بقلم/ علي جمعة
وإذا ذهبنا نفصل القول في كل السنن الإلهية لاحتجنا إلى مجلدات، ولكننا نضرب مثالا لهذه السنن بالحديث ثلاث سنن منها وهي: 1- سنة التكامل، 2- سنة التدافع، 3- سنة التوازن.
1- سنة التكامل
والتكامل يعني أمورا:
الأول: أن المخلوقات بها نقص جبلي، فيحتاج كل مخلوق إلى باقي المخلوقات في منظومته حتى يحقق الوظائف التي به معاشه وسعادته.
والثاني: أن الله تنـزه عن الاحتياج إلى زوج يكمله، وتفرد بالقيومية، وجعل خلقه أزواجا في حاجة في الظاهر إلى بعض، وفي الباطن في فقر دائم وحاجة مستمرة له سبحانه، فقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ اْلأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ﴾(يس:36).
والثالث: أن أساس العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان هي التعاون وليس العداء، بل إن أساس العلاقة بين الإنسان والكون هي التفاعل والصلاح والتكامل، مما يؤكد على ما استقر في عقلية المسلم من أن الصراع طارئ، وأن الأساس التكامل.
والرابع: أنه ما دام الأمر كذلك فعلى المسلم مسؤولية كبيرة في هذه الأرض، وهي عودة الاستقرار والسلم إليها، وإنهاء حالة الصراع والنـزاع، فتلك المفاهيم التي تترتب على سنة التكامل لو اطلع عليها من يهاجم الإسلام بغير علم، لاعتذر للأمة في تراثها وفي تاريخها، واهتدى بها في سيره لإصلاح العالم بأسره.
الخامس: أن يتواضع الإنسان لخالقه سبحانه، حيث يدرك الإنسان نقصه واحتياجه لكل ما حوله، فهو في حاجة دائمة للهواء الخارجي للتنفس، وللماء للشرب وللطعام للأكل وللنوم، ولقضاء الحاجة وللزوجة وللأبناء وللأصدقاء، والله هو الذي يغني الإنسان بتوفير كل ذلك له، فيتواضع لعظمة الله ويتقين من فقره، ويعلم أنه غير قادر على الاستقلال بعيدا عن الله وفضله.
والله قد خلق الأكوان مختلفة في ظاهرها، لكنها متحدة في الهدف والغاية. فهذا الخلاف والاختلاف إنما هو للتنوع وليس للتضاد. فالليل والنهار يشكلان يوما واحدا، لكل منهما خصائص، والذكر والأنثى لكل منهما خصائص، ولكل منهما وظيفة، والحاكم والمحكوم لكل منهما وظيفة، والغني والفقير، وأغلب الثنائيات خلقية أو قدرية. فالخلقية كالليل والنهار والذكر والأنثى، والقدرية كالحاكم والمحكوم والغني والفقير. وسميناها قدرية لنفرقها عن الخلقية، وإن كان فيها سعي للإنسان واختيار وكسب، إلا أنها من فضل الله وقدره أيضا.
نحتاج إلى فهم عميق لسنة التكامل، فإن في فهمها الخير الكثير، وفي ترك فهمها وعدم القدرة على استكشافها الشر الكثير، فإنّ فهم سنة التكامل يجعل أصل الخلق عند المسلم هو التكامل وليس الصراع، ولذلك يفهم العلاقة بين الذكر والأنثى على أنها خلقت للتكامل، بخلاف التوجه الذي يدعو إلى أن الأصل هو الصراع، وأنه يجب على المرأة أن تصارع الرجل لتحصل على حقوقها، وأن المحكوم يجب أن يصارع الحاكم للحصول على حقوقه، وأن الإنسان يجب أن يصارع الكون حتى يحصل منه منفعته، على ما استقر في الفكر الإغريقي من فكرة صراع الآلهة وانتصار الإنسان في النهاية عليها.
وفهم سنة التكامل لا ينفي حدوث الصراع أو إمكانية حدوثه ووقوعه، ولكن هناك فرق بين أن نجعله أصلا للخلقة لا يمكن الفرار منه، وبين أن نجعله حالة عارضة يجب أن نسعى لإنهائها حتى تستقر الأمور على الوضع الأول الذي خلقه الله.
هذا التكامل هو الذي يفرق عند فهمه بين المعنى الروحي للجهاد في سبيل الله وبين الحرب التي تشن هنا وهناك لأجل المصالح والهيمنة والاستعلاء في الأرض والفساد فيها أيضا.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾(النساء:1)، وقال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾(الإسراء:12)، وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(آل عمران:26)، وقال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾(الزخرف: 32).
نتائج التكامل
وهذا التكامل هو الذي يجعل العلاقة بين الرجل والمرأة مآلها إلى السكن والسكينة وإلى المودة والرحمة وإلى التعاون وعمارة الأرض بالنسل الصالح القوي، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الروم:21).
ذلك التكامل الذي يجعل الحاكم والمحكوم في خندق واحد أمام كيد الكائدين، ويجعل الحاكم رفيقا رحيما بالمحكومين، راعيا لشئونهم، قائما بمسئوليته على أكمل وجه، حيث يتمثل كل حاكم وصية الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمالك بن الأشتر رضي الله عنه حين ولاه مصر، عندما قال له: “وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزّلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه”. والتكامل يجعل المحكوم متعاونا متفهما لحاكمه، معرضا عما لا فائدة من ذكره، مقبلا على صالح بلاده ونمائها.
إنه التكامل الذي يجعل صاحب العمل يتعاون مع العمال، وصاحب رأس المال يتكامل مع القوة البشرية التي تدير المشروع، فلا يكون هناك بين صاحب المال بحيث يطمع ويستغل ظروف سوق العمل، ولا يكون هناك ضغط من العمال لأخذ ما لا يستحقون، بل يتعاون الجميع على تنمية اقتصاد البلاد وصالح أحوالهم المعيشية بما يرضي الله.
إنه التكامل الذي يجعل صاحب البناء متعاونا ومتفاهما مع المستأجرين، فيتعاون الجميع على نظافة وجمال بنايتهم، فيصبح الحي كله نظيفا جميلا، ومن ثم تكون البلد كلها متحضرة عنوان على نظافة المسلمين وتعاونهم.
ذلك التكامل هو الذي يجعل الغني يساعد الفقير، ويجعل الفقير منتجا ويتخلص من فقره، ويجعل الشعور السائد بين الأغنياء والفقراء الحب والتعاون، فلا يرى الغنى في نفسه فضلا على الفقير، ولا يرى الفقير في نفسه دناءة.
هذا التكامل الذي إذا ما تم في كل تلك المجالات، يتحقق فينا وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى” (متفق عليه). هذا التكامل الذي أراده الله لصلاح الناس وإصلاح الأرض وإعمارها.
2- سنة التدافع
سنة التدافع، وهي سنة مأخوذة من قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ﴾(البقرة: 251).
وهذا التعبير القرآني يبين حقيقة علو القرآن على التفاسير التي خطها البشر، فهو لم يحصر هذا في القتال أو النـزاع والخصام -كما ورد في التفاسير-. عبر بالتدافع ليشمل كل أنواع التعاون والاختلاف بل والصراع والصدام للوصول بكل وسيلة إلى الاستقرار وتحقيق مراد الله من خلقه: عبادة، وعمارة، وتزكية.
فالتدافع سنة إلهية تبين أن الإنسان قد خلقه الله سبحانه وتعالى اجتماعيا يحتاج إلى الآخرين، وهم يحتاجون إليه، فلم يخلقه منعزلا قادرا على البقاء وحده حتى يحقق مراد الله من خلقه، بل إنه لابد أن يعمل في فريق ليصل إلى هدفه، وعمله في الفريق وحراكه الاجتماعي ونشاطه الذاتي يحتاج إلى إدراك سنة التدافع. وإدراك هذه السنة يتولد منها قوانين كثيرة لضبط هذا النشاط والحراك، وعليه فإن عمليةً فكريةً لابد أن تسبق النشاط، وهو ما قد يكون الإنسان العصري قد افتقده حيث سبق النشاط الفكر، وكان ينبغي أن يسبق الفكر النشاط ويسبق حديث القلب أيضا الفكر ولهذا موضع آخر يشرح الفرق بين الآمرين.
وتكون سنة التدافع بمدافعة أهل الخير وجند الله، لأهل الشر والإفساد في الأرض؛ وذلك لتحقيق الصلاح والاستقرار على الأرض، فقد أوضح ربنا سبحانه وتعالى أن من آثار هذه السنة الإلهية منع الفساد في الأرض ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾(البقرة: 251). وأوضح سبحانه أن هذا التدافع الذي جعله الله تعالى بين جنده القائمين بالصلاح والإصلاح وإعمار الأرض، وبين أعدائه الفاسدين المفسدين القائمين بتخريب الأرض من أعظم نعم الله على البشرية، إذ لو تُرك الفاسد يشيع الفساد في الأرض ويستضعف الصالحين، وهم لا قوة لهم لتهدمت كل القيم وكل الأشياء الجميلة في هذا الكون، حتى أماكن عبادة الله سبحانه وتعالى، كما أخبر الحق تعالى بذلك فقال: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحج:40).
وسنة التدافع ليست أمرا شرعيا بقدر ما هي حالة تحدث لتطهير الأرض ونقاءها، فإن الله لا يبقي الخبيث يقود ويسود حياة الناس أبدا، حتى وإن مكنه من ذلك قليلا، قال تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾(الرعد:17).
فإن حق قيادة الناس يكون دائما للأصلح الذي يحقق الخير والنماء والرخاء لهم، بما يحقق حضارة الإنسان، التي تعلو فيها القيم الأخلاقية على الشهوات، ولذا كتب الله سبحانه وتعالى ذلك في الرسالات السابقة قبل القرآن، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء:105-107).
ومن أجل تحقيق ذلك كتب الله في كونه تلك السنة التي بينا معناها وأشكالها، وموقف أهل الخير منها وأهل الفساد.
3- سنة التوازن
وهي سنة قد أشار الله إليها كونيا، قال تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾(الحجر:19)، وقيميا قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيزَانَ﴾(الرحمن: 9)، وقال سبحانه: ﴿اللهُ الَّذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾(الشورى:17)،
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾(الحديد:25).
ونرى مرة ثانية أن الاستقرار هو الأساس الذي يجب أن ينتهي إليه النشاط الإنساني بعد التوتر الذي يبدأ به، وإذا تحدثنا عن مثل هذه السنة لرأينا أنها سنة كونية وسنة قيمية، ونأخذ منها موقفنا من قضايا البيئة وموقفنا من قضايا الفكر، وموقفنا من مفهوم العدل خاصة إذا رأيناها تمتد إلى الآخرة والحساب وتمثل دالا على عدل الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ﴾(الأنبياء:47).
وقال سبحانه: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ﴾(الأعراف:8).
والذي لابد للإنسان أن يتمثل به ثم يأتي التكليف على وفق هذه السنة مشيرا إلى أن التكليف بالأحكام مرتبط ارتباطا تاما بالسنن الإلهية المحيطة بنا، وأن تطبيق هذه الأحكام من خلال فهمنا للسنن وتفاعلنا معها هو الضامن لتحقيق هدفها والوصول إلى مقاصدها يقول تعالى: ﴿فَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(الأعراف:85).
فالتوازن هو التوسط بين الإفراط والتفريط في كل الأمور، وهذا التوسط هو من خصائص هذه الأمة المحمدية الخاتمة، يقول تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(البقرة:143). والوسط هو الأجود والمختار والأعلى كذلك، يقول ابن كثير في تفسيره “والوسط هنا: الخيار الأجود، كما يقال: قريش وسط العرب نسبا ودارا، أي: خيرهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه، ولما جعل الله عز وجل هذه الأمة وسطاً خصها بأكمل الشرائع، وأقوى المناهج، وأوضح المذاهب”.
الوسطية أو التوازن تساهم في بناء المسلم متوازنَ النفس، متزن العقل، سليم الصدر، النافع لمجتمعه ووطنه، ولقد قامت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت في عهد وزيرها الأستاذ الدكتور عبد الله معتوق المعتوق بعمل أمانة لمشروع الوسطية، وجعلت عليه أمينًا عاما هو المفكر الإسلامي والعالم الكبير أ.د عصام البشير وزير الأوقاف السابق بدولة السودان، وهذه الوسطية كمنهج حياة، وكفكر ديني، هي التي ينبغي أن تشيع في الفكر الإسلامي الآن، وهي التي من خلالها صدر بيان عمان الذي اعترف بالمذاهب الإسلامية كلها، والذي كان بيانه الافتتاحي من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والذي تأكد وتأيد في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة في شعبان سنة 1426هـ الماضي، والذي وقعه أكثر من مائتي عالم ومرجع من مراجع الفقه الإسلامي في العالم.
فالتوازن إذن سنة إلهية نتعلم منها الكثير؛ نتعلم منها الإنصاف وقول الحق في الغضب والرضا، ونتعلم منها التفكير المستقيم، ونتعلم منها بناء العقلية العلمية، وترك عقلية الانطباعات.