بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) – كنت قد كتبت في مقالي السابق الذي وضعت له عنوان (اللي حضر العفريت يصرفه) تحدثت عن تاريخ طالبان والداعم الأول لها، وأوضحت أن المسؤولية الأولى على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه المسؤولية أمريكا هي التي فرضتها على نفسها، بتبنيها الوضع هناك وإعلانها غزو أفغانستان الفعلي في السابع من أكتوبر عام 2001، هذا فضلا عن كونها الداعم الأول للحركة منذ ظهورها وبداية تأسيسها حتى تطورها ووصولها للقوة التي نراها الآن وتوليها سدة الحكم .
والحقيقة هنا أنني لست مع هؤلاء الذين يتصورون ويصورن أمريكا أنها (البعبع) طوال الوقت وانها المسؤولة عن كل شرور العالم أو أنها الشيطان الذي يريد ضلال الجميع ، وفي ذات الوقت نجد هؤلاء يتعاملون معها على انها ماما امريكا التي يأملون بالذهاب اليها ويحلمون بالعيش فيها، ورغم انني لست من هؤلاء ولكن الحقيقة في هذه الازمة التي يمر بها العالم من تولي هذه الجماعة ( طالبان ) الحكم بأفغانستان أمريكا هي المسؤول الأول عن ذلك ، والقاعدة تقول( إن من أفسد شيئا فعليه اصلاحه) .
ولكن المسؤولية هنا لا تقع على الولايات المتحدة وحدها وإنما المسؤولية الكبرى تقع على عاتق حكومة العالم التي تسمى بمنظمة الأمم المتحدة .
ففي مثل هذه الازمة التي تمر بها الاسرة الكبرى ، وهي الأسرة الدولية على الامم المتحدة التحرك بأسرع وقت وبشكل جاد لحماية العالم من الخطر الكبير الذي يهدده، ولا مجال هنا للاختلاف فالخطر يهدد الجميع وعلى الجميع أن يعلم ذلك .
ومن يظن أنه بعيد عن هذا الخطر عليه مراجعة التاريخ جيدا وليعلم
( ان من لم يتعلم من تاريخه فحتما عليه أن يكرره )، والتاريخ يقول إن طالبان أنشئت برعاية أمريكا وآمنت لها ودعمتها ظنا منها أنها صديقة وستقتل بها أعدائها وشر الحركة هي بمنأى عنه ، حتى حدثت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وتبين لها بعد الخسران وللعالم أجمع بأن الإرهاب لا صديق له ولا عهد لجماعته .
وتحرك الأمم المتحدة هنا لإصلاح الوضع في أفغانستان لأسباب أخلاقية وإنسانية فضلا عن الأسباب القانونية التي تجعل من مسؤولية الأمم المتحدة التحرك تجاه الأمر وفي أسرع وقت، ومن جملة هذه الأسباب والدوافع القانونية أن الوضع الحالي في أفغانستان يهدد السلم والأمن الدوليين، والأمم المتحدة متمثلة في أحد أهم أجهزتها وهو مجلس الأمن الدولي هو المخول بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وفقا للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، أضف إلى ذلك أن من صميم عمل مجلس الأمن وجوهر رسالته الاستجابة للأزمات في جميع أنحاء العالم .
إن قيام هذا النوع من الحكم يتعارض مع كل النصوص الدولية، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 … الخ من نصوص ووثائق دولية أخرى .
وبجانب هذه المسؤولية للأمم المتحدة تجاه أفغانستان من الناحية الاخلاقية والانسانية والقانونية، فهناك دافع للتحرك من ناحية المصلحة فأنا ذكرت وأعود وأكرر حقيقة هامة أن خطر وجود هذه الجماعة ينال الجميع وستكون قبلة لجميع الحركات الإرهابية والمتطرفة في جميع أنحاء العالم .
أما من الجانب الإنساني والأخلاقي فواجب على حكومة العالم القضاء على هذه الحركة وعودة أفغانستان إلى أهلها كبلد إنساني متحضر يعيش ولو بالقدر القليل أو بالحد الأدنى من حقوق الإنسان، وحمايتهم من المصير الذي ينتظرهم من شكل هذه النوع من الحكم، ولعل أصدق الصور تعبيرا عن طبيعة هذا الحكم وشكله ما رأيناه من مشهد تقشعر له الأبدان وتحرك له القلوب حينما كانت الطائرات الأمريكية تبدأ في الطيران من أفغانستان، والكثير من الشعب الأفغاني يتسابق ليتعلق بأحد أجزاء الطائرة على أمل الفرار من العيش تحت هذا الوضع، رغم إدراكه بأن السقوط والموت أرجح من النجاة والعيش ببلد آخر، ولكنه فضل الموت إذا ما سقط في الهواء كما رأيناه في الصور المخيفة التي تم رصدها، بدلا من العيش تحت مظلة هذا الحكم الإرهابي والأفكار الظلامية.
عاشت الأمة الإنسانية بكل حب وخير