تقرير: ياوز أجار
أضنة (زمان التركية) – عاد خالص بايونجوك المزعوم وفق اتهامات النيابة العامة بأنه أمير تنظيم داعش الإرهابي في تركيا، والملقب باسم “أبو حنظلة” للمشهد السياسي في تركيا مرة أخرى، من خلال تصريحات مثيرة هاجم فيها الرئيس رجب أردوغان.
بايونجوك زعم أنه لا تربطه أي علاقة سياسية أو تنظيمية بداعش أو تنظيم القاعدة كما يزعم، واتهم حكومة حزب العدالة والتنمية بتلفيق تهم التورط في تفجيرات ديار بكر وسروج وأنقرة التي شهدتها البلاد في عام 2015، وأسفرت عن مئات القتلى من أجل التستر على الفاعلين الأصليين، على حد قوله.
وأوضح في حوار صحفي مع قناة “Artı” التركية أن سبب استهدافه من قبل حزب أردوغان هو انتقاده للنظام الحاكم في الفترة السابقة لاعتقاله، مؤكدًا أن الدولة في تركيا باعتقاله وتوجيهه التهم له امتصت غضب الشارع التركي.
نقل ساحة الصراع إلى تركيا
أما عن المرتكب الحقيقي لهذه التفجيرات، فأوضح بايونجوك أن تلك التفجيرات لها تفسيران رئيسان؛ الأول قيام داعش بنقل المواجهة الانتقامية بينه وبين حزب العمال الكردستاني من سوريا والعراق إلى تركيا، ومحاولته فتح جبهة جديدة داخل تركيا، والثاني هو رغبة نظام أردوغان في خلق حالة من الرعب والقلق داخل المجتمع التركي ليخاف الناس من سقوط نظامه واندلاع حرب أهلية في البلاد.
وتابع بايونجوك أن المواطنين عادوا ليدعموا حزب أردوغان في الانتخابات المعادة في 1 نوفمبر 2015 بعدما تراجعوا عن دعمه في الانتخابات السابقة في 7 حزيران من العام نفسه، وذلك عقب إشاعته الخوف والرعب فيما بينهم بعودة الاشتباكات بين الدولة والانفصاليين الأكراد.
لفت بايونجوك أيضًا إلى أن “الشارع الإسلامي يعتقد توظيف الدولة في تركيا لليساريين؛ كذلك نفس الأمر ينطبق على اليساريين، فهم كذلك يؤمنون بأن الدولة تستخدم وتستغل الإسلاميين في مشاريعها! أما النتيجة فهي أن الدولة تستخدم جميعنا، والذي يبقى دائمًا نزيهًا هو ذلك النظام غير الإسلامي وغير الإنساني في بلادنا”، على حد تعبيره.
تفجيرات 2015 الدموية
يذكر أنه في 22 يوليو 2015 وقع هجوم انتحاري نسب إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، استهدف شبابًا مناصرين للقضية الكردية بمركز ثقافي في بلدة “سروج” التابعة لمدينة شانلي أورفة الحدودية مع سوريا، وأودى بحياة 32 شخصًا على الأقل.
ومن ثم عثرت القوات الأمنية في صبيحة هذه الواقعة على شرطيين مقتولين على فراشهما في بلدة “جيلان بينار” بالمدينة ذاتها.
وعلى الرغم من أن السلطات ووسائل الإعلام التابعة للحكومة زعمت أن الهجوم نفذه حزب العمال الكردستاني بغرض الانتقام من هذين الشرطيين بدعوى صلتهما بداعش الذي قتل 32 كرديًّا قبل يوم واحد، إلا أن “ديمهات آجيت” المتحدث باسم اتحاد المجتمعات الكردستانية نفى صحة هذا الادعاء.
في حين نوّه الكاتب الكردي المعروف أميد فرات بأن الأسلوب المستخدم في قتل الشرطيين ليس من أساليب العمال الكردستاني المعهودة، مؤكدًا أن “الجهة” التي أمرت بتنفيذ الهجوم جعلت بعض المجموعات المرتبطة بالعمال الكردستاني تتبنى هذا الهجوم.
بينما الأقوال التي نقلتها نائبة مدينة هكاري عن حزب الشعوب الديمقراطية ليلى جوفين في عام 2019 عن فم والي مدينة شانلي أورفة في ذلك الوقت عز الدين كوجوك كشفت أن واقعة العثور على الضابطين مقتولين في فراشهما لم يكن لها أي أبعاد سياسية. فقد أوضحت النائبة أنها أجرت اتصالًا هاتفيًا مع والي المدينة كوجوك وهو قال لها خلال المكالمة: “الضباط كانوا ثلاثة أصدقاء. وكان هناك خصومة بين واحد مع الآخرين، وقام بقتلهما وذهب، لذلك فإن الواقعة ليست سياسية، وإنما جناية شخصية.. لقد كان يملك مفاتيح جميع الأبواب في هذا المبنى”.
وقف مفاوضات السلام الكردية
مهما كان الأمر فإنه بعد أسبوع من هذين الهجومين المنسوب أحدهما لداعش والآخر للعمال الكردستاني، وعلى وجه التحديد في 28 يوليو 2015، أعلن أردوغان بشكل رسمي انتهاء مفاوضات السلام الكردية التي كان يجريها منذ عام 2011 مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه المسجون عبد لله أوجلان، مما يدل على أنه نجح في اختلاق الذريعة اللازمة للنكوص عن سياسته القديمة ليبدأ بعدها في تركيا فترة جديدة مليئة بالاشتباكات الدموية.
وبعد الإطاحة بطاولة مفاوضات السلام الكردية اتخذ أردوغان قرارًا بالعودة إلى العمليات المسلحة ضد العمال الكردستاني. لكن الفارق هذه المرة أن العمليات الأمنية الجديدة لم تقتصر على المناطق الجبلية فقط وإنما وسع أردوغان نطاقها لتشمل المناطق والبلدات المأهولة بالسكان “المدنيين” من المواطنين الأكراد.
وبعد عودة النزاع المسلح بين الطرفين مرة أخرى تحولت كل أنحاء تركيا إلى ساحة دماء بسبب الهجمات المنسوبة للعمال الكردستاني والتي حصدت أرواح أكثر من ألف فرد من عناصر الأمن وحوالي 10 آلاف من عناصر العمال الكردستاني، بالإضافة إلى مئات المواطنين المدنيين.
وفي 10 أكتوبر 2015 شهدت العاصمة أنقرة أكبر مجزرة إرهابية دموية على مدى تاريخ تركيا نسبت إلى داعش أيضًا، استهدفت عشرات الآلاف من المشاركين في تظاهرة بعنوان “العمل والسلام والديمقراطية”، مما أدى إلى مقتل أكثر من 110 أشخاص وإصابة المئات، أغلبهم من الأكراد.
وكشفت التحقيقات أن منفذ العملية هو المدعو “يونس أمره ألاجوز” شقيق “الشيخ عبد الرحمن ألاجوز” الذي نفذ هجوم سروج قبل 3 أشهر من هذا الحادث وقتل 32 شابًا كرديًّا أيضًا. لكن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرتاش المعتقل حاليا اتهم حينها “الدولة” بالوقوف وراء هذا الهجوم.
كما كشفت وثيقة “سرية للغاية” أعدها مركز الاستخبارات التابع للاتحاد الأوروبي أن الهجوم الإرهابي الذي وقع بالعاصمة أنقرة عام 2015 وحصد أرواح أكثر من 100 مواطن مدني تم بـ”تكليف خاص” من حكومة حزب العدالة والتنمية نفسها لعناصر داعش.
ومن المثير أن المحكمة الإدارية في أنقرة، أصدرت في نوفمبر 2019 قرارًا باعتبار حكومة الرئيس رجب أردوغان مقصرة في أحداث “مذبحة أنقرة” في عام 2015، وحكمت بدفع تعويض قيمتها مليون و94 ألف ليرة تركية للسيدة نزيهة أتيلجان التي فقدت زوجها إبراهيم أتيلجان وابنها فايسال البالغ من العمر 9 سنوات في الواقعة. وبحسب جريدة “حريت”، قالت المحكمة في حيثيات حكمها: “حدث تقصيرٌ من حيث تقديم الخدمات لاتخاذ التدابير الكافية واللازمة، بالرغم من وجود معلومات استخباراتية لدى السلطات بشأن استعداد داعش لتنظيم تفجير انتحاري”.
ويشير محللون إلى أن استئناف أردوغان للعمليات الأمنية وتحويل شرق تركيا إلى ساحة حرب فيما يشبه العقاب الجماعي للأكراد جميعًا بسبب عدم تصويتهم له في انتخابات 7 يونيو 2015، أسهم في ترسيخ الانفصال الذهني والعاطفي لدى الأكراد؛ لكنها في الوقت ذاته ساعدت على توجّه القوميين الأتراك بقيادة حزب الحركة القومية إلى دعم حزب العدالة والتنمية، واستراجاع الحكومة المنفردة في انتخابات 1 نوفمبر 2015 المعادة.
–