د. منى سليمان
القاهرة (زمان التركية) – نجح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في احتواء أزمة تهديده بطرد عشر سفراء غربيين بينهم السفير الأمريكي والفرنسي والألماني، بعدما أصدرت تلك الدول بيانا مشتركا دعوا فيه للإفراج عن رجل الأعمال التركي المعارض “عثمان كافالا” المعتقل في تركيا منذ أكثر من أربع سنوات. وفيما بدا أنه تراجع عن الموقف الغربي صدر بيان ثان يوم 25 أكتوبر 2021 من السفارة الأمريكية بأنقرة تؤكد فيه احترامها للسيادة التركية وعدم التدخل في الشأن التركي وقد رحب به “أردوغان”، لتجنب تفاقم الأزمة غير المسبوقة في العلاقات التركية الغربية والتي كانت ستنعكس آثارها السلبية على الاقتصاد التركي الذي يمر بأزمات مركبة، ورغم ذلك فإن أسباب الأزمة مازالت قائمة حيث تطالب الدول العشر بالإفراج عن “كافالا” واستقلالية القضاء بتركيا. وهو ما سيؤدي لأزمات مماثلة مستقبلا.
أولا: تصعيد واحتواء أزمة طرد السفراء:
1-تصعيد الأزمة:
– صدر بيان مشترك يوم 18 أكتوبر 2021، من سفراء عشر دول بأنقرة هي (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد)، يطالبون فيه بالإفراج عن رجل الأعمال التركي المعتقل منذ أربع سنوات “عثمان كافالا”. والبيان الصادر عن السفراء استجابة لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. التي سبق ودعت للإفراج عنه، وأصدرت على مدى العامين الماضيين، قرارات عدة طالبت فيها تركيا بسرعة الإفراج عن “كافالا”، قائلة إنه “ليس هناك دليل معقول على أنه ارتكب جريمة، وإن الهدف من احتجازه هو إسكاته. وقرار الإفراج الفوري عن المعتقل السياسي “عثمان كافالا”، تماشيًا مع قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وجاء في البيان المشترك الصادر عن سفارات (ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والدنمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا والسويد وكندا والنرويج ونيوزيلندا)، أن استمرار تأجيل محاكمة كافالا بضم ملفات مختلفة وخلق قضايا جديدة بعد الحكم بالبراءة، يلقي بظلاله على احترام الديمقراطية وسيادة القانون ومبادئ الشفافية في النظام القضائي التركي. نعتقد أن هذه القضية يجب أن تُحسم بشكل عادل وسريع، بما يتماشى مع التزامات تركيا الدولية والقوانين الوطنية.
-يوم 19 أكتوبر 2021 استدعت وزارة الخارجية التركية السفراء العشرة وأبلغتهم رفضها بيانهم المشترك حول “كافالا”، ووصفته بأنه “غير مسؤول ويعبر عن إزدواجية في المعايير، حيث تتجاهل بعض الدول قرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية وتركز اهتمامها على القضايا المتعلقة بتركيا.
-هدد الرئيس التركي يوم 21 أكتوبر 2021 بطرد سفراء هذه الدول. وأعلن الرئيس التركي “رجب طيب إردوغان” يوم 23 أكتوبر 2021، أن سفراء الدول العشرة وبينها فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، الذين وجهوا دعوة للإفراج عن المعارض عثمان كافالا سيتم إعلانهم “أشخاصاً غير مرغوب فيهم، هؤلاء السفراء عليهم أن يعرفوا تركيا ويفهموها لأنهم يفتقرون إلى اللياقة، وعليهم مغادرة البلاد إذا لم يعودوا يعرفونها”. وقال “أردوغان” خلال تجمع جماهيري لأنصاره في أسكشهير بوسط تركيا إنه أصدر تعليمات إلى وزير الخارجية لإعلان السفراء العشرة أشخاصاً غير مرغوب فيهم بأسرع وقت، و”يجب على هؤلاء السفراء معرفة تركيا وفهمها، وإلا فعليهم مغادرة بلادنا”.
2-احتواء الأزمة:
-تعهدت واشنطن يوم 25 أكتوبر 2021 مواصلة الدفع باتجاه تعزيز حقوق الإنسان في تركيا، مشددة في الوقت نفسه على أهمية التعاون، بعدما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد هدد بطرد السفير الأميركي على خلفية موقف أطلقه. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس” .. “سنواصل الدفع باتجاه تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان عامة، نعتقد أن السبيل الأفضل للمضي قدماً هو عبر التعاون في مسائل ذات أهمية مشتركة، ونحن نعلم أن هناك مسائل كثيرة ذات أهمية مشتركة مع تركيا”.
-نشرت سفارة الولايات المتحدة وسفارات دول أخرى على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بيانا يطالب بمواصلة الالتزام بالمادة 41 من اتفاقية فيينا. وأعادت سفارات أخرى، مثل السفارة الألمانية، نشر تغريدة الولايات المتحدة. وترشد هذه المادة الدبلوماسيين، من بين أمور أخرى، إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المستقبلة. وبعد ذلك أعلن أردوغان أن السفراء “تراجعوا قبل تشويه سمعة قضائنا وبلدنا”، مضيفا أنه يعتقد أن السفراء سيكونون “أكثر حرصا” في المستقبل و في 25 اكتوبر 2021 تراجعت ألمانيا وفرنسا والدنمارك والسويد والنرويج عن مطالبتهم تركيا بالإفراج عن “كافالا”. وغداة ذلك كما تراجعت نيوزيلندا وهولندا وكندا وفنلندا عن البيان المشترك عقب إعلان الولايات المتحدة مباشرة ليلحقهم بعدها الدول الخمسة الأخرى.
-ذكرت وسائل الإعلام الحكومية التركية يوم 25 أكتوبر 2021، أن الرئيس “أردوغان” فسر بشكل “إيجابي” رسالة نشرتها السفارة الأمريكية بأنقرة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بالتأكيد على امتثالها للاتفاقيات الدولية لمنع المبعوثين من التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة. ونشرت سفارات أخرى رسائل مماثلة من بينها سفارتا كندا وهولندا. وهو ما يمهد الطريق إلى تخفيف تصعيد في نزاع دبلوماسي.
-أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 26 أكتوبر 2021 بيانا يؤكد إن الحكومة الأمريكية تلتزم بتعهداتها بحقوق الإنسان الواردة في بيان صدر في 18 أكتوبر 2021، يدعو إلى إطلاق سراح رجل الأعمال ورجل الأعمال التركي “كافالا”. وواشنطن ملتزمة بتعزيز حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
-وتتعلق المادة 41 بضرورة التزام المبعوث الدبلوماسي بمراعاة واحترام المبعوث الدبلوماسي قوانين وأنظمة الدولة المضيفة، وتؤكد الممارسة الدولية أن مسألة تحديد ما إذا كان المبعوث الدبلوماسي أصبح شخصًا غير مرغوب فيه ترجع إلى السلطة التقديرية لحكومة الدولة المضيفة، التي تُعتبر وحدها القاضي في هذا الصدد، فإذا أعلنت الدولة المضيفة مبعوثًا دبلوماسيًا شخصًا غير مرغوب فيه، يجوز أن تعلن عن ذلك للدولة الموفدة في جميع الأوقات، ودون بيان أسباب قرارها، ويترتب على هذا الإجراء التزام خاص على الدولة الموفدة يتمثل في قيامها حسب الاقتضاء إما باستدعائه أو بإنهاء مهمته في البعثة الدبلوماسية.
3- من هو “عثمان كافالا”:
يُحتجز رجل الأعمال التركي “عثمان كافالا” (64 عاما) لدى الشرطة منذ أكتوبر 2017 بتهم مختلفة مرتبطة باحتجاجات حديقة جيزي في جميع أنحاء البلاد في عام 2013 والانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016. وقال مجلس أوروبا إنّه على استعداد “لضمان تنفيذ الحكم من خلال النظر بقوة في استخدام جميع الوسائل الموجودة تحت تصرف المنظمة”. وتشمل العقوبات المحتملة سحب حقوق التصويت لتركيا في المجلس أو الطرد الكامل من الهيئة الأوروبية. يذكر أنه تم تعليق عضوية تركيا في مجلس أوروبا آخر مرة لفشلها في تشكيل حكومة ديمقراطية في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1981.
كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قضت بالإفراج عن “كافالا” منذ عام 2019 بناء على عدم وجود أدلة لإدانته. وتجاهلت تركيا هذا الحكم حتى الآن، على الرغم من أنها ملزمة بالتنفيذ بصفتها عضوا في مجلس أوروبا. ويهدد مجلس أوروبا تركيا باتخاذ إجراءات ضدها بسبب انتهاك ميثاق المجلس إذا لم يتم الإفراج عن “كافالا” بحلول ديسمبر المقبل.
وسائل الإعلام الموالية “لأردوغان” تقود دعاية بأن تركيا أثنت الدول الغربية أمامها بعدما تدخل سفراءها في عمل القضاء التركي مطالبين بالإفراج الفوري عن “كافالا”، إلا أن مصادر غربية أفادت بأن “أردوغان” هو من تراجع عن تهديده بطرد 10 سفراء غربيين.
ويروج “أردوغان” إلى إن “كافالا” هو ذراع الملياردير الأمريكي “جورج سورس” صاحب مؤسسة “المجتمع المفتوح”، ويتهمه بأنه مول احتجاجات «جيزي بارك» لإطاحة حكومته. وبرأت محكمة تركية “كافالا”، أوائل عام 2020 من اتهامات تتصل بتلك الاحتجاجات؛ من بينها التجسس والعمل على إطاحة النظام الدستوري للبلاد، لكن سرعان ما اعتقل بعد ساعات، وألغي حكم البراءة وجرى دمج الاتهامات في قضية واحدة يحاكم فيها بتهمتي التجسس ودعم محاولة الانقلاب في 2016 التي تتهم أنقرة “حركة الخدمة” التابعة للمفكر الإسلامي التركي المقيم بولاية بنسلفانيا الأمريكية “فتح الله جولن” بتدبيرها.
“كافالا” بات رمزاً لانتهاك القانون والحريات في تركيا، وأعلن إنه لن يحضر جلسات محاكمته بعد الآن؛ لأنه لم يعد من الممكن عقد محاكمة منصفة بعد التصريحات الأخيرة “لأردوغان”. وستعقد الجلسة المقبلة في قضية كافالا يوم 26 نوفمبر القادم. وأردوغان وصف “كافالا” بأنه “بقايا سوروس”، لأنه كان عضوا في مجلس إدارة فرع مؤسسة سوروس للمجتمع المفتوح في تركيا وهو الدور الذي وصفه بأنه “قانوني” و”شفاف”. وأغلق المكتب في عام 2018 بعد أن استهدف “أردوغان” “سوروس” علنا.
وقد قرر “كافالا” المحبوس منذ 2017، عدم حضور أي جلسات استماع مقبلة في المحكمة، لأنه لم يعد يتوقع محاكمة عادلة بعد موقف “أردوغان” منه. وقال “كافالا” “سيكون من غير المجدي حضور جلسات الاستماع المقبلة، بما أنه لم تعد هناك فرصة لمحاكمة عادلة في ظل هذه الظروف، وتصريحات أردوغان الفاضحة تخلق تصورا بأنني مذنب وتؤثر علنا على القضاء”.
كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد وجهت انتقادات حادة للنظام التركي بسبب احتجاز “كافالا” كما قالت إنه يفرض عقوبات على مواطنيه بتهمة “إهانة الرئيس”، معتبرة أن هذا القانون لا يتماشى مع روح الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ودعت تركيا لتغيير قانون “إهانة الرئيس”، لأنه بات سيفا مسلطا على كل من ينتقد الرئيس “أردوغان”. كما اتهمت النظام التركي بأنه زج بالمئات أو ربما بالآلاف في السجون استنادا لهذا القانون.
لاحظت أعلى محكمة أوروبية أنه منذ انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي تنفيذي واسع الصلاحيات، تصاعدت أحكام السجن بحق آلاف من الأتراك بتهمة إهانة الرئيس. وفي عام 2020 وحده تم فتح 31297 تحقيقا تتعلق بتهمة “إهانة الرئيس” وتم رفع 7790 قضية وصدرت 3325 إدانات، بحسب بيانات وزارة العدل التركية. ومن بين الشخصيات البارزة التي صدرت بحقها حكم بتهمة “إهانة الرئيس” السياسي الكردي والزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد صلاح الدين دميرطاش.
ثانيا: أبعاد وتداعيات الأزمة :
1- أبعاد تراجع الطرفين عن قرارهم:
مثل بيان السفارة الأمريكية يوم 25 أكتوبر تراجعا شكليا عن المطالبة بالإفراج عن “كافالا” كما أن “أردوغان” تراجع عن قراره بطرد السفراء، كي يخفف من التوترات الدبلوماسية التي تعصف بالليرة التركية، إذ إن هذا القرار كان من شأنه العصف بالعلاقات الدبلوماسية مع أنقرة.
تراجع الدول الغربية يعود لعدة أسباب منها .. تركيا عضو بحلف “الناتو” وهناك مصالح مشتركة مع تلك الدول ومنها الدول العشر التي وقعت على البيان المطالب بالإفراج عن “كافالا”، كما أن تصاعد التوترات بين حلف الناتو وروسيا يؤدي لحاجة الحلف لتركيا لأنها درع الحلف الأول ضد موسكو وتوفر له قدرة ردع كبيرة في البحر الأسود والشرق الأوسط. وفيما يخص العلاقات بين أنقرة وواشنطن فهناك العديد من الملفات الخلافية بينهم بيد أن هناك أيضا العديد من المهام التي تقوم بها أنقرة لصالح واشنطن لاسيما في الملف الأفغاني.
2- دوافع تراجع “أردوغان” عن قراره:
تراجع “أردوغان” عن طلب ترحيل السفراء يُنجي تركيا من مشاكل اقتصادية كبرى، لأن بيان السفارة الأمريكية كان امتثالًا لاتفاقية فيينا وكان خطوة محسوبة، والتي سرعان ما بادر “أردوغان” بالترحيب بها. وهذه الخطوة الدبلوماسية أنقذت تركيا من كارثة كبرى مع حلفائها الغربيين كانت من الممكن أن تتسبب في خلق أزمة اقتصادية جديدة وعدم استقرار سياسي.
“أردوغان” لم يكن سيتخذ قرارا نهائيا بطرد السفراء، لأن وزارة الخارجية التركية لم ترسل أي إخطار رسمي لأي سفارة غربية تعلنها عن قرارها رغم مرور يومين على القرار، وهدف “أردوغان” من تهديده كان للتغطية على الأزمة الاقتصادية، وافتعال أزمة دبلوماسية لجذب أصوات القوميين وكتلته الانتخابية ورفع شعبيته.
– أإردوغان” كان يريد القيام “بضربة صادمة” لأنه يعاني من وضع سياسي شديد التعقيد داخليًا وخارجيًا. والدليل على ذلك استطلاعات الرأي التي تعطيه حوالي 30 % تراجع شعبية “أردوغان” مرده إلى تدهور الوضع الاقتصادي. ونسبة التضخم وصلت إلى حدود 20% بينما العملة التركية خسرت 25 % ما سينعكس سلباً على الميزان التجاري حيث تستورد تركيا مثلاً 70 % من حاجاتها للطاقة. وبلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي عشر ليرات لكل دولار للمرة الأولى في التاريخ.
-تراجع “أردوغان” عن قراره يعود لعدة أسباب منها ..
– صدور بيان من السفارة الأمريكية وبعض السفارات الغربية ما فسر على أنه تراجع عن موقفهم المطالب بالإفراج عن “كافالا”
– المخاوف من التداعيات الاقتصادية لاسيما في ظل تراجع الليرة منذ الإعلان عن قراره بإبعاد السفراء العشرة
– رغبة “أردوغان” في تجنب افتعال أزمة دبلوماسية دولية، قبل حضوره حدثين دوليين يشارك فيهما .. الأول هو قمة مجموعة العشرين يوم 30 أكتوبر الحالي، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في إسكتلندا في نوفمبر 2021.
-رغبته في تجنب تصعيد التوتر في العلاقات التركية الأمريكية، والتركية الأوروبية التي تعج بالعديد من الملفات الخلافية بينهم ويسعى “أردوغان” لإيجاد حلول لها. ومن بين أبرز الخلافات بين أنقرة وواشنطن .. ما يتعلق بعقود شراء طائرات مقاتلة من طراز “اف 35” وطلب قطع غيار لطائرات “اف 16”. فضلا عن إقدام أنقرة على شراء نظام دفاع جوي روسي من طراز “اس 400” رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتعزيز علاقاتها مع روسيا وإيران، والتدخلات العسكرية التركية في سوريا وليبيا وأذربيجان والعراق، وحملات “أردوغان” لقمع الحريات والديمقراطية.
الرئيس التركي يخاطب قبل كل شيء قاعدته الانتخابية والقوميين الذين “يتبنون الاتهامات التآمرية لرئيس الدولة”، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة لرفع شعبيته، لاسيما وأن القرار يتعارض مع مصالح تركيا لأنه يستهدف دولا مهمة لاقتصادها ولمكانتها الدولية.
3- التداعيات المتوقعة:
-تجنب أزمة اقتصادية وسياسية: كبار مستشاري “أردوغان” أطلعوه على التداعيات المحتملة على الاقتصاد التركي وسعر صرف الليرة، وأوصوا الحكومة بعدم اتخاذ خطوة ستعني فعلياً طرد السفراء. لأن الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، أكبر شريك تجاري لتركيا. وربما تكون هذه المداولات هي التي منعت وزارة الخارجية من إصدار إعلان رسمي بشأن السفراء حتى الآن. كما نفى رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية “فخر الدين ألطون”، ما نشره موقع دويتشه فيله الألماني، مُتهماً إيّاه بنشر أخبار كاذبة عن تركيا وتسميم العلاقات بين أنقرة وبرلين، وكان الموقع قد نشر أنّ وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” لم يقبل تعليمات “أردوغان” حول إعلان السفراء العشرة، أشخاصًا غير مرغوب فيهم وهدد بالاستقالة من منصبه مما دفع “أردوغان” للتراجع عن قراره. وكانت وسائل إعلام أوروبية قد ذكرت أن “أوغلو” سعى بالفعل لإقناع “أردوغان” بخطأ قراره إبعاد السفير الأمريكي إلى بلاده قبل أيام قليلة من قمة مجموعة العشرين، المقرر عقدها يومي 30 و31 أكتوبر الحالي في روما بإيطاليا. والمسؤولين الأتراك عملوا على التوصل إلى صيغة تسوية سعت من خلالها وزارة الخارجية والرئاسة لإقناع السفارات المعنية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
-تهديد بطرد تركيا من مجلس أوروبا: طالب عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني “نيلس شميد” بفرض عقوبات على تركيا في
حال استمرت في انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع. ومجلس أوروبا مسؤول عن قضايا حقوق الإنسان وليس جزءا من الاتحاد الأوروبي الذي لازال يرفض عضوية تركيا. وأوضح أن تركيا لا تنفذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية “كافالا”، وإذا استمر ذلك فإن الطرد من مجلس أوروبا أمر لا مفر منه”. وطالب نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي في ألمانيا “يوهان فادفول” قد أنتقد “أردوغان” بقوله “كان من الصواب أن يبني أردوغان جسرا يمكنه السير عليه، تركيا تعد أيضا شريكا عسكريا مهما لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي وقربها من روسيا والشرق الأوسط، وثمة ضرورة أن تبقى كذلك، ونثق في أن تركيا ستقترب من أوروبا على المدى الطويل وفي ظل حكومة مختلفة، هناك بالفعل قوى موالية لأوروبا في تركيا”.
-إنهاء حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي: ترى تركيا أنه من غير المقبول أن يقوم سفراء 10 دول غربية بمحاولة مشتركة يمكن تفسيرها على أنها تدخل في الشؤون الداخلية لتركيا. وهذا حق لأنقرة كدولة لها سيادتها، بيد أنه يتعارض مع معايير الانضمام للاتحاد الأوروبي ذلك الحلم الذي تسعى أنقرة لتحقيقه منذ سنوات، لأن من معايير الانضمام منح العواصم الأوروبية حق التدخل في الشؤون الداخلية لها. وحاليا ترفض أنقرة أي تدخل من أي جهة في شؤونها الداخلية وهذا ينهى أي آمال باقية لانضمام تركيا للاتحاد. وهو ما أكدته المفوضية الأوروبية أن تركيا لا تزال تشهد تراجعا حادا في الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلال القضاء، في تأكيد جديد على أن أنقرة لا تزال بعيدة عن الانضمام للتكتل الأوروبي. وذلك ضمن “وثيقة إستراتيجية التوسيع لعام 2021 ” وهي تقرير يقيم حالة جميع الدول المرشحة والمحتملة ترشحها للانضمام للاتحاد، بما فيها تركيا. والتقرير ذكر أن هناك أوجه قصور خطيرة في عمل المؤسسات الديمقراطية في تركيا، وأكد على استمرار التراجع الديمقراطي، والتدهور في حقوق الإنسان، والتراجع في حرية التعبير. وأشار التقرير إلى أن النظام الرئاسي في تركيا، يتضمن عيوبا هيكلية، مطالبا بضرورة تنفيذ التوصيات الأساسية لمجلس أوروبا وأجهزته.
-توقعات بالافراج عن “كافالا”: ثمة توقعات بأن يتجه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إلى إطلاق سراح رجل الأعمال والناشط الحقوقي “عثمان كافالا”، لأن “أردوغان” قد أطلق سراح القس الأمريكي “برانسون” رغم تحديه واشنطن وذلك بعدما فرضت الأخيرة عقوبات اقتصادية على تركيا. وهذه الخطوة ربما تحدث حال أراد الرئيس التركي تهدئة التوتر مع واشنطن وبروكسل.
-التشكيك باستقلالية القضاء التركي: القضية تشكك في القضاء التركي بكلا الحالتين، فمنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل بتركيا هناك حملات اعتقال عشوائية حيث اعتقل أكثر من نصف مليون مواطن دون سند قانوني وكان الاتهام دائما المشاركة في المحاولة الانقلابية، وهو أمر يشكك باستقلالية القضاء التركي. وأيضا عندما رفض “أردوغان” بيان الدول العشر حول “كافالا”، فإنه شكك في مصداقية القضاء مرة آخرى لأنه أصدر أحكاما مسبقا بإدانة “كافالا” وهي ستؤثر حتما على الحكم النهائي على رجل الأعمال. فلا يوجد سند قانوني “لأردوغان” وأعضاء حزب العدالة والتنمية للتلفظ بكلمات مثل “بقايا سوروس” و”سوروسكو” “لعثمان كافالا”. وهذه التصريحات هي أيضا دليل على عدم استقلال القضاء.
-حملة استهداف جديدة ضد “الخدمة”: من المتوقع أن يشن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” حملة على ما تبقي من عناصر حركة “الخدمة” في تركيا للرد على المطالبات المختلفة بالإفراج عن “كافالا” .
خلاصة القول، أن الرئيس التركي يغامر ويقامر بمستقبل تركيا لصالح بقائه بالحكم، والعلاقات التركية الخارجية أصبحت متوترة وأى أزمة تؤثر عليها وحال استمر على هذا الوضع ستكون العلاقات التركية الأوروبية والتركية الأمريكية هشة تعتمد على الجانب السياسي العسكري وليس على الجانب الثقافي والانتماء للمبادئ والقيم الغربية. وإذا كان استطاع تجاوز أزمة تهديده بطرد عشر سفراء وخرج منها “منتصرا” إلا أنه لن يتمكن من الفوز بكافة معاركه السياسية المقبلة، وإدارة كافة ملفاته الخلافية الخارجية مع الدول الأوروبية وواشنطن وموسكو دون تقديم تنازلات.