بقلم: لواء دكتور شوقي صلاح
أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية وخبير مكافحة الإرهاب
القاهرة (زمان التركية) – على ضوء المستجدات الأخيرة للأوضاع في أفغانستان، حيث سيطر تنظيم طالبان على كامل التراب الأفغاني خلال فترة زمنية وجيزة جداً.. أدهشت بها طالبان العالم بأسره خاصة التحالف الغربي؛ سيطرة تمت قبل خروج قوات الاحتلال الغربي من أفغانستان، حيث سقطت العاصمة فور مغادرة الرئيس الأفغاني “أشرف غني” للبلاد، وتلى هذا استسلام القوات الحكومية (وقوامها يزيد على 300 ألف جندي، والفرض أنهم مدربون من قبل الجيش الأمريكي خلال فترة الاحتلال التي قاربت العشرين عاماً، بينما قوام قوات طالبان لا يتجاوز الـ 75 ألف مسلحاً ) فهل هذا يؤكد صورية تدريب عناصر الجيش الأفغاني، وإغفال الجانب المعنوي والعقدي لدى قوات هذا الجيش ؟؟؟
إضافة لإفشاء متعمد للفساد في أوساط الجيش، امتد أيضاً لمؤسسات الدولة الأفغانية تحت الاحتلال.. ولنتساءل أيضاً: هل ذهبت هباءً المخصصات المالية التي أنفقتها الولايات المتحدة على تسليح وتدريب القوات الحكومية، والتي قدرت بما يزيد على 88 مليار دولار؟!
سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات في نهاية المقال، ولعل المؤكد حتى الآن أن التحالف الغربي وبعد مرور عشرين عاما على الغزو؛ الذي كلفهم أموالاً طائلة وضحايا كثرا.. قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق هدفه الرئيسي.. فالتنظيم المتطرف قد انتصر وتمكن من الدولة الأفغانية ـــ ينطبق هنا المثل الشعبي المصري القائل “كأنك يا أبو زيد ما غزيت” ـــ بل ومن المدهش في الأمر الآن أن أصبحت أقصى آمال التحالف الغربي هو الخروج الآمن لقواته ومنتسبيه!!! وإلا ستكون فضيحة مدوية تتعدى آثارها هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، وسوف نلقي في السطور التالية نظرة سريعة على نشأة التنظيم وأيدولوجيته؛ مع الإشارة لخطورة هذه الأيدولوجية على المستوى الدولي؛ ونحاول الإجابة أيضاً على الأسباب الرئيسية للسرعة المذهلة التي سيطر بها تنظيم طالبان على المشهد الأفغاني.
الملا محمد عمر (مؤسس طالبان افغانستان)
نشأ تنظيم طالبان بولاية قندهار بجنوب شرق أفغانستان عام 1994 على يد المؤسس الملا محمد عمر، وظهر التنظيم المسلح على المسرح الأفغاني حاملاً أيديولوجية إسلامية سلفية متطرفة، فهو يسعى لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على كافة مناحي الحياة؛ وهدفه إعلان قيام “إمارة أفغانستان الإسلامية ” تمهيداً بالطبع لعودة الخلافة الإسلامية.
وإذا كان مصطلح الإيديولوجية نقصد به “العقيدة” سواء كانت سياسية أم عسكرية أم دينية.. فعقيدة تنظيم طالبان الدينية أهم ملامحها: اعتناق التنظيم لفكرة الحاكمية أي تحكيم كتاب الله ـــ القرآن الكريم ـــ وفقاً لفهمهم لقوله تعالي “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ” 57 الأنعام، فالحكم عندهم لله وليس للبشر، لذا فهم لا يقبلون بالديمقراطية؛ التي هي حكم الشعب، ويرفضون الأخذ بنظام الأحزاب، ويطبقون الحدود… .
وجدير بالذكر أن هذا التنظيم سبق له أن حكم فعلياً أفغانستان خلال الفترة من 1996 حتى 2001، واعترفت كل من: باكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة بحكومة طالبان في هذه الفترة ـــ وسحبت الدولتان العربيتان اعترافهما في 2001 بناء على تفاهمات مع الجانب الأمريكي والغربي ـــ وسقط حكم طالبان بعد اجتياح التحالف الغربي لأفغانستان على أثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر وزعم الولايات المتحدة الأمريكية دعم طالبان لتنظيم القاعدة، وتوفير التنظيم ملاذا آمنا لأسامة بن لادن، ورفضه تسليمه.
ولعل سيطرة طالبان على الدولة الأفغانية تعد نكسة سياسية للتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، فلا يعد هذا مجرد إخفاق عادي.. فهناك تنظيم متطرف بمثابة عدو لدود للغرب أصبح وفقا لواقع الأمر مسيطراً على الدولة الأفغانية؛ ولا يعني هذا أن القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان يمثل خطأ من قبل الإدارة الأمريكية، بل هو قرار نراه صائباً.. لكن عين الخطأ إنما يتمثل في الفشل المدوي بشأن تجهيز البديل الذي سيملأ الفراغ الأفغاني عقب خروج قوات التحالف الغربي، والخطر الأكبر يتمثل في أيديولوجية هذا التنظيم؛ التي ستكون ملهمة للمتطرفين الإسلاميين على المستوى الدولي.. لذا فلا نستبعد أن ترتكب هجمات إرهابية تستهدف المصالح الغربية بشكل عام؛ خاصة من ذئاب منفردة تتفق عقيدتها مع العقيدة الطلبانية المتطرفة.
هذا وفي نهاية المقال لنتوقف بالتحليل أمام الأسباب الرئيسية في الاستسلام السريع المفاجئ لقوات الجيش الأفغاني أمام قوات تنظيم طالبان، حيث نرى أن الرئيس الأفغاني وجيشه وجدوا أنه يجب ألا تنساق البلاد لصراع طويل الأمد، والكل فيه خاسر، وأنه من الصواب أن يمنحوا طالبان فرصة التمكين بشرط عدم تصفية الحسابات مع هذا الجيش، وعلى أمل إدماجه والاستفادة من قدراته في المستقبل.. وبهذا يتجنبون فخ التحالف الهادف إلى إغراق البلاد في أتون حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس.. وربما يؤكد هذا التحليل قول الرئيس الأفغاني بعد مغادرته البلاد “غادرت حقناً للدماء “، فالمؤامرة قوبلت بيقظة سياسية مضادة، وكأن لسان حال الأفغان يقول “لا يُـلدغ المؤمن من جحر مرتين”.
* القارئ الكريم،،، سوف نتناول الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً في مقالات قادمة بإذن الله؛ نعرض فيها بشكل تحليلي لأسباب خطورة أيديولوجية طالبان الدينية المتطرفة.. ونستشرف معاً استراتيجية التحالف الغربي لمواجهة مستجدات الموقف في الدولة الأفغانية بعد سيطرة طالبان.. لكم مني كل الود.