علي بولاج
يذكّرنا القرآن الكريم دائمًا بمسؤوليتنا تجاه ذوي الأرحام وذوي القربى ويأمرنا بمواصلة العلاقات الأسرية وروابط القرابة من خلال أساس الرحمة والتعاطف والتضامن والمسؤولية المادية والاجتماعية. (سورة النحل 90، سورة الإسراء 26)
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يذكّرنا القرآن الكريم دائمًا بمسؤوليتنا تجاه ذوي الأرحام وذوي القربى ويأمرنا بمواصلة العلاقات الأسرية وروابط القرابة من خلال أساس الرحمة والتعاطف والتضامن والمسؤولية المادية والاجتماعية.[/box][/one_third]لاشك في أن عدم وفاء الأغنياء بواجباتهم تجاه الفقراء بالقدر الكافي يعتبر عيبًا غير أن عدم الوفاء بالواجب إزاء الأقارب وذوي الأرحام يعتبر عيبًا مضاعفًا. ولقد جعل الله سبحانه وتعالى للإخوة والأقارب والفقراء وابن السبيل حقًا في أموال الأغنياء ” فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” . (سورة الروم 38) ويأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث شريف بقوله فيما معناه أن للقريب على قريبه حقين أولهما الاهتمام والمساعدة والزيارة والسلام وثانيهما تقديم المساعدة إن كان محتاجًا”. وإن النفقات المصروفة على الأقارب والفقراء وابن السبيل ليست مساعدة بل هي أداء لحقوقهم علينا.
هناك أشكال عدة للقيام بالمسؤولية تجاه الأقارب والفقراء مثل تلبية احتياجاتهم الأساسية وتقديم رأس المال الكافي لأولئك الذين لديهم قوة للعمل من أجل أن يستطيعوا تسيير أعمالهم وتزويج غير القادرين وما إلى ذلك.
إن زيارة الأقارب – أي صلة الرحم – تعزز الروابط الأسرية من جهة وتضيف ثراء اجتماعيًا لها من جهة ثانية. بل يذهب العلماء إلى أبعد من ذلك ويقولون إن زيارة الأقارب تمنع الإصابة بمرض الزهايمر. كما أثبتت الدراسات ارتفاع نسبة الإصابة بمرض الخرف لدى أولئك الذين يعيشون في عزلة منقطعين عن أقاربهم. وعلى النقيض نجد من لايقطعون علاقاتهم بأقاربهم أو أصدقائهم بعد سن معينة يعززون قدرات ذاكراتهم المتعلقة بأحداث الماضي.
يعتبر القرآن الكريم “الأقارب” من ضمن الأشخاص الذين يستحقون الاستفادة من ميراث الشخص بعد مماته وذلك عن طريق الوصاية. فصلة القرابة تكون دائمًا سببًا للتفضيل. ويكون المبدأ العام هو البدء من أقرب الأقربين ومن ثم الانتقال إلى من هو أقل منهم قرابة بشكل تدريجي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن “الواسطة والمحسوبية” في حق الأقارب ليست إحسانًا بل إساءة. ومحاباة الأقارب هي عبارة عن تشغيل عديمي الكفاءة فقط لأنهم من الأقارب. ولاشك في أن هذه المسألة تفتح الباب بمرور الوقت أمام بيروقراطية الأقارب.[/box][/one_third]يقول الإمام القرطبي إن السبب الجوهري للتشديد إلى هذه الدرجة على الأقارب (ذوي الأرحام) هو تعزيز اسم الله “الرحيم” (صلة الرحم) المشتق من اسمه “الرحمن” واعتباره سبحانه وتعالى أن تقوية هذه الصلة مراعاة لحقوقه جلَّ وعلا. فحقوق الأقارب تتمتع بالأولوية وإذا كان هؤلاء الأقارب فقراء فإن حقهم يكون أولى. وهذا أمر مهم، ذلك أنه إذا كان هناك فقير معدم لاننظر إلى الأقارب الأقل احتياجًا ونقدم المساعدات المادية إلى ذلك الفقير. إذن فتفضيل الفقير على القريب يحول دون انتشار التعصب للأقارب وأفراد العائلة.
تقدم لنا الآية 90 من سورة النحل التي يقرأها الخطيب في ختام كل خطبة جمعة مبادئ ودعوات عالمية في هذا الإطار: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”.
كان الخليفة الرشيد الخامس عمر بن عبد العزيز هو الذي أمر بقراءة هذه الآية في نهاية خطبة الجمعة. وكان خطباء الجمعة في عهد سلاطين بني أمية وولاتهم حتى عهده يكيلون السباب إلى أهل البيت في نهاية الخطبة إلا أن عمر بن عبد العزيز حظر هذه الإساءة القذرة وأمر بقراءة هذه الآية. ولا تزال هذه العادة الحميدة مستمرة إلى يومنا هذا. وأما اختيار الخليفة لهذه الآية فيستند إلى سببين أحدهما اشتمال الآية على مبادئ عالمية وثانيهما هو تشديدها على مبدأ “ذوي القربى”، في إشارة إلى أهل بيت النبوة. وبطبيعة الحال يمكن أن نفهم من مصطلح “ذوي القربى” في هذا المقام حق أهل البيت لكن الآية تشتمل أيضًا على المسؤوليات التي يحملها كل صاحب قوة ومال إزاء أقاربه الأقربين أو البعيدين.
هناك نقطة أخرى يجب ألا نغفل عنها ألا وهي أن الله ذكر في الآية “العدل والإحسان” قبل “الإيتاء”. إلا أنه يجب على المسلم ألا يحيد عن الحق بينما يراعي حق أقاربه وأن يقدم لهم الدعم المادي والمعنوي دون المن عليهم وإيذائهم من الناحية المعنوية وجرح مشاعرهم. ولا شك في أن تعيين أحد الأشخاص من عديمي الكفاءة في منصب ما فقط لأنه من الأقارب يعتبر ظلمًا وجورًا.
إن “الواسطة والمحسوبية” في حق الأقارب ليست إحسانًا بل إساءة. ومحاباة الأقارب هي عبارة عن تشغيل عديمي الكفاءة فقط لأنهم من الأقارب. ولاشك في أن هذه المسألة تفتح الباب بمرور الوقت أمام بيروقراطية الأقارب.