بقلم : ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – استعان الرئيس التركي رجب أردوغان بجنرالات الدولة العميقة -تنظيم أرجنكون- ممن خططوا للانقلاب عليه في بداية حكمه، وأخرجهم من السجون ليحيك معهم مؤامرة ضد من فضحوا وكشفوا فساد حكومته، ويصنعوا معًا انقلابًا مدبرًا للتغطية على تلك الفضائح والتخلص ممن يمثلون إزعاجًا لتحالفهم الجديد؛ إلا أن تطورات الأحداث تشير إلى أن أردوغان بدأ الانقلاب على حلفائه الحاليين وقرر أن يعيدهم إلى السجون مرة أخرى قبل أن تقوى شوكتهم مجددًا.
القضاء التركي أعاد بشكل مفاجئ فتح ملفات “انقلابٍ” قال الرئيس رجب طيب أردوغان إنه استهدفه في عام 2003، واعتقل الجنرالات الواقفين وراءه لعدة أعوام، ومن ثم أفرج عنهم في 2014 زاعمًا أنه تعرض للخداع في هذا الشأن على يد “الكيان الموازي” أو حركة الخدمة، على حد تعبيره.
وكان أردوغان اتهم حركة الخدمة بقيادة تحقيقات الفساد والرشوة التي انطلقت عام 2013 والتي تورط فيها وزراء في حكومة أردوغان وأبنائهم، وقرر إغلاق القضية ووقف التحقيق فيها، مكتفيا بعزل الوزراء دون محاكمتهم، لكن رجال الشرطة والمدعين العامين الذين شاركوا في التحقيقات تعرضوا للاعتقال والفصل التعسفي من العمل.
الغرفة الجنائية السادسة عشرة في محكمة الاستئناف العليا ألغت أحكام البراءة في قضية “خطة المطرقة الانقلابية” التي استهدفت حكومة أردوغان بين أعوام 2003 و2007، بحق الجنرالات المتقاعدين تشاتين دوغان، وبهزاد بالتة، ومحمد كايا فارول، وإحسان بالابانلي، ومتين يافوز يالتشين، وأردال أكيازان، وأمين كوجوك كيليتش، لتقرّر إعادة محاكمتهم.
خطة الانقلاب التي نشرت لأول مرة في جريدة “طرف” ذات التوجه الليبرالي، والمغلقة حاليا، كانت تتضمن تفجير مسجدين في إسطنبول واتهام اليونان بإسقاط طائرة تركية فوق بحر إيجة، بهدف خلق البلبلة والفوضى في البلاد بحيث تبرر الانقلاب العسكري المزمع.
والمثير أن الجنرالات المتهمين لم ينفوا صحة تلك الخطة الموثقة بتسجيلات بالصوت والصورة، لكنهم حاولوا تفسيرها على أنها كانت إحدى السيناريوهات الافتراضية التدريبية للجيش ضمن عرض عسكري.
أسفرت التحقيقات الأمنية المعنية عن اعتقال أكثر من 350 شخصاً بتهمة التآمر على الدولة خلال عامي 2010 و2011، أغلبهم كانوا من كبار العسكريين العاملين والمتقاعدين، وعقدت الجلسة الأخيرة من المحاكمة في 20 سبتمبر 2012، ليتم الحكم في 21 سبتمبر على ثلاثة جنرالات بالسجن المؤبد مع تخفيضه إلى 20 سنة، وعلى المتهمين الآخرين بفترات أقصر، والإفراج عن 34 من أصل 365 متهمًا.
لكن المحكمة الدستورية قضت بانتهاك “الحق في محاكمة عادلة” للجنرالات المتهمين بعدما رفعوا شكوى إليها، لتتجه المحكمة الجنائية الرابعة بعدها إلى إصدار الحكم بالبراءة، والإفراج عنهم جميعًا في 31 مارس 2015. وموخرًا طعن وكيل النيابة العامة محمد آيدين على حكم البراءة الصادر بحق المتهمين المذكورين بحجة أن براءتهم كانت مخالفة لأصول المحاكمة والقانون، لتصدر الحكمة الجنائية السادسة عشرة أمس الأربعاء قرارًا بإعادة محاكمتهم مجددا.
وبحسب صحيفة “صباح” الموالية للحكومة، فإن التسجيلات المصورة التي تملكها المحكمة تكشف أن المتهمين كانوا يتحدثون عن ضرورة تشكيل “حكومة مصالحة وطنية” بعد الإطاحة بحكومة أردوغان خلال اجتماعهم في ندوة شاركوا فيها عام 2003 لوضع اللماسات الأخيرة على الخطة الانقلابية المذكورة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجنرالات المتهمين بمحاولة الانقلاب في 2003 سيتم إعادة محاكمتهم وسجنهم لمدة تتراوح بين 3 و12 عامًا، بتهمة “الاتفاق على جريمة”، منوهةً بأن الكواليس في أنقرة تقول بأن هذا القرار سوف يشكل نموذجًا يمكن تطبيقه أيضًا على 104 جنرالات وقعوا مؤخرًا على ما سمي “بيان مونترو” ضد أردوغان.
ويرى مراقبون أن القرار من شأنه أن يقوي يد أردوغان في الجلسة القادمة من اجتماع مجلس الشورى العسكري الذي تساق ادعاءات بأنه سوف يتخذ فيه قرارًا بتصفية جنرالات يصنفون ضمن “المعسكر الأوراسي” أو القوميين العلمانيين المتشددين المنتمين إلى تنظيم أرجنكون.
ومن المثير أن صحفيا يمكث في السجن لأنه كشف تفاصيل هذه المؤامرة التي حيكت ضد أردوغان، ففي 23 نوفمبر 2020 أصدرت الدائرة الثانية بمحكمة الجنايات في إسطنبول حكما بالسجن لمدة 17 عامًا وشهرا واحدا على الكاتب والصحفي محمد بارانصو، المعتقل منذ العام 2015، بتهمة “إفشاء وثائق سرية للدولة”، و”الانتماء إلى حركة الخدمة”، وذلك على خلفية كشفه قبل 11 عامًا عن التسجيلات المصورة لـ”خطة المطرقة الانقلابية” أو “الدولة العميقة”.
الوثائق التي نشرها بارانصو عبر صحيفة “طرف” دفعت النيابة العامة لفتح تحقيقات أسفرت عن اعتقال عدد كبير من الضباط والجنرالات خططوا لإجراء انقلاب عسكري عام 2003 على أردوغان، إلا أن الأخير اتجه إلى الإفراج عن جميع هؤلاء المدانين بالانقلاب بعد واقعة فضائح الفساد والرشوة في عام 2013، ليتحالف معهم ويستعين بهم في إغلاق ملفات “الفساد” و”الانقلاب” على حد سواء.
أردوغان أخرج المتهمين بالانقلاب والفساد من السجن في 2014، وبدأوا جميعا ينفذون عمليات مضادة للانتقام من كل من ساهم من أعضاء الأمن والقضاء والصحفيين والكتاب في قضية خطة “المطرقة” وتنظيم أرجنكون / الدولة العميقة، زاعمًا أنهم ينتمون إلى ما سماه “الكيان الموازي، قاصدًا حركة الخدمة.
بعدها بدأ أردوغان يهاجم بشراسة في جميع خطاباته “الكيان الموازي” أو “الدولة الموازية”، غير أن هذه الكلمة أو المفهوم لم يكن مألوفًا لدى الشارع التركي، ولم يستخدم أردوغان هذا المصطلح من قبلُ بحق حركة الخدمة، بل لم يتخذ من قبل أي موقف سلبي – في العلن على الأقل – من هذه الحركة طيلة عقد كامل من حكمه، باستثناء الخلاف حول إغلاق “معاهد التحضير الجامعي” الذي نشب بين الطرفين قبل عدة شهور من تحقيقات الفساد، الأمر الذي أفضى إلى الارتباك والالتباس في الأذهان.
وانقسم الشارع تبعًا لذلك بين مؤيد لأردوغان في أطروحته ومعتبرٍ للكيان الموازي “حقيقة”، ومعارض له ومعتبر إياه “وهمًا” يضعه النظام أمام شعبه ليتمكن من التستر على “فساد” حكومته و”انقلاب” أعدائه القدماء وحلفائه الجدد.
وعقب ذلك أراد أردوغان أن يقوي جبهته، فروج من خلال أبواقه الإعلامية إلى ما مفاده أن التحقيقات في قضيتي “المطرقة” و”أرجنكون” كانت بتدبير من رجال حركة الخدمة في القضاء والأمن، فأعاد التحقيق وأفرج عن كل المتهمين، وبدأ في الانتقام من كل من كشف عن تلك القضايا على اعتبار أنهم من أتباع الحركة.
يبدو أن أردوغان اضطر للنبش في الملفات القديمة لأعدائه القدماء بعد أن رأى ضرورة البحث عن حلفاء جدد من أجل تجاوز الأزمات التي يواجهها على الصعيد الداخلي والخارجي وفي كل المجالات، ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان أردوغان سيستطيع إخراج أرنب جديد من قبعته أم لا.
–