بقلم: عمر نور الدين
عندما يسرق اللص في بلد فيتم تجنيد كل أجهزة الدولة من قضاء وبرلمان وحكومة لإنقاذه وإقناع المجتمع بقبوله كرجل خير تعرض لمحاولة إساءة لسمعته أو يقال إن ما حصل عليه هو من قبيل الهدية لأن الهدية من عاداتنا الاجتماعية من أجل تمرير الفساد والرشوة وزرعهما في عقول الناس لجعلهم يؤمنون بالفساد على أنه القاعدة وأن غيره هو الاستثناء.. هل يمكننا أن نقول إن هناك قانونا في هذا البلد؟
وهل يمكننا أن نثق في رجل دين يقول إن الفساد ليس سرقة أو بزعيم سياسي يصب جام غضبه على كل من يكافح الفساد أوينتقده ويكشف وجهه القبيح للناس ويناصبه العداء ويطارده في بيته وعمله ويحاول تشويهه بكل ما أوتي من قوة؟
وهل مطلوب منا كمسلمين أن ننسى كل تعاليم ديننا الحنيف لنسير خلف نائب حزب العدالة والتنمية عن مدينة آدييمان جنوب تركيا محمد متين أر الذي يقول إن المحسوبية وإعطاء الوظائف للمقربين من الحزب فقط هي من قبيل” إيتاء ذي القربى” ؟
نعم إن إيتاء ذي القربي هو أمر من أوامر المولى عز وجل لكن هذا الأمر سبقه أمر آخر بالعدل والإحسان كما أن هذا الايتاء يجب أن يتحقق فيه البذل الشخصي أي أن يكون ما تؤتيه أقاربك هو من مالك الخاص وليس من مال الدولة الذي اؤتمنت عليه.
لقد جرب هؤلاء اللعب بالدين واستغلاله وأفلحوا وأثمرت معهم اللعبة في الفوز بالانتخابات تلو الأخرى وتمكنوا من الدولة وأجهزتها فبدأوا يتعاملون مع الدولة بكل ما فيها على أنها من ممتلكاتهم الخاصة وأصبحوا يمنحون الوظائف والدرجات العليا لأقاربهم ومعارفهم على أنها نوع من إيتاء ذي القربى ويمنعون عن كل من يختلف معهم في الرأي كل شيئ.
هم فاسدون ويعلمون أنهم فاسدون لكنهم يتبجحون ويضللون أتباعهم ويستخفونهم لدرجة أنهم بدأوا يبررون لهم كل ما يفعلون بقولهم” هم يسرقون لكنهم يعملون” وهكذا اكتسب هؤلاء الصك الذي يجعلهم يعيشون في مستوى من الرفاهية لم يصل إليه السابقون وقد لا يستطيع أن يدركه اللاحقون بزعم أن هذه ضريبة يجب أن يدفعها لهم الشعب لقاء ما يقدمون له وكأنهم لا يتقاضون أجرا من الدولة عن عملهم.. يقولون لقد سرق من قبلنا الكثير لكننا نسرق القليل في مقابل ما نقوم به من مجهود!.
إنها صورة من صور تذويب الدولة وتحويلها إلى ملكية خاصة. وللعجب فإنهم يجدون من يصفق لهم من الشعب نفسه الذي تمارس عليه السرقة. لا تتعجبوا فكم من ضحية أدمنت ظلم جلاديها.
لكن ألا يستحق الرئيس رجب طيب أردوغان أن نصفق له؟ بلى يستحق:
ألم يدر المعركة ضد من قاموا بالكشف عن فضيحة الفساد والرشوة الأكبر في تاريخ تركيا بكل مهارة. وكانت المرحلة الأخيرة، بعد القضاء على المدعين العموم ورجال الشرطة الذين تولوا تحقيقات 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 ومطاردة وملاحقة كل من يختلف معه في الرأي ويقول إن هناك فسادا ورشوة، هي إغلاق الملف من جانب البرلمان لتموت القضية على الورق وليواصل هو طريقه نحو بناء تركيا الجديدة على قاعدة الفساد والاستبداد؟
ألم يقم بكل ما يستطيع من أجل تشويه وتدمير مدارس حركة الخدمة ومؤسساتها المالية والخيرية والإعلامية ولم يفلح، لكنه أفلح على الجانب الآخر في أن يقسم المجتمع التركي على أساس من الاستقطاب الحاد حتى يسود هو ويعلو؟
ألم ينجح على مدى 12 عاما في استغلال معاناة الفلسطينيين في غزة في حملاته الانتخابية رغم حصوله على وسام الشجاعة اليهودي ورفضه المطالبات المتصاعدة في تركيا بإعادته بسبب العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة ، ورغم تجارة نجله براق مع إسرائيل ورغم تزويد حكومته لإسرائيل بوقود الطائرات لضرب غزة نفسها؟
ألم يستغل كل حدث في المنطقة في حملاته الانتخابية، بدعوى نصرة المظلوم، بدءا من الأزمة السورية وانتهاء باستغلال علامة رابعة التي لم يعد يرفعها منذ أكثر من شهرين لأنه يفكر في إعادة العلاقات مع مصر ودول الخليج رغم أنه يستضيف بقايا البرلمان المصري المغلق بقرار من المحكمة الدستورية ليشكل برلمانا موازيا في إسطنبول ويستضيف مجالس ومنظمات معارضة لمصر وأخرى معادية لدول الخليج متناسيا أن من أهم المبادئ في السياسة والعلاقات بين الدول مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين ومع ذلك ينتظر من هذه الدول أن تفتح له أبوابها وتستقبله استقبال السلاطين؟
ألم ينجح في أن يضع ساقا على ساق أمام سبعة من أكبر رؤساء الدول في العالم في مقدمتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليلهب بهذه” الندية الباهرة” مشاعر الدراويش المولعين بالزعيم الملهم والخليفة البطل؟
ألم ينجح في أن يفرض” عزلة قيمة بائسة” على تركيا جعلتها لاتجد بابا ولامتنفسا رغم وقوعها على أربعة بحار ورغم امتداد حدودها لتلامس أوروبا من جانب والشرق الأوسط من جانب آخرومع ذلك تفشل في الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي؟
ألم يفلح في هز اعتبار تركيا والحط من مكانتها في العالم بذبح الديمقراطية وخنق حرية التعبير والقبض على الصحفيين بتهمة الإرهاب وفصل آخرين وتشريدهم واختلاق الأدلة عبر صحف وقنوات تليفزيونية تتغذى على أموال الفساد من أجل تكميم الأفواه وكف الألسنة عن النطق بكلمة الحق؟
ألم يتحدَ الاتحاد الأوروبي عندما أبدى رد فعله على حملة الأحد الأسود ضد الإعلام الحر في تركيا في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي والتي كان دافعها تكميم الأفواه لمنع الحديث عن الفساد بقوله عليه أن يركز في شؤونه الداخلية ولايهمنا إذا كان سيضمنا إلى عضويته أم لا ثم أعلن بعدها بأيام قليلة أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو خيار استراتيجي لتركيا؟
ألم يقل، بلا أدنى خجل أو تردد، أمام السفراء الأجانب المعتمدين في تركيا والذين يراقبون ما يجري فيها بدقة إن تركيا أفضل بلد في العالم من حيث حرية الإعلام بل أفضل من أمريكا والدول الأوروبية.. وفي اللحظة نفسها كان يتم القبض على الصحفية الهولندية التي تعيش في مدينة ديار بكر جنوب شرق تركيا فردريكا جاردينك؟
ألم يقل للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بعد أن ثار عليه الشعب: “ارحل فالكفن ليس له جيوب” ثم تبين أنه وأبناؤه يملكون القصور واليخوت والفيلات ويحصلون على نسب وعمولات تفوق بأضعاف ما كان يحصل عليها مبارك وأبناؤه وأنه لم يكتف بقصر تشانكايا الذي بناه الرئيس التركي الأول مصطفى كمال أتاتورك وجلس فيه أحد عشر رئيسا من بعده، فقرر أن يقيم قصرا منيفا بنحو مليار ونصف المليار ليرة من أموال الشعب التركي على أرض غابات أتاتورك في أنقرة ليتناسب مع جمهورية أردوغان.. فهل يستطيع من يصفقون له أن يقولوا له ما قاله لمبارك؟
نعم يستحق الرجل أن يصفق له أتباعه لأنهم طغمة من المنتفعين.. وبالطبع هناك من المواطنين ملايين من المخدوعين والفقراء والبسطاء يصفقون له لأنهم يرونه البطل الذي يقهر معارضيه والرجل القوي الذي يدوس على القوانين ويلغي الحكومة ورئيس الوزراء والقضاء والبرلمان ويقوم هو بكل شيئ فضلا عن ادعائه الحرب على أعداء الدين والمنافقين والخونة والحشاشين.. لكن هل المطلوب من الآخرين وممن يصفهم بالخونة والموازين والسفلة والانقلابيين والحشاشين أن يصفقوا له؟.
بعد كل ما مر بتركيا على مدار العام 2014 ورغم كل محاولات تشكيل الوعي من أجل تصديق كل ما يقوله أردوغان وجوقته يبدو اليوم أن طبقة المصفقين له تتآكل وتتزايد نسبة من يعتقدون أنه ديكتاتور متهور يتستر على اللصوص والفاسدين ويقود تركيا إلى الهلاك رغم حديثه الذي لايفتر عن المؤامرات والانقلابات والخيانة والتجسس والكيان الموازي، تتزايد هذه النسبة ختى في داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه.
ربما إذا لم تصفقوا لأردوغان اليوم سينالكم قدر كبير من الجور أو تلقون في غياهب السجون أو يتم تجريدكم من وظائفكم أو نفيكم إلى أقاصي تركيا أو يتم التضييق عليكم في أرزاقكم وحتما ستجدون أنفسكم في موقف لاتحسدون عليه.. لكنكم إذا صفقتم له فإنكم بذلك تعلنون تأييدكم للظلم وللحط من مكانة بلادكم وتقبلون بأن تداس الديمقراطية والقانون وحرية التعبير وحقوق وكرامة الإنسان بالنعال من أجل تأسيس” تركيا الجديدة” التي يحكمها الاستبداد ويترعرع فيها الفساد.. وستخجلون يوما لأنكم كنتم تصفقون مع المصفقين.