهجوم. لكن العالم الإسلامي بأسره تقريبًا لم يعلن دعمه لهذا الهجوم. كما أن هذا الهجوم ليس “إرهابيًا إسلامويًا”. ولو كان كذلك لكنا قد انتظرنا من التيارات والأحزاب والحركات الإسلاموية أن تعلن أن هذا الهجوم يعتبر هجومًا مقبولًا لديها. لكن على العكس تمامًا أدانت جميع التيارات والحركات الإسلاموية، من حزب الله إلى حماس، هذا الهجوم.
ولايمكننا أيضًا أن نطلق على هذا الهجوم وصف “الإرهاب السلفي”. ولو كان كذلك لكان يجب على الدعاة السلفيين والأصوليين، الذين يشكلون الهيكل الشرعي للسلفية، أن يعتبروا هذا الهجوم هجومًا مشروعًا. ولكنهم لم يفعلوا ذلك.
لقد تبنى تنظيم القاعدة في اليمن الهجوم، وأيدته بقية عناصر التنظيم الأخرى في مختلف البلدان. إذن فالعملية قام بها تنظيم القاعدة. وكما أننا لانطلق لفظ “الإرهاب الكردي” على ممارسات منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، ولا “الإرهاب اليهودي” على ممارسات دولة إسرائيل، فلايمكن لأحد أن يحمِّل الإسلام والمسلمين مسؤولية هذا الهجوم. وإذا كان تنظيم القاعدة وسائر التنظيمات الأخرى يتحملون مسؤولية هذا الهجوم، فهذه عملية تخصهم وحدهم. ولاشك في أن منفذي الهجوم هم الذين من المفترض أن نسألهم عن شرعية الهجوم وفوائده وأضراره. فهذا التنظيم – القاعدة – لا يستشير أحدًا عند تنفيذ أي هجوم فهو من يصدر فتاواه بنفسه.